أفادت الأخبار الواردة من المكسيك مؤخّرا إكتشاف علماء الآثار لمدينة عتيقة تعود لحضارة المايا ظلت مواراة ومتخفيّة قرونا من الزّمن في منطقة موحشة من الأدغال تكثر فيها الأمطار بدون إنقطاع ،وأطلق العلماء على هذه المدينةالجديدة المكتشفة إسم تشاكتون أيّ "الصخور الحمراء" ، ويأمل هؤلاء العلماء أنّ هذا الإكتشاف المثير من شأنه أن يفضي إلى إماطة اللثام عن سرّ إندثار هذه الحضارة قبل ألف عام ،هذا السرّ الذي ظلّ لغزا يحيّر الباحثين وما يزال حتى اليوم . من خلال العرضين التاليين، سنعمل على تسليط ألاضواء الكاشفة على هذه الحضارة الغرائبيّة الضاربة فى القدم التي حيّرت وأفزعت العالم، وهي الوحيدة التي عبّرت كتابة فى القارّة الأمريكية عن مفاهيم فكرية قبل الإكتشاف. هل كانت القارة الأمريكية أرضا بورا وخالية من السكّان..؟ وأنها لم تعرف إشعاع الحضارة فى تاريخها إلاّ مع قدوم سفن كولومبوس إلى العالم الجديد؟ الحقيقة غير ذلك ،إذ دخل كولومبوس وبعده أفواج من الرجال البيض إلى عالم مأهول ذي حضارة عريقة كان يمتدّ تاريخ بعضها إلى أكثرمن خمسة آلاف سنة عام قبل الميلاد،وقد برع أصحابها فى مختلف العلوم والفنون مثل الطبّ والفلك والرياضيات والمعمار، ولم يكن هؤلاء جهلة ومتوحّشين كما حاولت ونجحت إلى حدّ كبيرالكتابات الأوربية تصويرهم ، فالتاريخ منذ عصر النهضة وحتى ما قبلها كانت تكتبه أوربا وتتحكّم فيه،وما كان فى مصلحتها إظهار فتوحاتهاعلى حقيقتها .لقد كانت هناك مجازر رهيبة إرتكبت باسم كلّ ما هو نبيل فى الضمير الأنساني زورا وبهتانا، بينما الحقيقة كانت تملك ضميرا واحدا هو التجارة ونهب الخيرات. تساؤلات بلا أجوبة من أبرز الحضارات التي سادت ثم بادت فى هذه الجهة من العالم حضارة "المايا" التي قامت على أنقاض حضارات سابقة لها،ظهرت فى المناطق التي إنتشرت وإزدهرت فيها وهي جنوبالمكسيك، وغواتيمالا، والهوندوراس، وبليس والسّلفادور،وهي الحضارة التي شغلت العالم، وأفزعت الناس وروّعتهم قبيل نهاية عام 2012 المنصرم بنبوءاتها وإرهاصاتها عن نهاية العالم التي خبا أوارها وذهبت أدراج الرياح، وصدق فيها وعنها القول القائل: كذب المنجّمون ولوصدقوا. فمن هم أصحاب هذه الحضارة..؟وما هي أبرز مظاهرها وأسرارها وغموضها وغرائبيتها ..؟ ما زالت العديد من التساؤلات تطرح إلى اليوم حول هذه الحضارة التي نشأت وترعرعت وسادت ثم بادت فى ظروف غريبة .ولم يتوصّل بعد العلماء إلى معرفة الإجابة عن بعض هذه التساؤلات المحيّرة التي لم تجد حتى الآن أجوبة شافية ومقنعة لها. لماذا فى أواخر العهد الكلاسيكي عند المايا الذي يبتدئ من (250 سنة بعد الميلاد)أصبحت أهمّ مدنهم وحواضرهم الكبرى مهجورة فى الوقت الذي كانت حضارتهم قد بلغت أوجا عظيما من التقدّم والتطوّر والإزدهار؟ .