حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال، في ورطة حقيقية ومبالغته في الهجوم على رئيس الحكومة شخصيا وإطلاق اتهامات في الهواء الطلق لا يملك أدلة عليها، (نقص وزن قنينات الغاز انتقال بنكيران للسكن في حي الأميرات ...) تكشف عن إحساسه بأن صورته اهتزت لدى أتباعه، خاصة بعدما اتضح عبر مؤشرات عدة على أن المحيط الملكي لم يعد يميل إلى استعمال الفصل 42 من الدستور للتحكيم بين شباط وبنكيران. التحكيم بخصوص ماذا؟ بنكيران خرج منتصرا نسبيا من هذه المعركة بفضل استعمال سلاح واحد، هو الصمت وعدم الانزلاق للرد على حميد شباط. رئيس الحكومة ترك النقابي تحت تأثير التجاهل يرتكب الخطأ تلو الخطأ. ظنا منه أنه يربح المعركة بالنقط. ليكتشف أنه ورّط نفسه وحزبه في طلب تحكيم لا أساس له في الدستور. ثم لما جاءت المكالمة الهاتفية من باريس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لم يقفل الوافد الجديد على قيادة حزب الاستقلال فمه ويترك للقصر مهمة البحث عن حل وسط لأزمة الأغلبية، بل واصل الضغط على الجرح، فمرة يقول إن الحل هو حكومة وحدة وطنية، ومرة يقول إن الحل هو طرد حزب التقدم والاشتراكية من الحكومة، ومرة يقول إن المخرج هو حكومة مصغرة من 15 وزيرا لا أكثر. وهكذا وضع شباط نفسه في زاوية ضيقة، ولم يساعد من مد إليهم يده ليخرجوه من ورطة قرار يعرف شباط أنه غير قادر على اتخاذه وأن الخروج من الحكومة بالنسبة إلى الاستقلال اليوم، مثل إخراج سمكة من الماء.. حتى وإن كان هذا الماء ملوثا، فإنه أفضل بكثير من لا شيء. أزمة الأغلبية هذه لن تكون الاولى ولا الأخيرة مادام المغرب يعتمد نظاما انتخابيا لا ينتج سوى خرائط مبلقنة، نظامنا الانتخابي لا يساعد على عقلنة المشهد الحزبي ولا يسمح بميلاد تناوب بين كتلتين سياسيتين أو ثلاث. كما هو موجود في أعرق الديمقراطيات. لماذا نخاف من أحزاب قوية؟ ببساطة لأننا لم نتصالح مع الديمقراطية والدستور الجديد عندما أقر بحق الحزب الذي يفوز بالمرتبة الأولى في الانتخابات في الحصول على رئاسة الحكومة، كان عليه أن يحسم في نمط الاقتراع على دورتين وفي عتبة انتخابية في حدود 10 في المئة. سيقول معترض إن الدستور ليس من اختصاصه أن يتدخل في التفاصيل وأن القوانين الانتخابية هي الموكول لها الحسم في نمط الاقتراع وحدود العتبة. لكن هذا الجواب غير مقنع أولا، الدستور لم يكتب بمنطق الدساتير المختصرة والموجزة، بل فصل في أمور كثيرة وتوسع في قضايا اقل أهمية من نمط الاقتراع. ثانيا، نعرف أن القوانين الانتخابية التي من شأنها أن تخرج المشهد الحزبي من البلقنة، لا يمكن لأي حكومة ائتلافية أن تضعها. لأن الأحزاب الصغيرة والمتوسطة لن توقع على شهادة وفاتها بهذه السهولة. ولهذا، كان على المشرع الدستوري، مادام أنه اختار جعل رئيس الحكومة يخرج من صناديق الاقتراع، يعطي لحزبه إمكانية تشكيل حكومات قوية ومنسجمة. مع سابقة شباط هذه سيصير الحزب رقم 2 أهم من الحزب رقم واحد، مادام الحزب الثاني يمتلك أوراقا للضغط على الحزب الأول. وفي مقدمة هذه الاوراق إنهاء عمر الأغلبية في أي لحظة. في حالة لم يستجب رئيس الحكومة للمطالب المشروعة وغير المشروعة للحزب الثاني. كما هو حاصل اليوم مع شباط. طبعا المشكل سياسي، قبل أن يكون قانونيا، لكن الدخول إلى مغارات البحث عن حلول سياسية للأزمة الراهنة، دخول غير مأمون. وقد يترك بنكيران جلده فيه، خاصة وأن الهدف الأهم لشباط في هذه المرحلة، هو إفساد اللعبة التي لا يستفيد منها، وليس تحسين لياقة الحزب ليلعب أفضل في فريق الحكومة الملتحية. جزء من المشكل يتحمله بنكيران الذي لم يرد أن يستعمل كل الأسلحة التي بيديه، بما فيها حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها، أعطاه شباط مبرر استعمالها (الأسلحة الدستورية) لكن العقلية المحافظة والتقليدانية لبنكيران منعته من ذلك. وها هو البلد كله يدفع الثمن. ❊ مدير نشر أخبار اليوم المغربية