وِئام بسيدي قاسم، عبد الكبير بشيشاوة، فطومة بتارودانت، سليمة بأكادير، أُسامة بتزنيت...أسماءٌ لأطفال أبرياء كانوا ضحايا اعتداءات تتراوح بين الجنسي والجسدي. اعتِداءات تستهدف أطْفالا ذُكورا وإناثا من فئة عمرية صغيرة يذهبون ضحية الاغتصاب أو القتل أو الاختطاف مع مصير مجهول؛ فيما يبقى بعض المجرمين بعيدين عن ملاحقة العدالة والقانون! وإلى تاريخ قريب، شكَّل موضوع الاعتداءات الجنسية على الأطفال "طابوها" لا يتم الحديث عنه داخل الأسر المغربية إلا في إطارٍ من السِّرية مع ضرورة الحذر لعدم السقوط في الفخ، حيث كان ينسجم الأمر مع مفهوم العُذرية الأخلاقية التي كانت تتَّسم بها المجتمعات العربية والإسلامية عموما في ظل تاريخ معين. ومع أول حالة تم الحديث عنها عَلنا بالمغرب سنة 1998 من طرف خلية مُناهضة العُنف بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء، مُشكِّلة بذلك الاستثناء ومُكسِّرة ذاك "الطَّابو" المجتمعي والثقافي حول الظاهرة، ليبدأ الإعلام المغربي بعدها في تناول الموضوع رويدا. ويشتغل بعدها المرصد الوطني لحقوق الطفل سنة 2002 تحديدا على ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال بالإضافة إلى الجمعيات التي ساهمت في الانتقال من مرحلة المسكوت عنه إلى مرحلة المُعلن عنه. اغتصاب الأطفال..واقع المغرب المُعاش من جهتها، قالت بشرى المرابطي الباحثة في علم النفس الاجتماعي في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن مسالة الاعتداء الجنسي على الأطفال بالمغرب أقرب إلى تشكيل ظاهرة، مضيفة أن المغرب أمام تَصاعُد أرقام مُطَّرد جدا لهذا الواقع المُعاش، تتداخل فيه الاضطرابات العقلية النفسية والعوامل الاجتماعية. المُعتَدون..مُضطربون نفسيا وأكدت المرابطي أن المعتدين على الأطفال جنسيا أنواع، ما بين أناسٍ يُعانون من اضطرابات عقلية كالفُصام، يأتي بعده القُصُور الذهني والاجتماعي بالإضافة إلى الشخصية العُدوانية التي تتميَّز بالسَّادية والشخصيات المُضادَّة للمجتمع، حيث يجمع بينها قاسم مشترك متمثل في احتمالية عالية في الاعتداء على آخرين وإلحاق الضَّرر بهم، "فحين يَعتدي على الآخرين عبر الضَّرب والجرح وأحيانا القتل والطفلة وئام ليست بعيدة عن الموضوع، تجد أنه يقوم باعتدائه وهو لا يَعي في تلك الفترة بِدَرَجة متفاوتة أنه يقوم بالاعتداء على الآخر أو أن ذلك الاعتداء سيُخلِّف خسائر من ذلك الحجم". وزادت المتحدثة أن الطفل يبقى أحد موضوعات الاعتداء لدى هذا الصِّنف من المُعتَدين وليس مَقصودًا لذاته، حيث نُصادف اعتداء بدون اغتصاب ونجد آخر فيه اعتداء بالضرب والجرح مع الاغتصاب وهنا نجد أن المعتدي قد تَنتابُه رغبة جنسية في تلك اللحظة أو قُبَيْلها فيلتقي الأمران ليفجر رغبته الجنسية ومعها مسألة القتل. المُعتدون..ضحايا اعتداء جنسي نوع آخر من المعتدين على الأطفال، يتمثل في من كانوا في صغرهم ضحايا الاعتداء الجنسي، حيث أجمعت دراسات كثيرة على أن المعتدى عليه في صغره يتحول إلى معتدي في حالة عدم خضوعه لعلاج نفسي وحسب دراسة عالمية للمكتب المُكلَّف بالجريمة ومحاربة المخدرات التابع للأمم المتحدة، على أن 155 بلدا وجد أن 60 بالمئة من ضحايا الاتجار في البشر يتحولون إلى تجار ووسطاء في ذات المجال. المُعتدون..