تعد الجماعات الترابية عنصرا مهما ودعامة أساسية لتحقيق التنمية المحلية، لكونها المحرك الأساسي لحركة الإنتاج المحلي، مما يلقي عليها مسؤولية ضخمة تقتضي منها أن تكون في مستوى هذه الأخيرة، وقادرة على أداء دورها بكفاءة وفعالية لما يتطلبه مسلسل التنمية الترابية الذي يستوجب التوفر على نظام جبائي قوي وفعال، وعلى تحصيل جيد وسليم لمختلف الجبايات المحلية المكونة لهذا النظام بشكل يضمن استمرار وزيادة الموارد الذاتية. وعلى العموم، فالموارد المالية للجماعات الترابية، سواء كانت موارد ذاتية أو مساهمات الدولة أو حصيلة الاقتراضات المبينة في القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات رقم 113.14، أصبحت تشكل الرأسمال الذي تتحرك بواسطته الجماعات الترابية في مختلف الميادين والمجالات التي لها ارتباط بالتنمية الترابية، إذ إنه بازدياد موارد الجماعة الترابية يكبر لديها حجم التدخل في ميادين التنمية وبانخفاض هذه الموارد يتقلص دور الجماعة في أداء وظيفتها التنموية. ومن هذا المنطلق، سوف نقوم بتحليل مدى مساهمة القانون الجبائي 07.20 المغير والمتمم للقانون 47.06، في الرفع من الموارد الذاتية للجماعات الترابية مع التركيز في هذه المداخلة على آفاق إصلاح المنظومة الجبائية الترابية، حتى تصبح أداة فعلية وفعالة في عملية در السيولة المالية لهذه الوحدات الترابية، وجعل الموارد الجبائية أداة تمويلية حقيقية بيد الجماعات الترابية. أولا: مستجدات القانون 07.20 المغير والمتمم للقانون 47.06 لقد تم التنصيص على هذا القانون أي 07.20 وجاء بهدف توسيع مجال تطبيق عدد من الرسوم المحلية، والتي من شأنها أن ترفع موارد الجماعات الترابية، والتي تضررت بفعل الجائحة، على غرار موارد الدولة، وهنا نشير لأرقام غاية في الأهمية وهي بالمناسبة متعلقة بالنشرة الإحصائية الشهرية المتعلقة بالمالية المحلية الصادرة عن الخزينة العامة للمملكة، والتي يتبين من خلالها الانخفاض الذي عرفته الإيرادات العادية بنسبة 16.6% في نهاية أكتوبر من السنة الماضية، حيث انخفضت بنسبة 14.5% الضرائب المباشرة عقب تراجع حصة الجهات من الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل (-19%) الرسم المهني (-16.3%) رسم الخدمات الجماعية (-9%) الرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية (-11.3%) رسم السكن (-14.6%). كما انخفضت الضرائب غير المباشرة بنسبة 14.5%، والتي تفسر بانخفاض حصة الجماعات الترابية من الضريبة على القيمة المضافة (-12.4%)، والرسم على عمليات البناء (-24.5%)، والحصة من دخل الرسم على عقود التأمين (-27%). وتجدر الإشارة إلى أن الإيرادات الضريبية المحولة من قبل الدولة (حصة الجماعات الترابية من إيرادات الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الشركات والرسم على عقود التأمين) تمثل 57,5% من العائدات الإجمالية للجماعات الترابية les recettes globales des collectivités territoriales. ورجوعا إلى القانون المغير والمتمم للقانون 47.06، فقد وسع وعاء الرسم على الإقامة بالمؤسسات السياحية، بشكل شمل الشقق التي يتم تأجيرها من طرف ملاكها للسياح المغاربة والأجانب، خصوصا عبر تطبيقات الحجز الفندقي والسياحي على شبكة الأنترنيت. كما ستستفيد الجماعات من الرسوم على المياه المعدنية ومياه المائدة، وبيع