انصرمت 32 سنة تامة كاملة على أحداث 20 يونيو 81 بالدار البيضاء ، الفتيل الذي أشعلته الزيادات في أسعار المواد الغذائية الأساسية للشعب من سكروخبز وحليب وزيت وخضر وغازمنزلي ، ففي مثل هذا اليوم قبل نيف وثلاثين سنة حاولت السلطة تكسير الإضراب العام الذي دعت إليه المركزية النقابية الكنفدرالية الديمقراطية للشغل احتجاجا على تلك الزيادات .... بذلت السلطة وأعوانها جهودا حثيثة لإجهاض الحركة الاحتجاجية عبر قطاع حافلات النقل الحضري، مما أدى إلى اندلاع شرارة المواجهات بين المواطنين وساكنة الهوامش من جهة وبين قوات الأمن والجيش من جهة ثانية، الشيء الذي خلف قتلى وجرحى أعادوا بدمائهم سؤال السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي مرة أخرى إلى الواجهة وحكمت الأحداث ضمنا على مسلسل ديمقراطي ملتبس، تكافأت خلاله آثاره السلبية كتزوير إرادة الشعب وتشكيل مجالس صورية وحكومة على المقاس واعتقال السياسيين والمناضلين ، تكافأت مع مكتسباته وهوامشه القليلة نظير تأسيس الكنفدرالية والنضالات الحقوقية و الإضرابات القطاعية الواسعة النطاق ، والأخطر أن يتم المساس بالقوت اليومي للناس في انسياق تام لتوجيهات المؤسسات النقدية الدولية التي تملي برامج التقشف على الحكومات الطيعة قصد ضبط التوازنات المالية خدمة للجهات الرأسمالية المتوحشة والاحتكارات الدولية والبورصات وهو المسار الذي تؤدي ثمنه الطبقات الفقيرة والمحرومة أصلا وأساسا، وكانت قوى اليسارانذاك وعلى رأسها حزب القوات الشعبية ( يوم أن كان الحزب حزبا ويجمع القوات الشعبية لا الجيبية ....) بالمرصاد لهذه السياسة التفقيرية الممنهجة والتي أطلق عليها وقتذاك " التقويم الهيكلي " من طرف الحكومة وسياسة " إفقار الفقير واغناء الغني " من طرف المعارضة وقتذاك أي زيادة الشحم على وبر المحظوظين " تسمين السمين " مقابل مص ما تبقى من عرق الفقراء والكادحين.... نعم تحقق إجماع وطني حول قضية الصحراء منذ 1975 باعتبارها تهم جميع المغاربة وليس الحاكمين فقط ، وبدل استكمال شروط الصمود في حرب ضروس كان يخوضها المغرب عبرمناطقه الجنوبية ضد أعداء الوطن ، وأهم تلك الشروط الحفاظ على مستوى العيش الكريم للمواطنين والسير نحو الديمقراطية بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومن ثمة تمتين الجبهة الداخلية ، بدل كل ذلك اختارت الحكومة المجتهدة تطبيق تعليمات صندوق النقد الدولي ولو على حساب أوسع شرائح الشعب ، وعند نهاية الأحداث والسيطرة على الأوضاع أطل وزيرالداخلية المخلوع الراحل ادريس البصري على الناس مهددا ومتوعدا ومتشفيا ومتهما منظمي الإضراب بأنهم يختبئون ورا ء الأطفال وأن جريدة المحرر نشرت صورا لشهداء التحرير كالزرقطوني وعلال بن عبد الله والفطواكي والحنصالي مما لا علاقة له بالأحداث ( وقد صادفت بالفعل اليوم الوطني للمقاومة 18 يونيو ) متهما إياها بالتحريض على الإخلال بالأمن العام نافيا صفة الشهداء عن الضحايا الذين سقطوا بالعشرات بعد إطلاق النار من طرف قوات الجيش والأمن، وكانت تلك ذريعة كافية لمنع جريدتي المحرروليبراسيون عن الصدور ثم طال المنع جريدة البيان أيضا لسان حزب التقدم والاشتراكية ، وذلك فضلا عن اعتقال أعضاء المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل ( على رأسهم نوبير الأموي ) ومئات من ناشطي الاتحاد الاشتراكي والمركزية النقابية آنذاك بينهم الراحل مصطفى القرشاوي والوزير السابق محمد الأشعري وعبد الهادي خيرات الكاتب الوطني للشبيبة الاتحادية والمرحوم الحاج باحموالمناضل الفذ بقطاع الكهرباء في تازة، ولم ينس الوزير الذي اشتهر بالكولف وتوزيع الأموال والريع أن يسخر من نعت هؤلاء بالشهداء معلقا عبرنغمته العروبية الشاوية " إنهم شهداء الكوميرة "... ضمدت الأسر جراحها ولم تتراجع الحكومة عن الزيادات إلا شكليا لتتعمق أوضاع الأزمة الاجتماعية نحو مزيد من شد الحبل فانفلت الزمام مرة أخرى في أحداث الشمال ( يناير 1984) ... التبست الأوراق من جديد…. حدثت التحولات العالمية المعروفة .... انهار جدار برلين وانتهى الأبارتهايد في حنوب إفريقيا وتصالحت أمريكا اللاتينية مع مواطنيها ، أصبحت المسالة الحقوقية على جدول أعمال الجميع بما في ذلك الأنظمة المستظلة بالعم سام ....