كما لا يعرف كيف أمكن للمايا أن يتوصّلوا إلى بلوغ تلك المفاهيم والتصاميم المعمارية والهندسية المتطوّرة؟. وكيف حققوا ذلك النبوغ فى ميدان العلوم والطبّ والرياضيات والفلك والفلاحة بالقياس الى زمنهم الغابر حيث سبقوا عصرهم ،وبذّوا سواهم من المجتمعات المعاصرة لهم فى هذا القبيل؟. كما لا يعرف العلماء إلاّ النزر القليل عن سرّ ومبعث ودوافع إختياراتهم وأذواقهم الجماعية وعاداتهم الغريبة؟ . وما هي معارفهم حول العالم الخارجي؟ كما أنّ معارفهم عن إقتصادهم وتجارتهم شحيحة وضامرة ؟. كيف ولماذا ومتى ظهرت الكتابة عندهم؟. لماذا ظلّ نظامهم الكتابي هو المحبّذ والمستعمل لعدّة قرون فى رقعة شاسعة من "العالم الجديد"؟. وما هي أنواع الكتابات الأخرى التي ظهرت واستعملت قبلهم؟ . لماذا تميّزت حضارتهم بالتنقل والترحّل والتحرّك من مكان إلى آخر..؟ كيف توسّعت وترامت أطراف إمبراطوريتهم الواسعة حتى شملت خمسة بلدان وهي: المكسيك،وغواتيمالا، وبليس، والهوندوراس، والسلفادور.؟ لابدّ أن كثيرا من الأجوبة عن هذه التساؤلات وعلامات الإستفهام المحيّرة قد غدت رمادا تذروه الرّياح خاصّة بعد أن أحرق الرّاهب الإسباني "دييغو دي لاندا "معظم كتبهم ومخطوطاتهم كما سنرى بعدقليل. إنطلقت حضارة المايا منذ 5 آلاف سنة قبل ميلاد المسيح، وخلال عهدها الكلاسيكي الذي يبتدئ من 250 سنة بعد الميلاد إلى 750 سنة ، عرفت عهد إنحطاطها . وعلى الرّغم من أنّ المناطق التي قامت وترعرعت فيها حضارتهم لم تكن صالحة للفلاحة،إذ كانت أرض أدغال وصحارى فى يوكاتان جنوبالمكسيك فقد أمكنهم مع ذلك أن يستغلّواالأرض أحسن إستغلال وأصبحوا من أكبر المزارعين ، وإزدهرت الفلاحة عندهم ، وإخترعوا نظاما جديدا للريّ بواسطة جلب المياه عبر قنوات ، وإستغلال ضفاف الأنهار، وإستخراج المياه الجوفية. البنية الإجتماعية أسّس المايا عدّة مدن وحواضر بلغ تعداد سكان بعضها 100 ألف نسمة خاصّة فى "تيكال"ومن مدنهم الأخرى: "بلينكي"و"كالاكمول"و"كويان"و"سيشين إتزا"و"مايبان" إلخ، وكانت كلّ مدينة من هذه المدن يحكمها حاكم يسمّى "هالاشي يونيك". كان هؤلاء الحكّام يعتبرون ملوكا ينحدرون من أصول أسطورية ،وكان عندهم نظام وراثة العرش للذكور.كما كان عندهم نبلاء ذوو طابع إقطاعي ، ثم الكهنة، والمكلفون بالتجارة والبناء والكتابة ،والمكلفون بالحفاظ على النظام الإجتماعي للدّولة، ثم أخيرا العمّال والمدنيّون والقرويّون.وكان نظامهم صارما ، إذ من الصعوبة أن يبرح المرء المكان الذي ولد فيه، فى حين كان الفلاحون يعيشون داخل دور صغيرة ذات شكل مستطيل، أسقفها من الحجر وحيطانها من السّعف. وكان النبلاء والسّادة يقيمون فى قصور محاطة بالمعابد والسّاحات،خاصّة ساحات لعبة كرة المايا وخزّانات الماء والمذابح لتقديم القرابين. كان تقسيم بنيتهم الإجتماعية كما يلي:" المينونوب":النبلاء والحكّام والكهنة والمحاربون والتجّار."شيمبال":الشّعب والصنّاع التقليديون،والعمّال والفلاحون."بينتاكوب" العبيد.وهلاشي يونيك كان يعني الزعيم،وترجمته الحرفية"الرّجل الحقيقي".