سيداتي، سادتي، التقرير. الأدبي الإبداعي... : يتساءل الناس حول بعض المبادرات أو المقترحات من طرف بعض الشرفاء الذين يبدو و كأنهم أصبحوا يتقربون من العلمانية في بعض أطروحاتهم الجديدة: " لا مانع من أن يتم الاعتراف بأتباع "شعيشعة" محليا إذا هم تكتلوا في إطار حزب ديمقراطي، و لا مانع من أن يتم الاعتراف بالجمهوريين إذا هم تنظموا في إطار حزب ديمقراطي، و لا مانع من التعامل مع كل الأطياف و لو كانت عجيبة غريبة، و القصد هو القطع مع العمل السري الذي قد يستهوي البعض أكثر من العمل العلني..." فهل هذا نداء من أجل جر العاملين في السر للكشف على وجوههم حتى يسهل القضاء سياسيا على تياراتهم و التعامل مع ميولاتهم بما يجب من معالجة ذكية ضرورية للحفاظ على وحدة البلد الحبيب الذي يدين بالدين الحنيف دينا؟ أم أنها رسالة مشفرة رفيعة المستوى لمن يهمهم الأمر مفادها أن الشرفاء الذين يعتمدون على الدين الحنيف ليسوسوا البلد الحبيب، -و حسنا يفعلون-، لا يمكنهم باسم الدين الحنيف الاستمرار في الاعتماد على بعض "الملاحدة" -إن وجدوا...- لتدبير بعض المجالات الحيوية و الحساسة في الدولة مع رفض الاعتراف، باسم الدين، بكل التيارات الهدامة كتيار "شعيشعة" مثلا... هذا ربما يعني، و الله أعلم، أن حان الأوان للاختيار بين الاثنين: الإسلام أو العلمانية، و ذلك باللجوء إلى استفتاء شعبي وطني شامل (لقد سبق و أن تم طرح هذه المسألة في كتاب "ذاكرة ثورة مجهضة"، أنظر صفحة 108 و 109، و هو كتاب مع كامل الأسف لم يجد له موزعا مما يتناغم مع الحال الثقافي المؤسف في البلد الحبيب). طيب. إذا كان الدين العلماني الذي وضعه بشر لا يتنافى مع التديّن الشخصي فالإسلام لا يتنافى مع العلمانية الشخصية... و لكن العلمانية لا تحمي سوى الحريات الفردية و لا تحمي حرية المجتمع خلافا للإسلام الذي يحمي حرية المجتمع قبل حرية الأفراد، دون أن يتعرّض لحرية الأفراد ما داموا لا يعتدون على حرية المجتمع و ذلك بممارسة حرياتهم الشخصية على انفراد، في أماكنهم الخاصة، و منازلهم، و نواديهم الخاصة جدا في بعض الأحيان، و الامتناع عنها في الأماكن العمومية احتراما لحرية المجتمع، و هذا لا يتعارض البتة مبدئيا مع المبدأ العلماني الذي يقول حرية الفرد تنتهي عند بداية حرية الغير أو الآخر. لو كانت نية العلمانيين تتعلق فعلا بالبحث عن سبيل الانطلاق بالبلد الحبيب نحو التقدم و الازدهار لما كان أدنى خلاف بين الإسلاميين و العلمانيين. المشكل أن العلمانية أصبحت دينا يدين به العلمانيون قوامه إزاحة الدين الإسلامي و القضاء عليه في البلدان الإسلامية بكل الطرق و بشتى الوسائل دون استثناء... و العجيب الغريب أن العلمانيين يتعصبون لدينهم الوضعي الجديد هذا أكثر بكثير من تعصب الإسلاميين للدين الحق، الدين الحنيف، الإسلام. فالتساؤل المطروح هو ما سرّ تعصب العلمانيين لدينهم الجديد هذا و الذي هو الدين العلماني لدرجة أنهم ذهبوا إلى حد المطالبة بعلمنة إمارة المؤمنين، في محاولة شيطانية يائسة لخداع 99 في المائة من سكان البلد الحبيب، و كأن شعب البلد الحبيب ساذج غبي لا يفقه شيئا بالمرة، مجرد قطيع...