ليس خافيا على أحد من المتتبعين للشأن الثقافي بالأقاليم الصحراوية عامة وبالعيون خاصة ما آلت إليه أوضاع المديرية الجهوية للثقافة من تردي التدبير، وضعف الكفاءة الإدارية فضلا عن قلة الأطر الثقافية العاملة في القطاع. وهذا الوضع ليس جديدا بل يكاد يكون هو الحقيقة الثابتة الموروثة التي لا تتغير، وكل ما عرفته المؤسسة الوصية على الثقافة بالعيون، منذ أن كانت تسمى المركز الثقافي إلى الآن حيث اعتمدت الهيكلة الجديدة للوزارة من تغيير للمسؤولين لم يغير من الوضع المتردي للتدبير والتنشيط الثقافي، ولعل فترات النشاط المميزة في تاريخ المؤسسة تؤكد القاعدة المذكورة. ومن أبرز مظاهر الاختلال مشكلة استغلال القاعات، وعدم وجود نشاط راتب تشتهر به المديرية، فضلا عن أنشطة تضمن انخراط كل المعنيين بالعمل الثقافي، إضافة إلى فقدان جهة للتواصل مع الجمعيات بسلاسة، وأغلب الأنشطة التي تنظم في قاعة دار الثقافة من قبل الجمعيات تتم بعد معاناة في الموافقة على التنظيم. وأخطر شيء ملاحظ على العمل الثقافي بالعيون هو انسحاب الموظفين من أداء مهامهم اليومية لأسباب منها المبرر وغيره، ولا تخطئ العين هذا الغياب في أوقات الدوام العادي، وأحيانا يصدم الزائر بعدم وجود أي مخاطب في المؤسسة. فلا مسؤول ولا كتابة ضبط فعالة ومسؤولة، وكل مرافق المؤسسة في حاجة إلى إعادة تأهيل وصيانة... ويتحدث العالمون بخبايا المؤسسة عن خروقات مالية وتجاوزات إدارية متوارثة لا سبيل للتفصيل فيها. إن المطلوب بل الواجب المتعين على وزارة الثقافة هو أن تكون رائدة في ترشيد الفعل الثقافي بالجهة وخدمة الموروث الثقافي الحساني، مع الابداع والانفتاح والتواصل محليا جهويا وإقليميا، وهي مهمات مفقودة منذ زمن، وأغلب المتعاملين معها يقومون بذلك على مضض ولانعدام البدائل في المدينة. والمؤسف أن نسمع اليوم بعد أن تم إعفاء السيد المدير الجهوي من مهامه من يدافع عنه بخلفيات مختلفة؛ واعتبار الإعفاء انتقاما من الأطر الصحراوية، وغير ذلك من الدعاوى غير المؤسسة على منطق ولا بيان. لقد كان الأولى في مثل هذه الحال النظر بعمق في وضع مديرية الثقافة بالعيون، ورصد طرق التدبير العقلانية، وتقييم الفعل الثقافي الذي تشرف عليه، وتحديد مواطن الخلل في المديرية، وضبط المسؤوليات داخلها، وتنظيم العلاقة مع الفاعلين الأشخاص والجمعويين، وتأسيس شراكات مع كل المتدخلين في العمل الثقافي بالجهة، والداعمين من مؤسسات إدارية ومالية وهيئات منتخبة... واليوم، وبعد إعفاء السيد المدير السابق؛ فإنه من المستهجن التحرك الرامي إلى التأثير عبر نهج سلوكيات هدفها الأساسي هو ممارسة التشويش والحيلولة دون مراعاة معيار الكفاءة الذاتية والاستقلالية، واستحضار تكافؤ الفرص بين المترشحين... إن المسؤولية اليوم تتحملها الحكومة بتفعيل مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، وعدم الرضوخ للتدخلات والضغوط كيف ما كانت، ومن أي جهة كان مصدرها؛ سواء من خارج الوزارة تحت تأثير الاتصالات الفردية والجماعية ، أو من داخلها ولا نريدها أن تشكل استثناء من القاعدة العامة حيث شاع ميل أحد الأطر المركزية بالوزارة إلى الدفاع عمن يخدم مصالحه ولو لم يكن صاحب كفاءة؛ ذلك أن الكفء مستغن عن مظلة مركزية. وعليه فمن الضروري التزام الشفافية والحياد، واعتماد خيار البحث عن الأصلح بعيدا عن "المعايير" البالية التقليدية ، الأمر الذي قد يرفع من منسوب العمل الثقافي بالجهة، ويسهم في تطويره، وتجاوز العقبات التي التصقت بالمؤسسة، ويرفع من دورها حتى تسهم في معالجة الاختلالات التي عرفها القطاع بالعيون، ويسد الفراغ الذي خلفته مؤسسات التنشئة الاجتماعية في تأطير وتأهيل الشباب والنساء وكل المتعطشين للعمل الثقافي الجاد. فالعمل الثقافي الباني والهادف هو السبيل الوحيد لبعث الحياة والنشاط بالأقاليم الجنوبية وربط الساكنة بالموروث الحساني وجعله قبلة للإشعاع والتواصل شمالا وجنوبا، ولن يتأتى ذلك إلا بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب وحفز كل الأطر العاملة في الإدارة على الانخراط والعمل بجدية ومسؤولية انسجاما مع نصوص الدستور الجديد وتفعيلا لبنود البرنامج الحكومي الرامي إلى تكريس مبدأ الحكامة ضمانا لتحقيق مزيد من النزاهة والشفافية .