و"هان كان" الرّجل الأفعى، وهو الكاهن الذي يقيم الطقوس ويلقّن العلوم والمعارف، ويكتب المخطوطات ويشرف على المعابد ،وهو يعتبر المستشار الرئيسي للحاكم. العمارة والنحت يشير الباحث المكسيكي المتخصّص فى تاريخ المايا "كارلوس روبيو روسيل" أنّ المايا خلّفوا لنا قصورا ذات جمال لا يضاهى،وهذه البنايات لم تكن عفوية بل هي ذات مفاهيم روحية لا يمكن للإنسان الغربي أن يدركها، يقف المرء مشدوها بعد مرور عدّة قرون أمام هذه الأبنية وهو يشعر بالإعجاب خاصّة إذا مرّ بخاطره مصطلح "الإكتشاف"الذي يحلو للغربيّين إستعماله عند حديثهم عن هذه الأرض حيث كثيرا ما وصف أهلها بأحطّ الأوصاف ونعتوا بالجهلة والمتوحّشين. ويشير روسيل :"أنه فى منطقة (يوكاتان) وحدها تمّ تعداد 1643منطقة للمايا لا يعرف منها الآن سوى 17 منطقة وتتعرّض هذه المناطق للسّرقة والنهب وتهريب الآثار سواء داخل المكسيك أو خارجها،كما أنّ السكان الحاليين يستعملون الأحجار الأثرية والأنقاض القديمة لبناء دور جديدة ". ويشرف المعهد الوطني المكسيكي للأنثروبولوجيا على عمليات ترميم هذه الآثار ، ويعثر العلماء كلّ يوم على تماثيل ونفائس وحليّ وأواني فخارية مزخرفة ترجع لعهود المايا. ويقول الباحث " فرناندو بينيتز"( وهو من أكبر الباحثين فى تاريخ الهنود السكّان الاصليين فى القارة الأمريكية):"فى "قصيدةالأنقاض الوحيدة" عندما زار لأوّل مرّة مدينة "كباه" وهي من كبار مدن المايا:"الطيور الزرق على قمم الأشجار تزقزق زقزقتها الغريبة بدون إنقطاع ،بينما كنّا نحن نقطع مساحات من بساط أخضر من الحشائش التي تتراقص بفعل هبوب الرّياح الخفيفة عند الأصيل ، ثم رأينا آبار المايا التي كانت تغصّ فى الماضي بماء الذهب السّائل الذي منحهم السلطة والثروة والنفوذ والقوّة " . وفي مدينة "تيكال"رفع المايا أعلى بناية شيّدت فى أمريكا اللاتينية فى التاريخ القديم،حيث بلغ إرتفاعها 299 قدما. ويرى " دافيد روبيرتوس":"أنّ حضارة المايا فاقت فى رقيّها وإزدهارها حضارتين أخريين نشأتا فى أمريكا اللاتينية أيضا وهما حضارتا "الأزتيك"(المكسيك) و " الإنكا" (البيرو). وبعد وصول الإسبان عام1492إلى العالم الجديد كانت بعض بنايات المايا لا تزال قائمة ،حيث كانت لهؤلاء صلات روحية وثقافية بالعهد الكلاسيكي القديم." ويؤكّد نفس الباحث " أنّ الفضل يرجع فى إكتشاف هذه الحضارة القديمة إلى الحفريات التي قام بها العالم الأمريكي " جون لود ستيفنز"الذي سافر صحبة الفنّان الريطاني "كاترود فريدريك" من عام 1839 إلى1842، إلى أدغال أمريكا الوسطى ، وأنّ الصّور المحفورة والنقوش التي جمعها كاترود حول هذه المناطق كانت مفأجاة للعديد من الدارسين المتخصّصين فى تاريخ حضارة المايا . وقد حققت الكتب التي وضعها ستيفنز عن رحلته مع كاترود نجاحا كبيرا وإنتشارا واسعا نظرا لفضول القرّاء فى معرفة تاريخ هذا الشعب المغلّف بالغرائبية ، والذي شحذ خيال الناس وأخذ بمجامعهم. تاريخهم منقوش على جدرانهم وقال ستيفنز عندما زار مدينة "كوبان":"إنّ تاريخ المايا منقوش على جدران مدنهم ومعالمهم ، فمن فى مقدوره قراءة هذا التاريخ؟