المشروبات، وكذا استغلال المقالع ورسوم عمليات الإصلاح وتسوية البنايات غير القانونية والهدم، ورسوم على رخص السياقة والمركبات الخاضعة للمراقبة التقنية، يستفيد منها العمالات والأقاليم، أما الجهات، فستستفيد من رسوم على رخص الصيد البري. فالهدف الذي سطر من وراء سن هذا القانون المغير والمتمم للقانون 47.06 هو تحقيق عدالة جبائية، والمساهمة في تطوير الموارد الذاتية للجماعات الترابية بالمملكة، كما يتماشى والتحولات التي عرفها مسلسل اللامركزية بعد دخول القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية حيز التنفيذ سنة 2015. ويتضمن هذا القانون 6 مواد أتت لتعديل وتغيير 59 مادة ونسخ وتعويض 11 مادة من القانون الجبائي الحالي. وقد جاء في المذكرة التقديمية لهذا القانون أن هذا الأخير يشكل مرحلة أولية للإصلاح، بمعنى أن الإصلاح الحقيقي للجبايات المحلية لم يتم بعد، فالقانون جاء ببعض التعديلات البسيطة فقط في أفق القيام بإصلاحات أخرى مرتبطة أساسا بثلاثة مرتكزات أساسية : – صدور القانون الإطار المتعلق بالجبايات؛ – مخرجات المناظرة الوطنية للجبايات؛ – ما سينبثق عن أشغال اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي التي مازلنا ننتظر تقريرها. وعليه، فهذا القانون جاء ليعالج بعض الأمور البسيطة المرتبطة بتدبير الجبايات واستبدال بعض العبارات، كاستبدال "الجماعات المحلية" ب"الجماعات الترابية" و"دوائر الجماعات الحضرية" ب"المدارات الحضرية" و"الجماعات القروية" ب "الجماعات التي لا يشمل نفوذها الترابي مدارا حضريا"... وذلك تماشيا مع مقتضيات دستور 2011 والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية الصادرة سنة 2015. ثانيا: آفاق إصلاح المنظومة الجبائية المحلية على الرغم من كل المستجدات والحلول والوصفات "الترقيعية" من وجهة نطرنا الخاصة التي جاء بها القانون 07.20 التي لم تسهم في رتق عيوب القانون 06.47. وانطلاقا من قول ابن خلدون "كوارث الدنيا بسبب إننا نقول نعم بسرعة، ولا نقول لا ببطء"، فإننا نقول ببطء لا لهذا القانون، فقد كان من الأحسن انتظار إصدار قانون شامل للإصلاح الجبائي الترابي، عوض إصدار قانون لا يسمن ولا يغني من جوع في ظل ظرفية صعبة تمر منها البلاد، وفي ظل تهاون وتراخي المشرع المغربي فعوض القيام بتعديل شامل للمنظومة الجبائية المحلية مباشرة بعد صدور القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، 6 سنوات من الانتظار من أجل إصدار قانون متمم ومغير لم يقدر على تجاوز إكراهات المنظومة الجبائية المؤطرة بالقانون 06.47، 6 سنوات من الانتظار من أجل إصدار قانون عاجز عن تجاوز ضعف مردودية الرسوم المحلية (ما عدا تلك المدبرة من طرف المصالح التابعة للمديرية العامة للضرائب)، وأيضا لم يعالج التفاوتات الجبائية بين الجماعات الترابية سواء العمودية أو الأفقية فالجهات ما زالت تستفيد من ثلاثة رسوم فقط، وأغلب هذه الرسوم تستفيد منها الجهات المطلة على البحر؛ 6 سنوات من أجل تكريس عدم استقلالية الوحدات الترابية والتنزيل السليم لمبدأ التدبير الحر، وهو ما نراه بالواضح عن طريق الإبقاء على تدبير ما يمكن تسميته "بالرسوم السيادية" من طرف الدولة لصالح الجماعات الترابية. 6 سنوات من أجل الاستمرار في تطبيق 13 مادة منظمة ل 13 رسم بقانون 30.89 بصورة انتقالية منذ سنة 2007. كيف يعقل أن يتم إصدار قانون جبائي لم يشرك الفاعلين الرئيسيين والمهتمين والخبراء في هذا المجال. كل هذه النقط تدفعنا إلى القول بضرورة خلق تصور جديد للإصلاح الجبائي الترابي كونه شرط ضروري لتحقيق اللامركزية، وتسريع مسلسل التنمية الترابية، فالتدبير الحر للمصالح المستقلة للجماعات الترابية، يبقى بدون معنى إذا لم تتوفر هذه الأخيرة على موارد مالية ذاتية وكافية. فقد عانى النظام الجبائي المحلي منذ الاستقلال مشكلة المردودية والعدالة، وهو ما حال دون أن تشكل الجباية المحلية أداة في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بالرغم مما عرفه هذا النظام من إصلاحات، انطلاقا من ظهير 23 مارس 1963، ثم إصلاح 1977 المكمل لظهير 30 شتنبر 1976، مرورا بإصلاح القانون 30.89 وإصلاح 47.06، وأخيرا القانون الترقيعي 07.20. وفي إطار تجاوز الوضع الجبائي الراهن بثغراته وإكراهاته المتعددة والمختلفة، واستجابة للتوجهات والمبادئ الناظمة للتنظيم الجهوي والترابي التي تبناها الدستور الجدديد، نقترح بعض الإجراءات القانونية والتقنية والتنظيمية والمسطرية التي تنسجم مع هذا المطلب الإصلاحي الجديد، حيث ترتكز حول ستة محاور أساسية يجب أن يشملها الإصلاح: – المحور الأول: شفافية المنظومة الجبائية الترابية، وتفيد الشفافية في المجال الجبائي الترابي بالأساس الحق في الاطلاع على الوثائق الإدارية والمالية المرتبطة بالشأن الجبائي، ووضعها رهن إشارة العموم للاطلاع عليها، بما يضمن شفافية المساطر والإجراءات الجبائية الخاصة بعمليات الفرض والتصفية والتحصيل الجبائي. ومعيار الشفافية في المجال الجبائي يثير أكثر من إشكال سواء في الجانب العلائقي الذي من المفترض أن يحكم طبيعة العلاقة بين كل من الإدارة الجبائية والملزم، أو في الجانب التدبيري للمنظومة الجبائية نفسها عن طريق آلية الإعلام الجبائي، وما يعنيه ذلك من إشاعة للثقافة الجبائية وللتوعية الجبائية بل وللتربية الجبائية بين عموم المواطنين والملزمين، ذلك أن ضعف التوعية الجبائية بالإمكان اعتباره سببا مباشرا في ضعف المردودية الجبائية. وقد عمل الدستور في باب الحكامة الجيدة على التنصيص على أن المرافق العمومية تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، كما أكد في الفصل 155 على أن أعوان المرافق العمومية يمارسون وظائفهم وفق مبادئ احترام القانون والشفافية. – المحور الثاني وهو عدالة جبايات الجماعات الترابية: بحيث يعكس الإصلاح المنشود عدالة جميع الملزمين أمام الجبايات المحلية، ومراعات مقدراتهم التكليفية، وعدالة توزيع هذه الموارد الجبائية بشكل يتناسب مع الجهات والجماعات الترابية. فمبدأ العدالة الجبائية، يقتضي بأن يكون توزيع الواجب الجبائي بين مختلف الخاضعين حسب مقدرتهم على الدفع، أي ما يحصلون عليه من دخل وما يمتلكونه من مال، ويقوى هذا المبدأ لارتباطه الوثيق مع مبدأ المساواة أمام القانون، لكونه يسمح بتوزيع العبء الضريبي بين جميع الأفراد بكيفية متساوية؛ وذلك سعيا وراء تحقيق عدالة جبائية تلائم وضعية الخاضع وأن تأخذ بعين الاعتبار حالته الشخصية والخاصة، لذا يجب التأكد من أن العدالة الجبائية قد روعيت في أي نظام جبائي، لكن هذا الهدف لن يتأتى من خلال التدقيق بالنصوص القانونية فحسب؛ لأن المكتسبات القانونية لا يجب أن تحجب عدة نقائص على المستوى الواقعي، كغياب شفافية جبائية تكرس لنزعة التباعد والتنافر بين طرفي العدالة الجبائية، وتجعل الكثير من الخاضعين يشعرون بعبء جبائي، خاصة إذا كانت الأداة الإنفاقية الترابية لا تلعب أي دور في إقامة هذه العدالة، الأمر الذي يقابل بردود أفعال سلبية من طرف الخاضعين في مختلف الممارسات ( كالتهرب، الغش الضريبي...). – المحور الثالث وهو توسيع الوعاء الجبائي للجماعات الترابية: وذلك باعتماد أوعية موحدة وقيمية ومرنة ذكية، تستجيب للتحولات التي تعرفها هذه الأوعية، بشكل يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، بحيث تكون قابلة للتعديل بشكل دوري ومستمر، على غرار الجبايات المرتبطة بالأنشطة الاقتصادية بفرنسا. كما يجب تقليص حجم الإعفاءات والتخفيضات، وربطها بالقدرات السوسيو اقتصادية للجماعة الترابية، وجعلها أداة لتوجيه مخطط التنمية المحلية وأهدافها البيئية والعمرانية والاقتصادية والاجتماعية. – المحور الرابع وهو سهولة وشفافية عمليات تصفية جبايات الجماعات الترابية: وذلك يأتي عن طريق تبسيط إجراءات الاحتساب، وتمكين الملزمين من فهمها بسهولة والمشاركة فيها، واعتماد تقنيات جديدة في احتساب الأسعار، تأخذ بالتصاعدية وتوسيع مجالات التسعير؛ بحيث تراعي المقدرة التكليفية للملزمين المحليين، وتمكن الجماعات الترابية من الاستفادة من الإمكانات الجبائية التي تتوفر عليها. – المحور الخامس يكمن في توسيع السلطة الجبائية للجماعات الترابية: وذلك بتمكينها من سلطة اختيار الأوعية الجبائية التي تناسبها، ومنحها إمكانية الاقتراح والمساهمة في تحديد الإعفاءات والتخفيضات التي تنسجم مع واقعها الترابي وخصوصياته، بالإضافة إلى منحها سلطة واسعة في إحصاء وتحصيل أوعيتها، والقيام بعملية المراقبة والتفتيش، وذلك من أجل تمكينها فعلا من حرية إدارة شؤونها، واتخاذ المبادرة وتحقيق فعالية التدبير ووضوح الفعل العمومي والمسؤولية والديمقراطية الترابية. النقطة الأخيرة والمحور السادس المكمل لأضلع الإصلاح الستة وهي عقلنة عملية تحصيل جبايات الجماعات الترابية: وذلك بتعزيز أساليب التحصيل الرضائية، وتيسير عملية الأداء عن طريق تمديد الآجال، والرفع من قيمة الجزاءات بحيث تتناسب تصاعديا مع طول مدة التأخر عن الأداء، مع إقرار إمكانية الأداء عن طريق أقساط في حالة ثبوت حسن النية لدى الملزمين المحليين، وإصدار الرسوم بأسماء الأشخاص الطبيعيين وليس باسم الأشخاص المعنويين، بالنسبة للمقاولات والشركات، تفاديا لكل تملص ضريبي. ومواكبة الإصلاح بالإجراءات والإمكانات البشرية والمادية الضرورية لإنجاحه، وذلك عن طريق اعتماد استراتيجية جديدة لتكوين الموظفين الترابيين، وتعزيز الإدارة الجبائية الترابية بالأطر الكافية وذات التكوين العالي والمتخصص، وتوفير الوسائل المادية والمعلوماتية اللازمة لقيامها بمهامها، وخلق آليات للتنسيق والتعاون بين مختلف المتدخلين في تدبير الجبايات الترابية، تعتمد على قاعدة مشتركة للبيانات. في الأخير فإن أي إصلاح لا يمكن أن يكون عملا مكتملا ونهائيا، لكنه يجب أن يكون انعكاسا للبنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أنتجته، ومستجيبا لأهدافها وانتظاراتها. لذلك يبقى التصور الذي يحمله هذا المقال مجرد مساهمة في النقاش الدائر حول إصلاح منظومة جبايات الجماعات الترابية الحالية، وانفتاحا على سيناريوهاتها المحتملة.