إذا كانت نساء الفقيه بن صالح حَرّمْن على أنفسهن أكل السمك بجميع أنواعه لاعتقادهن أن أكله يعني أكل لحم أبنائهن الذين غرقوا في البحر أثناء رحلات الهجرة المتكررة، فإن نساء مناطق كثيرة من الغرب المغربي عشن نفس التجربة ونفس المرارة بعد أن لفضت أمواج البحر الكثير من جثث أبنائهن..أبناء يدركون منذ نعومة أظافرهم أن إسبانيا ليست فقط مصارعة للثيران أو راقصات (الفلامينغو) اللواتي تحملن طقطقات أحذيتهن حزنا دفينا، بل هي أكثر من ذلك بكثير، هي حقول وضيعات ومصانع تؤمن راتبا محترما يوفر على الأقل الحد الأدنى من كرامة العيش، وتحقيق بعض الأحلام على قلتها..هذا على الأقل ما لمسناه ونحن نعد هذا الملف "" حينما تبدأ المغنية سلين ديون في الغناء فهي تأخذ جل مستمعيها على متن التايتانيك إلى أبعد حدود العشق والرومنسية.. الأمر نفسه يفعله غلاسياس للعاشقين للإسبانية.. وهذا ما كانت تفعله أم كلثوم وعبد الحليم يوما ما مع العرب.. اليوم تغير الحال من حال إلى حال، وأصبحت الأغاني التي تثير الشباب وتجعلهم ينصهرون مع إيقاعاتها وينجدبون لمعانيها ويجعلون من كلماتها شعارات لهم، هي أغاني الحريك والهجرة السرية والقانونية ومغادرة البلد كيفما كانت الوسيلة وبأي ثمن كان.. الشاب رضى الطالياني وجد لهم الحل، فغنى لملايين الشباب الحالم أغنيته الشهيرة (( يالبابور يا مونامور خرجني من لاميزير في بلادي راني محكور عييت عييت وجونيمار))، حينما غنى الطالياني هذه الأغنية أسس لدولته الخاصة.. دولة الحلم بالهجرة ومغادرة الأوطان، دولة المحرومين والمقهورين في بلدانهم والراغبين في مغادرة الوطن، اليوم قبل الغد، ومعانقة البحر وركوب البَابُور من أجل الانعتاق.. الانعتاق من وطن لم يكن لهم، وليس لهم، ولن يكون لهم...!! فكل ما حل فصل الصيف، وتعددت اللوحات الصفراء ذات الترقيم الخارجي إلا وطفت الرغبة من جديد، وزاد الإصرار وتنوعت الطرق والوسائل لمحاولة التسلل إلى الضفة الأخرى التي لا تبعد سوى 12 كلم يُخيّل للبعض أن بإمكانه أن يعبرها سباحة.. "الشعاع" تتبعت خيوط الكثيرين ممن ركبوا المغامرة..مغامرة الحريك بجميع تجلياته ومخاطره وتفاصيله القاتلة التي تبقى في الذاكرة حتى وإن إختلفت الأيام وتنوعت التواريخ، فالمغامرة تبقى راسخة، منحوتة، لأن منبعها يأس وقنط ورحيل للمجهول، حيث الظلمة أول الطريق.. يتحدث حميد ل "الشعاع" بصوت متعب وبحرقة كبيرة وضيق في النفس وهو يقول:((لبقيت هنا في هاد البلاد غادي نحماق))، وكلام حميد هو صوت من مئات الأصوات التي تردد نفس الرغبة وبنفس الإصرار والتحدي على أنهم غرباء في بلد ظنوا أنهم أصحابه، أو تحولوا إلى جاليات مغربية في المغرب. حميد، شاب في منتصف العشرينات من العمر ضاقت به السبل في مدينة صغيرة كسيدي قاسم، حيث الحلم يبقى حلما لا يتعدى جمجمة رأسك، وحيث الخيار المتداول بين أغلب الشباب هو حب العيش مع زعر الراس بدل كحل الراس، لذا يُصر الكثير من أبناء هذه المدينة كغيرهم على مغادرة هذا البلد في أول فرصة تتاح لهم.. في زودياكة..