وعلى الرغم من الجهود التي بذلت فى هذا السبيل، فإنّ الباحثين على إمتداد قرن من الزمان لم يتوصّلوا سوى إلى هجاء أربعين فى المائة فقط من كتابة المايا.. ! وكان العالم الألماني بول شيلاس قد أصدر حكمه الحزين فى هذا الشأن عندما قال:" إنّ كتابات المايا الغامضة لن يماط عنها اللثام أبدا ". كما أنّ عالم الآثار البريطاني" إريك طومسون" قال:"إن الذي يطلق عليه بالمدن عند المايا إنما كانت مراكز لإقامة الشعائر والطقوس وقد كانت هذه المدن فى معظم الأحيان فارغة ، وكان دخولها مقصورا على الكهنة والحكام". وقد أثبتت الدراسات فيما بعد أن نظرية طومسون كانت خاطئة . ومن أكبر حواضرهم كذلك " تولوم" التي يحيط بها سور عظيم وهي تعجّ بعشرات الآلاف من البنايات والقصور الحافلة بالنقوش والمجسّمات والتي تفسّر أبرز مظاهرهم الحضارية ومعتقداتهم ، ولم تكن مكانا لدفن موتاهم من الحكام مثلما هوعليه الشان عند الفراعنة بل للتعبّد وتقديم القرابين. وقد أمكن للمايا أن يطبعوا أعمالهم بطابع مميّز خاصّة الحاجيات الضرورية للإستعمال اليومي التي كانت ذات جمالية رائعة . ففى بناءاتهم الهندسية إستعملوا الطوب البنّي والحجارة لبناء معابد كبرى . وكانت قصورهم مستطيلة الشكل ذات غرف عديدة وكانوا يحبّون لعب الكرة ، وهي ذات طقوس خاصّة لها صلة بالخصوبة ، وكان يلعبها قبلهم الأولميك وسابوتيكاس كما لعبها الأزيك بعدهم .وكانت تستعمل فى اللعب كرة من المطّاط التي تزن عدّة كيلوغرامات ، تضرب فقط بالكوع والركبة والورك .وكانت تقام إلى جانب الملاعب حمّامات البخار حيث يقوم اللاعبون بالتنظيف. كما بنى المايا مراصد جوية فلكية هائلة ، وكانت شوارع مدنهم مرصّفة. وقد أنجزوا فى مجال النّحت تماثيل ومجسّمات جمالية رائعة ،وكان هذا الفنّ يعتبر عندهم إستكمالا للهندسة المعمارية التي كانت تزدان عندهم بها العتبات العليا ،والمذابح، والمصاطب، والأعمدة ،والمنقوشات على صفائح من خشب وأحجار كانت توضع فى المعابد والهياكل مع رسومات لعليّة قومهم، وصور حيوانية ذات رموز ومفاهيم عندهم . وأجادت شعوب المايا فنون الرسم والتصوير وإستعمال الرّيش ، وصناعة النسيج والأواني الفخارية وصياغة الذهب والفضّة ، وإستخرجوا منها أنواعا من الحليّ من أعقاد وأقراط وخواتم ، كما صنعوا آلات موسيقية مثل الجلاجل والطبول والصنوج وآلات أخرى صوتية رخيمة رنّانة من المحار والصدف والقصب بالإضافة إلى مزاولتهم لمختلف فنون الرّقص الذي توارثه الآباء عن الأجداد إلى يومنا هذا. الكتابة وأعظم إختراعاتهم هي الكتابة ، وهو الشعب الوحيد السّابق للوجود الكولومبي الذي أمكنه أن يعبّر بواسطة الكتابة عن مفاهيم دينية وإجتماعية وفلسفية وشعرية وعلمية . وكانت الكتابة عندهم تتألف من تراصّ علامات صوتية رمزية تصويرية ذات نظام شبيه بالذي كان موجودا عند السّومريين أو قدماء المصرييّن. كانوا يكتبون فى عمود مزدوج من اليسار إلى اليمين ومن أعلى إلى أسفل . وتنتشر كتاباتهم على جدران المعابد والمنقوشات وكذا فى مخطوطاتهم ، وهي عبارة عن رقع خاصة للكتابة عندهم مثل ورق البردي فى مصر القديمة، إلاّ أنها مصنوعة من لحاء الأشجار المسحوق، وكانت كلّ ورقة توثق أو تلصق بأخرى حيث تكوّن رقعة قد يصل طولها إلى عشرة أمتار يمكن جمعها وطيّها فيما بعد.