(أنظر كتاب "المؤامرة السلمية ضد التخلف"، في صفحة من صفحاته التي تناهز الألف صفحة، و ما تذهب إليه امرأة تترأس بيتا ل"حكمة" العلمانيين...) أيها العلمانيون، المسلمون لا يعبدون إمارة المؤمنين و إنما يعبدون الله الواحد الأحد. فليكن الأمر واضحا وضوح الشمس. أما تشبث المسلمين بإمارة المؤمنين في البلد الحبيب فغايتها الدفاع عن الحرية، حرية المجتمع بأكمله بكل شرائحه و أطيافه و اختلافاته و شكرا على إصغائكم و انتباهكم. اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي للاختيار بين النهج الإسلامي و النهج العلماني لتسيير أمور الدولة و المجتمع هو أسلوب لا يتعارض مع أسلوب الديمقراطية للحسم في قضية الاختيار بين الإسلام و العلمانية. و إذا لم يتم الحسم القطعي في هذه المسألة بطريقة أو بأخرى بالوضوح الفعلي المطلوب ستظل الدولة تتأرجح بين الاثنين و سيظل بالتالي البلد الحبيب يتخبط في تخلفه عن الركب الحضاري. طيب. سبق و أن عبر العلمانيون عن رفضهم الاحتكام إلى الاستفتاء الشعبي بحجة واهية ألا و هي أن الاستفتاء الشعبي يؤذي إلى ديكتاتورية الأغلبية. ما هذا الورش؟ فإذا كان هؤلاء الذين يدينون بالعلمانية دينا يقدمون الديمقراطية ك"سنّة" منبعها العلمانية فلما يرفضون الاحتكام ل"سنّتهم" هذه التي ابتدعوها بأنفسهم؟ هذا يعني بل يبرهن على أن العلمانية أصبحت دينا وضعيا قائم الذات، و في سبيل نصرته يتم اللجوء إلى كل التناقضات و لو كانت فضيعة في تشدد مهول و تعصب خطير من طرف العلمانيين لدرجة فقدان الوعي و المنطق و الصواب... سيداتي، سادتي، يوجد في ما وراء البحار دول تدين اليوم بالعلمانية دينا لأن تلك الدول كانت مسيحية. و لقد عانت تلك الدول ما عانته مع الكنيسة و الرهبانية و الوسطاء... سيداتي، سادتي، الإسلام ليس المسيحية و القرآن ليس الإنجيل و لا التوراة... القرآن الكريم يحفظه الله عزّ و جلّ في علاه، و لا رهبانية في الإسلام. في ما وراء البحار الدول التي كانت تدين بالمسيحية دينا غيرت ديانتها و أضحت تدين بالعلمانية دينا، و هذا شيء مفهوم تاريخيا إلى حد ما لأن الإنجيل كتاب سماوي تم تحريفه و شأنه في ذلك كشأن التوراة، و هذه حقيقة معلومة واضحة لا غبار عليها. أما في البلد الحبيب، -الذي يدين و الدولة الشريفة بالإسلام دينا-، حيث الاجتهاد في الاحتكام إلى القرآن الكريم -الذي يحفظه الله سبحانه و تعالى- و إلى السنّة النبوية الصحيحة الشريفة، فلا يمكن للعلمانية أن تجد لها موطئ قدم في قلوب الناس. و من جحد و جادل و أراد البرهان فما عليه إلا القبول بإجراء استفتاء شعبي حول المسألة. خلاصة: بني آدم يحتاج إلى الدين من أجل العيش. أراد بعض المتمردون عبر التاريخ الحديث التخلص من الدين فابتدعوا، من حيث لا يدرون، دينا وضعيا أصبح التشدد فيه و التعصب إليه من لدن البعض ينذر بشرّ كبير في البلد الحبيب. إذا كان الإنسان في حاجة إلى الدين من أجل العيش، فلما اختراع دين العلمانية و هو دين وضعي و بالتالي ضعيف بضعف الإنسان؟ سيداتي، سادتي، الإنسان يحتاج إلى الدين و الدين هو الإسلام المرتكز على القرآن و السنّة النبوية الشريفة لأنه هو الدين الحق الذي أراده الله للإنسان. مع كامل التقدير و الاحترام، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته