في ساحة السرايا الشهيرة وسط مدينة غزة، بدأت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أمس الإثنين تدريبات عسكرية وأخرى على استخدام السلاح الخفيف لفتية يشاركون في مخيمات تنظمها الحركة. وتحولت الساحة، التي كانت تضم مجمعاً لمقرات الأجهزة الأمنية قبل قصفها في الحرب الإسرائيلية على غزة (2008-2009)، إلى معسكر للتدريب بعد بناء أبراج خشبية لتدريبات الانزال العسكري، ونصب أسلاك شائكة للزحف أسفلها، ودفن إسطوانات حديدية للتسلل عبرها، وإنشاء جدران وسلالم حديدية للتسلق عليها. وداخل المعسكر التدريبي، انتظم أكثر من 300 طفل تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 18 عاماً في تدريبات عسكرية تحت إشراف مدربين يرتدون ملابس سوداء مطبوع عليها شعار كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس. وبدأت تلك التدريبات بوقوف جميع المشاركين في طابور عسكري طويل استمر لعدة دقائق تبعه فقرة ركض حول ساحة التدريب لقرابة النصف ساعة. وما إن انتهى الركض حتى بدت علامات الإرهاق الشديد على ملامح الأطفال الذين لم يهتموا بذلك وواصلوا الوقوف في طابورهم تحت أشعة شمس يونيو/حزيران الحارقة. قطرات العرق كانت تتسابق على وجوه الأطفال التي صبغت بلون السواد، وأنفاسهم الحارة لم تتوقف للحظة بعد فقرة الركض التي تبعها تقسيم المشاركين إلى مجموعات بدأت كل مجموعة تتدرب على فن من الفنون العسكرية والقتالية. وعند تقاطع أشعة الشمس مع ظل أحد الأبراج الخشبية الذي يعلوا قرابة الأمتار الخمسة عن سطح الأرض، ارتسمت على وجه الفتى خالد الحداد، الذي لم يكمل عقده الثاني، تجاعيد ناتجة عن تشبثه بقوة بحبل "غليظ" استخدمه للهبوط من أعلى البرج كنوع من التدريبات على فن الانزال العسكري. وعلى الأرض أسفل البرج العسكري تلقفه مدربه مشجعاً اياه على الاستمرار بعد "الأداء الممتاز" الذي قدمه اليوم. وإلى جوار البرج العسكري اصطف عشرة أطفال في طابور، وبعد إشارة الانطلاق بدأوا بالركض لمسافة قصيرة، انبطحوا بعدها أرضاً قبل أن يصلوا غطاء من الأسلاك الحديدة الشائكة يمتد ثلاثة أمتار ويرتفع نصف متر عن الأرض، ليعبروا من أسفله إلى الجهة الأخرى زحفاً على بطونهم. وما كاد الأطفال العشرة يصلون إلى الجانب الآخر من الأسلاك الشائكة حتى نهضوا فوراً ليركضوا تجاه اسطوانات مدفون جزء منها في التراب ليعودوا إلى الانبطاح مجدداً والتسلل من داخل تلك الاسطوانات الحديدة زحفاً إلى الجانب الآخر الذي وقف فيه أحد المدربين الذي يرتدي قبعة سوداء وبدلة عسكرية عليها شعار كتائب القسام. وليس بعيداً عن موقع تدريبات الزحف العسكري، كانت مجموعة أخرى من الأطفال تركض وتقفز على حواجز معدنية تفصل بينها مسافات قصيرة بسرعة ومهارة تتنافى مع أعمارهم. وفي منتصف موقع التدريب تجمع قرابة العشرين طفلاً أمام حوض سباحة يمتد أربعة أو خمسة أمتار وبدأوا بالقفز في مياه الحوض بتعليمات من مدربهم، والسباحة حتى نهايته بسرعة خاطفة ليخرجوا وقد أنهكهم التعب وامتزجت حبيبات عرقهم مع قطرات الماء البارد التي تجمعت على ملابسهم العسكرية السوداء. وقبل أن تنحني الشمس باتجاه الغروب انعكست أشعتها على نصل سكين كان يحلق في السماء بعد أن ألقاه أحد المدربين ليستقر داخل قلب مجسم كرتوني في حركة تدريبية لتعليم 25 طفلاً كانوا يقفون أمامه وأبصارهم شامخة، طريقة استخدام السلاح الأبيض في الدفاع عن النفس والهجوم وقت واحد. تدريبات الانزال والزحف والسباحة والركض واستخدام السلاح الأبيض لم تكن وحدها داخل المعسكر التدريبي بغزة، ففي الفقرة الأخيرة وزع مدرب نماذج خشبية لأسلحة من طراز "كلاشنكوف" على مجموعة من الأطفال ليبدأ التدريب على حمل تلك الأسلحة واستخدامها في وضعيات عسكرية مختلفة. خالد مطر، المشرف على المخيم الذي تنظمه حركة "حماس"، قال إن "الهدف من المخيمات الكشفية تذكير المشاركين فيها ببلدانهم الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1948، وتقوية بنيتهم الجسدية من خلال تمارين اللياقة البدنية، واستغلال وقت فراغهم في الأجازة الصيفية بعمل ينفعهم في مستقبلهم". وأوضح مطر، في تصريح لمراسل "الأناضول"، أن الفئة التي تشارك في المخيمات الكشفية التي تستمر على مدار أسبوع واحد فقط يتخللها تدريبات عسكرية ،هم طلبة المرحلة الثانوية الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 18 عاما. ومطلع الشهر الجاري، أطلقت حركة "حماس"، المسيطرة على قطاع غزة منذ يونيو/ حزيران 2007، مخيمات صيفية يشارك فيها 100 ألف طفل فلسطيني بدأوا اجازتهم الصيفية، تحت عنوان "جيل العودة". وقال القيادي في "حماس" خليل الحية، خلال مؤتمر صحفي عقد في مدينة غزة الأسبوع الماضي للإعلان عن انطلاق المخيمات الصيفية، إن "الهدف من المخيمات التي نطلقها هو ربط جيل من الأطفال والشباب بفلسطين والقدس والقضية الفلسطينية". وبدأت المعسكرات بنشاطات لأطفال في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، قبل أن تبدأ تدريبات عسكرية لطلبة المرحلة الثانوية. وتفرض إسرائيل حصارا على غزة منذ أواخر 2006 عقب فوز حماس بانتخابات المجلس التشريعي (البرلمان)، قبل أن تشدده إثر سيطرة حماس على القطاع. * وكالة الأناضول