ولم يبق من هذه الرقع الكتابية سوى أربع، وهي معروفة بالأمكنة التي تحفظ فيها لليوم، وهي درسدن، باريس، مدريد، ونيويورك.وتتعلق المخطوطات الموجودة فى درسدن ومدريد بعلوم الفلك وعلم النجوم ، أما مخطوطات باريس فهي تتعلق بالتوقّعات، وأمّا التي توجد فى نيويورك فلها صلة بالتقويم الزمني. التقويم الزّمني كان عند المايا مفهوم خاص حول تأثير الزّمن والبرج الذين يولدون فيه،وإختيار الإسم الذي ينطبق على كل فرد منهم، وقد تمكّنوا من التوصّل إلى حساب الزّمن بفضل التقدّم الذي أحرزوه فى ميدان العلوم والرياضة وعلم العدد بالخصوص، فقد أمكنهم أن يخترعوا مفهوم الصّفر الذي كانوا يصوّرونه بواسطة محارة أو صدفة معكوسة ، فعلوا ذلك قبل ألف سنة من ظهور الصّفر فى الحضارة الهندية ، حيث نقله العرب وأدخلوه إلى أوربا. وكان نظام الحساب عندهم يقوم على ثلاث علامات( الحساب العربي يستعمل عشر علامات ،ويستعمل الحساب الروماني سبع علامات) وعلامات حساب المايا هي نقطة ، عارضة،فصدفة أو محارة. وينطلق نظامهم من رقم 20كأساس.فالوحدات عندهم تساوي نقطة، والمجموعات الخماسية عارضة.فمثلا إذا أردنا أن نكتب رقم 8 فى حساب المايا لكان:ثلاث عارضات وثلاث نقط فوقها. وفيما يتعلق بالأعداد التي تفوق العشرين فإنهم يضربون فى 20 كل مستوى عددي،ولديهم مستويات أخرى ثالثة للأعداد الأكبر وهكذا. وقد هيّأت لهم علومهم ومعارفهم الفلكية الواسعة أسباب إختراع تقويم دقيق لحساب الزمن ، فكانت عندهم ثلاثة تقويمات ، التقويم الأوّل ديني(سولكين)يبلغ 260 يوما تحدّد فيه أسماء المواليد وأبراجهم والتقويم الشمسي(هاب)يتألف من 18شهرا كل شهر يتألف من 20 يوما تضاف إليها خمسة أيام فتكون النتيجة365يوما، وعندما نضرب 260 يوما للتقويم الديني فى365يوما وفى التقويم الشمسي نحصل على 180980 يوما أو 52 سنة التي كانت تشكل عندهم ما نعرفه نحن بالقرن أو الإنتقال من عصر زمني إلى آخر وكان ذلك يدعو عندهم للتوجّس والتخوّف والتطيّر ، إذ كانوا يترقبّون وقوع أحداث خاصة فى هذه التواريخ. (ومن هنا جاء التخوّف من تاريخ21 ديسمبر2012 الفارط الذي أقام الدنيا وأقعدها إذ كان يشكّل عندهم إنتقالا زمنيا من طور إلى طور، وليس نهاية العالم كما فسّرته أو فهمته بعض الجهات، وقد أسهمت وسائل الإعلام فى تهويل وتأويل هذا الأمر من "يوتوب" وسواه) . ويرى العلماء أنّ المايا إستعملوا سنة شمسية تتألف من 365 يوما وهي أكثر دقّة حيث تقترب من التقويم الغريغوري الحديث وهو الذي يستعمله العالم الغربي منذ عام 1582. ولديهم تقويم زمني