في بلانشة.. فوق لوحة خشبية.. أو أي شيء يطفو فوق الماء.. المهم أن يخترقوا عباب البحر ليصلوا للأندلس كما وصل إليها جدهم طارق بن زياد وبنفس الوسيلة مع إختلاف الغاية.. الفقر..والرؤيا المظلمة للحياة.. الغذ المفقود وتحقيق الحلم... الحرية الغائبة وصنع المستقبل.. بهذه الحمولة يهاجر الشباب إلى الضفة الأخرى.. هجرة المحروميين والحالميين بحياة أفضل لم يجدوها في وطنهم الذي خذلهم وولى ظهره لهم كما يقول أحدهم، الذي يروي قصته ل"الشعاع" بعدما مارس هوياته المفضلة في الحريك لأربع مرات متتالية كانت الخامسة تابثة جعلته يستقر ويتزوج باسبانية كانت تبحث هي الأخرى على الهجرة..هجرة ثقافة رجال بلدها الذين لا يؤمنون بالجسد المترهل بالشحوم التي تجعل من المرأة ككتلة لحم تسير في الشارع، لذا فهي هاجرت إلى رجل مغربي/عربي يقبل المرأة/الوريقات كما هي ويجعل من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة هو مبدأه السائد. حكمات عليه الظروف أن يتزوج بدينة من حفيدات فرانكو أمين الذي استقر بمدية مورسيا، أن رحلته مع الحريك هي كرحلة دونكيشوطية طويلة وغريبة.. ويضيف أمين ل"الشعاع" وهو يرمي بنظراته بعيدا وكأنه يستحضر تلك اللحظات التي ركب فيها سيارة أحد أقربائه وتخفى بين مقتنيات العائلة التي كانت عائدة إلى حيث تقطن بجنوب بورد بفرنسا، فيقول:" أنه بعد وصولنا لميناء طنجة شدني الخوف وشعرت برهبة كبيرة كان لها مبررها بعدما أخرجتني شرطة الميناء من بطن السيارة حيث كنت متخفيا، عندها وتفاديا ل(سين وجيم)، وتفاديا لأي إحراج قد أسببه للعائلة التي أرادت أن تركب معي المغامرة، دفعنا ما تسير من مال لبعض رجال الشرطة في الميناء وأخلوا سبيلي عائدا إلى سيدي قاسم بعزم أكبر على أن أصل للضفة الأخرى مهما كان الثمن..وهكذا بعد محاولة أخرى فاشلة للحريك ومحاولات لشراء عقد عمل لمرات عديدة لم أوفق فيها، قررت بعدها أن أدفع مليوني ونصف المليون سنتيم مقابل شراء جواز سفر مزور من شبكة للتهجير السري يوجد مقرها في مدينة الناضور.. وهي الطريقة التي تمكنب بها من العبور إلى الضفة الأخرى عبر ميناء سبتة مستغلا ضغط عودة المهاجرين المغاربة في آخر كل صيف،الأمر الذي يجعل المراقبة لا تتم بشكل دقيق وهو ما اعتمدت عليه مع الكثير من الحظ... خمس مرات هجرة سرية وخمس مرات طرد من الديار الأوروبية الصدفة، هي وحدها الصدفة التي جعلتنا نلتقي ونحن نعد هذا الملف بمهاجر سري لفظته للتو أوروبى الساركوزية، عبر القطار الرابط بين طنجة وسيدي قاسم، حيث كانت لنا دردشة طويلة مع رضوان المهاجر السري وابن مدينة وجدة.. رضوان شاب في 27 من العمر حينما تنظر إليه تعتقد أنه كان في رحلة استجمام لم ينغض عليه أي احد هدوءها، لكن وبعد دقائق من تحرك القطار طلب منا رضوان أن نداري