لكن خطوات البلد ظلت محتشمة تحت شتى الذرائع من بينها القضية الوطنية نفسها ... حتى توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة بقيادة المرحوم بن زكري لم تعرف طريقها الكامل للتطبيق إنصافا للضحايا والشهداء وأهلهم وخضعت هي الأخرى للأخذ والرد باعتبارها طابوها من طابوهات المغرب الحديث الذي قرر ياحسراه ومن أعلى المستويات وضع حد لسنوات الظلم و العسف و الرصاص السيئة الذكر .... رب سؤال يطرح نفسه بحدة ، ما الذي تغير بين الأمس واليوم ؟ طبيعة الأزمة ؟ التشكيلات الاجتماعية المعنية ؟ عولمة البؤس ؟ ابتزاز البورصات ؟ تغول الشركات المتعددة الجنسيات ؟ رهن الشعوب والمجتمعات بالديون الثقيلة ثم خنقها لتحقيق نسب النموالمطلوبة ؟ تخفيض النفقات العمومية ؟ بيع المؤسسات والسندات ؟ وأي مغرب تغير ؟ وهل تغير أصلا...سؤال كبير بالطبع ربما تتحقق الأجوبة عند المواطن البسيط ومن خلال " قفته " اليومية فالمغاربة عموما يتسمون بالقناعة وهي كنز لا يفنى ، لكن القناعة اليوم عند مغربي متوسط إلى حد ما أو مهدد بالتقهقر نحو مستوى الكدح والفقر تعني ببساطة حصة سمك أسبوعي وحصة واحدة من لحم " بكري " في عشرة أيام ( كيف تقتصد في عشرة أيام دون معلم ) وقطاني في الباقي لأن ربع الميزانية يذهب إلى أقساط الديون البنكية والباقي إلى ساعات التقوية ، فالأطفال لا يستطيعون المراجعة لوحدهم وما تبقى – إذا تبقى - لتأدية ثمن عطلة في مدرسة أو ثانوية بفضل مؤسسة الأعمال الاجتماعية ( أتحدث عن حالة رجل تعليم كقاسم مشترك بين الأغلبية وهي نسبية بالطبع لأن الأدراج والسلالم والفئات مختلفة أيضا وتشبه هذه الفئة فئات أخرى بهذا القدر أو ذاك ولا أتحدث عن الفئات غير المهددة أصلا وبينها المسحوقة والله يحسن العوان للجميع ) واذا لم تجد فرصة لعطلة كبقية خلق الله ، فعليك بالمربع أو المصيف الجبلي المجاور ففيه الخير والبركة ... حافظ المغرب عموما على استقراره الاجتماعي بفضل صندوق المقاصة الداعم للمواد الأساسية ، لكن مصير الفئات الوسطى والمتوسطة ( في حالة الإصلاح الذي تروم الحكومة الإقدام عليه ) ولا أقصد أصحاب الشركات أو العقارات أو الوحدات الصناعية والمقاهي بل الموظفين ورجال التعليم والمستخدمين والأجراء وهي كتلة تتجاوز مليون مواطن ، مصيرها سيعلق دون شك بين السماء والأرض ، آه أعتذر أيها الإخوة الأعزاء : نسيت أن هذه الفئات تعيل الوالدين أو الإخوة العاطلين والمعطلين أيضا من أقساطها الشهرية المتواضعة وإلا سيواجههم التشرد والتسول ببساطة ...ونحمد الله أن قيم التراحم والتكافل مازالت موجودة بهذا القدر أو ذاك والتي ينص عليها ديننا الحنيف رغم زحف قيم العولمة الفردانية الرديئة ....وإلا لكنا في مرتبة الصومال أو بلدان الساحل الإفريقي .... لا أحد عارض مساعدة الفئات الفقيرة والمطحونة سوى أصحاب المصالح والمستفيدين من اقتصاد الريع ، لكن مرة أخرى كيف نميز بين هذا وذاك ؟ فأغلب المغاربة فقراء إلى الله .... نضع أيدينا على قلوبنا طبعا ازاءالهزات غير المحسوبة التي قد تشبه 20 يونيو 1981 وما أتى بعدها أو 20 فبراير بشكل مهذب والناجمة عن الاحتقان الاجتماعي ونظيره السياسي ولنتذكر دائما أن الفقر كاد أن يكون كفرا ، وأن الحرمان اليوم يوازي الجوع أمس ، فحين يتعلق الأمر بأسعار المواد الأساسية للمغاربة يجب احتساب الخطوة الواحدة قبل الألف ميل في رحلة الإصلاح....وهي همسة من المغرب العميق ... وتحضرني قبل الختم قولة لراحلنا الفذ محمد عابد الجابري حينما زار الجزائر خلال ثمانينيات القرن الماضي " فهمت الآن الفرق بين الفقر والحرمان ، نحن فقراء وأنتم محرومون " *كاتب / فاعل مدني