في ملعب ترابي لم يقدر له التنجيل ويفتقد لمواصفات الإضاءة العالمية كما هو حال أغلب ملاعب كرة القدم الخاصة بفرق البراعم والناشئين في العاصمة السودانية الخرطوم، كانت "إبتهاج" هي الفتاة الوحيدة وسط اللاعبين والجمهور لكنها كانت الشخص الأهم من واقع تقلدها منصب المدير الفني لفريق "السلاطين" كعلامة فارقة في مجتمع تصنفه دوائر حقوقية على أنه "ذكوريا". "إبتهاج حفظ الله" ليست أول فتاة سودانية تحاول أن تعمل مدربة فريق كرة قدم لكنها الوحيدة التي استطاعت العبور وكسر القيود الصلدة التي يفرضها المجتمع بنزعته الذكورية على المرأة وتحجز لأنوثتها مكانا طالما احتكره الرجال. عندما استوت ساقا "إبتهاج" للمشي في طفولتها ساقتاها ناحية ميدان صغير يلعب فيه صبية الحي كرة القدم، والآن بعد مرور ثلاث عقود لا تزال في ذات الملعب لكن مع تغير في الوصف من لاعبة كرة قدم إلى مدربة. عندما أسس في السودان أول فريق كرة قدم نسائي في العام 2003 كانت "إبتهاج" من أبرز اللاعبات واستمرت في الفريق حتى العام 2012 والذي شهد تحولها إلى التدريب. تقول "إبتهاج" لمراسل وكالة الأناضول للأنباء: "منذ طفولتي وأنا أهوى كرة القدم ولا أستطيع مجرد التفكير في تركها لكن مع تقادم السنين كان صعبا على فتاة في مثل مجتمعنا أن تستمر في اللعب فقررت الإلتحاق بالتدريب حتى لا أفقد صلتي بالكرة". وبوجه مغتبط تسرد "إبتهاج" قصتها وهي تعض صافرتها الفضية بين شفتيها مضيفة: "نهاية العام 2011 التحقت بدورة لتدريب مدربين كرة قدم نظمها المركز الثقافي البريطاني حيث حصلت على شهادة المهارات الممتازة قبل أن التحق بدورة أخرى في ذات المركز وأحصل على شهادة إدارة فرق الناشئين وبعدها حصلت على رخصة التدريب من اتحاد كرة القدم السوداني". وتتابع: "استفدت كثيرا من الدورتين اللتين نظمهما المركز البريطاني حيث أشرف علينا ثلاث مدربين إنجليز بمستوى عال أحدهما من أكاديمية مانشستر بعدها طلب منا اختيار فريق ناشئين لتدريبه فاخترت فريق (السلاطين) في حي جبرة ( في الخرطوم) الذي أسكن فيه". لم تجد "الكابتن ابتهاج" وهو لقبها الذي تشتهر به حسب إفادتها، أي مشقة في تدريب اللاعبين الذين لا تتجاوز أعمارهم 14 عاما وتكفلت بكل المعدات الرياضية اللازمة لتدريب الصبية حيث لا تحظى فرق الناشئن في السودان بدعم حكومي وتعتمد على التمويل الشعبي. "في البداية تحسرت عليهم كثيرا فهم صبية موهوبون لكن ليس هناك من يرعى موهبتهم فالأوضاع هنا سيئة حتى الفريق القومي للكبار يعاني"، تقول المدربة مضيفة بعد نظرة خاطفة للاعبي فريقها وهم يجرون عملية الإحماء بحماس "عندما توليت تدريبهم كانوا يمارسون اللعبة بأقدام حافية ودون ملابس ومعدات رياضية...لم يكونوا يتصورون أن بإمكانهم ارتداء أحذية لكن استطعت توفير كل ذلك من جيبي الخاص وبعد عدة أشهر تلقينا دعم من المركز البريطاني". وتفتخر "إبتهاج" بتجربتها وهي تعلن أن فريقها "لم يهزم في أي مبارة منذ أن توليت تدريبه بداية العام الماضي ولدي لاعب فاز بجائزة أفضل لاعب ناشئ على مستوى السودان"، وترى أن "المستقبل الزاهر لكرة القدم يبدأ برعاية البراعم لأنهم الأساس وسلوكهم ومهاراتهم تبدأ من هنا". وبعيدا إلى ما بعد خط الأفق، تتحسس الفتاة ذات الثلاثين ربيعا مستقبلها وهي تتمنى وتعمل للتقدم في مهنتها ليس على مستوى السودان فحسب وإنما على المستوى الدولي ويكون بمقدورها تشريف بلادها. "إبتهاج" ممتنة إلى كثيرين ساعدوها على طول الطريق منهم والدها الذي كان يصحبها وهي طفلة إلى ملعب الحي لممارسة اللعبة وكذلك للخبير الكروي أحمد بابكر الذي درب المنتخب السوداني لكرة القدم في فترات مختلفة. وتشدد على أن اجتهادها هو الذي "مكنها من الاستمرار لذا توصي فتيات بلادها بالصبر على الضغوط الاجتماعية حتى يتحقق لهن ما يردن في النشاط الكروي". وتضيف "عليهن الصبر فليست هناك مشكلة في أن تمارس الفتاة الكرة أو تتولى تدريب فريق وهذا لا يعني تجاوز قيمنا فأنا الآن أرتدي ثوب نسائي أثناء تأدية واجبي ولا أرى أن أنوثتي تعيقني". ويصف سكرتير رابطة "جبرة" لفرق البراعم والناشئين بابكر عوض الكريم لمراسل الأناضول تجربة إبتهاج ب"الفريدة"، مطالبا بدعمها. ويرى أن سر نجاحها هو "حبها للعبة الذي مكنها من تجاوز العادات والتقاليد التي تحكم مجتمعها". ويقول: "نحن قدمنا لها وسنقدم ما نستطيع من دعم ليس لكونها إمرأة ولكن هي بالأساس إنسانة تعشق مهنتها". وبينما يقول أحد لاعبيها خالد يحى (14 عاما) أنه وزملائه استفادوا جدا من "إبتهاج" التي لقنتهم مهارات الكرة وأن مساحة التفاهم بينهم وبينها واسعة لذا كان الفريق على الدوام يحقق نتائج ممتازة والآن هم جاهزون للفوز بالدوري". ويحيى خليفة الذي يسكن في حي مجاور لحي جبرة، يعلب اثنين ابناءه من ضمن فريق "السلاطين" يحرص دائما على حضور التمارين وحسب إفادته لمراسل الأناضول فإنه لمس انطباعا جيدا عن إبتهاج لدى نجليه. ويضيف "إبتهاج مجتهدة وتعتني بلاعبيها ومهتمة بالجانب التربوي وهذا هو المهم". ورغم صعوبة المهمة يتوقع خليفة "أن تنجح ابتهاج لأن لديها الرغبة والقدرة ويتوجب على الجميع دعمها". وكانت هيئات دينية في السودان أفتت قبل سنوات بتحرم تكوين فرق نسائية لكرة القدم تلعب خارج السودان في أفريقيا وآسيا وأوروبا ووصفت ذلك بأنه مفسد للأخلاق، وسادت حالة من الجدل بعد هذه الفتوي بين رجال الدين. * الأناضول