عليه، لأنه لا يملك تذكرة سفر وليس في جيبه غير ثلاثة أورو أخذها من سائحين اسبانيين عند بوابة القطار، فرضوان طردته فرنسا ساركوزي بعدما قضى سنتين في السجن بسبب القبض عليه وهو يبيع بعض أنواع المخدرات.. حينما طلبنا من رضوان أن يحكي لنا قصته الكاملة مع الحريك، لم يمانع مع بعض التحفظ بعدم ذكر اسمه الكامل ولا أن نأخذ له صورة، وهذا شرط لا تفاوض عليه.. قبلنا على مضض، فالهدف كان هو معرفة تفاصيل هجرته السرية وطريقة طرده من فرنسا وسبب رهن مستقبله بأوروبى بدل بدء حياته وبناء مستقبله في المغرب، في هذه النقطة بالذات قال هذا الشاب: أنكم لن تصدقوني إن قلت لكم أني حينما كنت أعود للمغرب فكل الغبن والضيق يصيبني، وكلما هجرت إلى أوروبا ووصلت إلى مدنها النظيفة وأناسها ذوا الثقافة العالية والمتسامحة والطريقة التي يتعاملون بها معك ويحترمونك ولا يؤمنون ب(شكون ابّاك ولا امك)، إلا وأحسست وكأني أشفى من كل الجراح التي أصبت بها في المغرب..فيكفي أن تعيش في محيط يوفر لك الحياة الكريمة لكي تشعر أنك انسان تُحترم آدميتك.. كلام رضوان صريح وصحيح. ويضيف ابن وجدة، حينما سألته "الشعاع" عن الطريقة التي يسلكها في هجرته السرية فيقول؛ أن الطرق تختلف لكن الغاية واحدة، هي قطع البحر مرة في شاحنة ومرة في سيارة دون أن يدري صاحبها ومرة اتسلل للباخرة .. ومرات عديدة يكتشف امري وآخد علقة من الضرب والشتم تم يرمى بي خارجا اقسام الشرطة في الناضور أو في طنجة من باب التغيير.. لكن مع هذا فقد تمكنت خمس مرات من الوصول للضفة الأخرى ثلاث مرات بقيت فيها باسبانيا قبل أن أجعل من فرنسا مكانا لي في المرتين الأخيرتين، وقبل أن أستقر في فرنسا ذهبت عند أخي في مدينة بروكسيلببلجيكا ظانا مني أن آصرة الدم التي بيننا قد تساعد في تدليل الكثير من الصعاب، لكن ما أن انتهى الأسبوع الأول عند أخي حتى أعطاني 300 أورو وطلب مني المغادرة فأنا كما قال "راجل وخصني ندبر على راسي اراسي كما دار هو "، أخذت المال وتهت، لا أعرف أين أنام ولا أين استقر ولا أين أعمل.. خصوصا وأني لا أملك لا معارف ولا أوراق إقامة ولا أي شيء غير التوهان في بلاد لا أعرف أصغر دروبها.. وبعد غربة الضياع التي انضافت إلى غربة البلد، قررت مغادرة بلجيكا في اتجاه فرنسا التي عشت فيها تفاصيل لا تختلف عن تفاصيل شوارع بروكسيل..بدون عمل، بدون بيت يأويني، بدون أوراق إقامة تحميني من مطاردة الشرطة لي في كل يوم.. جربت أن أكون مفيدا.. فلم أستطع.. أن أكون صالحا بالمعنى المتعارف عليه.. فلم أستطع.. أن ابني حياتي فلم أستطع، لأن قوانين البلد لا ترحم المهاجر السري.. لهذا قبلت بطريق المخدرات فهي العمل المتوفر للمهاجر السري في ضواحي المدن الفرنسية.. بيع وكسب ومطاردة بوليسية يومية.. ثم سجن فطرد.. كما هو حالي اليوم، فمن السجن إلى إحدى الموانئ مع سبعة مغاربة آخرين، ثم مباشرة إلى ميناء طنجة كنهاية للرحلة.. سألنا رضوان عن ما سيفعله بعدما يصل إلى بيتهم في مدينة وجدة، خصوصا وأنه لم ير والدته لمدة خمس سنوات متتالية؟ فقال لنا بحماس كبير:(( غادي نطلب من الواليدة تخبز ليا شي ملويات سخان توحشتهم بزاف.. وبعدها سأنام لأربعة أيام متتالية..))، قالها والدموع تبرق في عينيه قبل أن يخبرنا أن بقاءه في المغرب لن يتعدى أربعة أسابيع على أكثر تقدير، فهو يعرف طريق العودة، بعدما ألف عباب البحر.. رحلات للهجرة وضعت لها أمواج البحر نقطة النهاية إن كانت نساء الفقيه بن صالح حرمن على أنفسهن أكل السمك بجميع أنواعه لاعتقادهن أن أكله يعني أكل لحم أبنائهن الذين غرقوا في البحر أثناء رحلات الهجرة المتكررة، فإن نساء مناطق كثيرة من الغرب المغربي عشن نفس التجربة ونفس المرارة بعد أن لفضت أمواج البحر الكثير من جثث أبنائهن واحتفظت بأخرى، كما حدث قبل أسابيع قليلة لمجموعة من أبناء جماعة "الشبانات" الذين تعرضوا لحادث مأساوي في المياه الجزائرية على إثر غرق قاربهم الذي كان يحملهم سرا نحو إسبانيا. هؤلاء الشباب الذين ينحدرون من الجماعة القروية للشبانات وبني احسن، حاولوا الهجرة عبر قوارب مطاطية ذات محركات سريعة من نقط معينة من الجزائر، قاصدين إسبانيا بعدما دفعوا مبالغ مهمة لمافيا تهريب البشر، لكن القدر والمصير كان أقوى من رغبتهم، حينما انقلب المركب الذي كان يقلهم، فمات من مات وفُقِد من فُقِد ونجا البعض بعد تدخل خفر السواحل الجزائري... مثل هؤلاء كثُر بالإقليم، حيث الواحد منهم يتأهب لرحلات الهجرة السرية بعدما تضيق بهم السبل وتخنقهم الحياة، حينها يستعدون لرحلة الحياة أو اللاحياة، زادهم الوحيد صحن من البلوط لسد الجوع وقنينة ماء لري الظمأ عند الضرورة، ومبلغ مالي قد يصل ما بين مليونين وخمسة ملايين سنتيم لركوب قارب خشبي أو مطاطي وبدء رحلة العودة للأندلس، مهتدين بالنجوم كما فعل آباءهم الأولون. شباب المغرب بشكل عام، وشباب منطقة الغرب بشكل خاص، يدركون منذ نعومة أظافرهم أن إسبانيا ليست فقط مصارعة للثيران أو راقصات (الفلامينغو) اللواتي تحملن طقطقات أحذيتهن حزنا دفينا، بل هي أكثر من ذلك بكثير، هي حقول وضيعات ومصانع تؤمن راتبا محترما يوفر على الأقل الحد الأدنى من كرامة العيش، وتحقيق بعض الأحلام على قلتها. أما البعض فيعتبر فرنسا هي حلمه الأبدي، فلا شيء يضاهي التقاط صورة مع برج إيفل، أو في شارع الكونكورد الذي ينتهي بقوس النصر، أو شرب قهوة ساخنة في أشهر شارع في العالم وهو الشانزلزيه.. لذا، لا عجب أن يسقط المطر في باريس، لكن البعض يرفع المظلات في دكالة أو الغرب.. تقول الفكاهة الفرنسية: إن غرق مركب نفط عربي في الشواطئ الفرنسية يعتبر حادثة، أما إذا كان راكبو المركب من العرب يُحسنون العوم فتلك مُصيبة إنها الفكاهة الفرنسية التي تعبر عن رؤية الفرنسيين للمهاجرين وللهجرة بشكل عام بعدما اختنقوا بها. وهذا الاختناق، جعل فرنسا تطرد 14 ألف