خيالات جنسية مرتبطة بالطفل وتحدثت الباحثة عن صنف ثالث من المعتدين جنسيا على الأطفال، ممن يمتلكون استِهامات وخيالات جنسية تتمحور حول الطفل، وهم أناس عالَمهم الجنسي مُؤسَّس وقائم في ذهنهم حول الطفل، "نجدهم إما سبق لهم تجربة إتيان طفل أو حَكى له أحد المُقرَّبين عن التجربة، ليُفكر فيها كل مرة وعندما تسنح الفرصة ومع الانفلات المجتمعي في الرقابة يحاول تجسيدها". وأوضحت المرابطي أن مصدر الخيالات الجنسية لهذا الصنف الثالث من المعتدين تأتي من خلال اطِّلاعه على تجارب وإدمانه على المواقع والقنوات الإباحية التي تُعطيه فكرة تَتمَلَّك خيالَهُ في أن صِغَر جسد الطفل ومميزاته الجسدية هي التي تحقق قمة الشَّبق واللذة الجنسية، فقد أبانت دراسة بريطانية حول تجارة الجنس أن هذه التجارة حققت أزيد من بليون دولار مع 69 بالمئة من مجموع هاته الأرباح كانت من قطاع الأنترنت، بمعنى أن النت يعطي مادة قوية جدا ومؤثرة مع أرباح مهولة لأصحابها. كيف يحمي المغرب أطفاله؟ ولحماية أطفالنا من الاعتداء عليهم جسديا وجنسيا، شدَّدت المرابطي على ضرورة إعلان الدولة عن تَقييم الخُطَّة التي وضَعَتها الحكومة سابقا لمُناهضة الاتِّجار بالبشر أمام ازدياد وارتفاع الأعداد مع مقاربة تَشاركية بين مختلف المتدخلين إلى جانب الفاعل المدني، "فعلى الدولة التحلي بالجرأة لاعتماد تدابير وإجراءات قوية وزجرية فيما يتعلق بالتشويش على المواقع والقنوات الإباحية". كما اقترحت المتحدثة خلق خلايا جهوية ذات تخصصات متعددة لإجراء خبرة على المعتدي وعلى الضحية تتكون من طبيب بيولوجي وأطباء ومعالجين نفسيين وأخصائيين اجتماعيين ومن ممثلين عن الحقل الديني والجانب القانوني، إلى جانب رفع العقوبة على الجاني وعدم التمييز في العقوبة بين الاعتداء على الأطفال من القبل أو الدبر وهتك البكارة أوعدم افتضاضها والاعتداء بعنف أو بدون عنف. وطالبت الباحثة في علم النفس الاجتماعي، اعتماد عقوبة على الأُسُر التي يثبت البحث على أنها ساهمت في الاعتداء على الأطفال، " كيف يعقل أن أم تقول بأنها تركت ابنتها ذات 4 سنوات أمام باب البيت ولم تسأل عنها إلا بعد مرور ساعات" تتساءل المرابطي مؤكدة أنه "لا يمكن التساهل مع أسرة تترك طفلة أو طفلا صغيرا عند الجيران لمدة طويلة، لا تعرف هل ذاك الجار سكران أو يتعاطى مخدرات، وينبغي لكل منا أن يتحمل مسؤوليته". ودعت المرابطي كذلك وزارة التربية الوطنية، إلى إصدار دليل مصور بشراكة مع الفاعل المدني في المجال لتحسيس الأطفال منذ سن 3 أو 4 سنوات حول أنواع اللمس والحركة وأنواع الاتصال غير المقبولة مع الأجنبي والتي تستدعي إطلاق النجدة، مع تأكيدها على ضرورة تربية الأبناء من خلال الإعلام والمساجد ودور المجالس العلمية على قدسية الجسد. لتختم المتحدثة كلامها المطول مع هسبريس بالقول "كل منا في مجاله ينبغي أن يتحمل المسؤولية وعلى القانون أن يكون صارما مع كل من أبان عن تورطه أو ساهم بمستوى من المستويات في واقع الاعتداء على طفل".