آخرلتحديد تاريخ معيّن(قبل الميلاد عند المسيحيين أو الهجرة عند المسلمين) وتاريخ المايا ينطلق من يوم صفروقد حدّدوه فى 2 أغسطس 1313 قبل المسيح. ولا يعتبر هذا التاريخ تاريخا لبداية العالم بل بداية حلقة أو عهد زمني لعالم أزلي قديم ويعرف هذا التقويم عندهم ب(وجيب) وكانوا ينطقون الأرقام من 1 إلى10 كما يلي : هون،كا،أوش،كان،هو،واك،هوك،وشاك،بولون،لاهون. المعتقدات والأساطير يرى الباحثون أنّ معتقدات المايا ظهرت لتحاول الإجابة عن بعض الألغاز الكبيرة المحيّرة التي تواجه الإنسان ،ثمّ بدأت هذه المعتقدات تصبح أكثر تعقيدا وملكا للصّفوة يستعملونها كذريعة أو وسيلة لبسط نفوذهم على الشعب، وللحفاظ على عدم تكافؤ إجتماعي ، وهكذا أصبح حكّامهم قريبين من التقديس ،واعتبروا أنفسهم جزءا من العالم الكوني. وكان المايا يعتقدون أنّ الدنيا عبارة عن سطح مربّع ينقسم إلى خمسة أقسام لها صلة بألوان الطبيعة ، فالأحمر كان يمثّل الشرق،والأبيض هو الشمال،والأسود هو الغرب،والأصفر هو الجنوب، والأخضر هو المنتصف أو الوسط. وكانت معتقداتهم الدينية لصيقة بالعلوم . وكانوا يعتقدون أنّ الإنسان له خصائص وطبائع إنسانية وحيوانية ونباتية.وكانوا يرون أنّ الإنسان ضعيف غير متّصف بالكمال. وكانت معتقداتهم تشمل حيّزي الزّمان والمكان.فالزّمن عندهم مائع سائل وأزلي، حيث تظهر ألوان ومخلوقات ثم تختفي، وكما يحدث الدّماروالتحطيم والإندحار في العالم، كذلك يحدث الشئ نفسه عند سكانه بشرا كانوا أم حيوانات أم نباتات. وكان المكان أو الفضاء يفهم فى معتقدات المايا على أنه نوع من السّماوات فوق الأرض وعوالم أخرى تحتها. وكانوا يؤمنون بالغيب أو ما وراء الطبيعة ممّا أدّى بهم إلى نوع من التعبّد والقنوت والورع يبلغ ذروته فى طقوس دفن موتاهم من كبار القوم وعليّتهم .وكانوا يقدّمون القرابين ويقوم بهذا العمل الكهنة الذين كانوا يحظون بتقدير كبير عندهم. وكانت تقدّم خلال هذه الطقوس الحاجيات النفيسة أو الغذائية وأحيانا الإنسان، وكان الكهنة يصومون ويقومون ببتر بعض أعضائهم لإختبار مدى طاقة الصّبر والتحمّل عندهم. وكان عند المايا كتاب مقدّس يسمّى "أكان دزيب" وظلّ محفوظا لعدّة قرون فى " يوكاتان" إلاّ أنّه إختفى منذ مائة سنة . ويعتقد سكّان المايا الحاليين أنّ هذا الكتاب ربّما يوجد فى إحدى الجامعات الأمريكية ،أو فى أوربا ،أو فى الفاتيكان. ويتضمّن الكتاب التعاليم الدينية وعادات وتقاليد ومعارف االمايا ، وهو مكتوب بلغة المايا القديمة وتوجد ترجمة لهذا الكتاب باللغة الإسبانية أنجزها " مارتين بيريث تزول". وكان المايا الحاليون قد طلبوا من الرئيس المكسيكي السّابق " ساليناس دى غورتاري" بأن يعمل على إسترجاع هذا الكتاب أينما كان. ويقول ممثّل سكّان المايا فى يوكاتان "فيرمين دزيب ماي":" إننا نريد أن يعود لنا كتابنا المقدّس المتضمّن لحكم ومعارف أجدادنا وماضينا ، وإنّ ضياعه يعني أننا نشعر اليوم بأنّ أعيننا معصوبة ".