و600 مهاجر سري من بينهم 3400 مغربي دخل لفرنسا عبر الهجرة السرية، أي أن نسبة الطرد ارتفعت في فرنسا إلى 80 في المائة مقارنة مع السنة الماضية. وهؤلاء الذين شملهم الطرد، سبق لهم أن دخلوا لفرنسا بطرق متعددة منهم من دخل إليها قادما بهجرة المراكب السرية، ومنهم من دخل إليها بتأشيرة قانونية وفضل البقاء بعد انتهاء صلاحيتها، ومنهم من دخل متخفيا في سيارة بضائع أو شاحنة نقل دولية.. لكن القاسم المشترك بين كل هؤلاء هو أن مقامهم في بلاد نابليون أصبح غير قانوني، لذا فساركوزي أصر على "تنقية" فرنسا منهم، وهذا ما سار إليه وزير الهجرة والاندماج والهوية الوطنية والتنمية التضامنية (بريس أورتفو) حينما صرح متفاخرا على أن فرنسا لم يسبق لها أن حقق مثل هذا الرقم في سنة واحدة بطردها لكل هذا العدد من المهاجرين الغير الشرعيين، كما أن ساركوزي أعلن أن هدفه قبل نهاية السنة هو طرد 26 ألف مهاجر غير شرعي من فرنسا، ووضَع برنامجا محددا يقضي بطرد 26 ألف في سنة 2008 و28 ألف في 2009 مع تحديد سقف لكل مدينة وولاية عليها أن تفي به عند كل سنة. أما في مملكة خوان كارلوس، فمطاردة المهاجرين السرين بدأت تأخذ طابعا علينا، وحتى من كانوا إلى وقت قريب ينعمون ببطاقة الإقامة أصبحوا اليوم مهددون بفقدانها إن لم يجدوا عقود عمل لتجديدها، وهو الأمر الذي أصبح جد صعب مع الضائقة الاقتصادية التي تعيشها اسبانيا في الوقت الحالي، وبعد الركود الكبير في مجال البناء الذي كان يمتص اليد العاملة المغربية.. لكن مع هذا، فالإحصائيات تشير إلى أن 263 مغربيا طلبوا اللجوء السياسي في إسبانيا سنة2007 حسب آخر إحصائيات وزارة الداخلية الاسبانية، وهو الرقم الذي يجعل من المغاربة في الرتبة الخامسة من 7662 طلبا تقدم به مواطنون من بلدان أخرى خصوصا من أمريكا اللاتينية... إلى ذلك، شهد مطار محمد الخامس في الأشهر القليلة الماضية اعتقالات بالجملة شملت 130 مسافرا أجنبيا ومغربيا كانوا ينوون العبور إلى أوروبا بجوازات سفر وتأشيرات مزورة، أو أوراق إقامة ليست لهم. لكن مع هذا، فقوارب الموت لا تتوقف ليل نهار لمجرد أن ينطق هؤلاء بهذه الأرقام، لأن المهاجر السري يحمل شعارا كبيرا قبل أن يبدأ رحلته، وهو أن الرب واحد والعمر واحد. فحينما يظلمك الوطن(أو بعض من ينهبونه) ويتفننون في اختراع كل شيء لإذلالك ولفضك بلا رحمة ولا شفقة ليحتضنك العراء الموحش والسفر الطويل وربما الأبدي.. سفر لا أهل فيه ولا أحباب.. سفر مليء بالحزن وربما مصاحبة الموت في كل لحظة، حينها ترمي بكل شيء لأن لا شيء تملكه في حياتك لتخاف عليه.. انتهى كلام أحد المهاجرين السريين ممن التقتهم "الشعاع"، لكن لم تنته الحكاية، حكاية شباب حملوا أوطانهم في صدورهم كالجمر، وحملوا أحلامهم وأمانيهم وهبوا مبحرين باحثين عن الخلاص في بلدان ليست لهم ولن تكون لهم.. يغامرون بحياتهم لأنهم يعتبرون أن لا قيمة للحياة إن لم تكن حياة حقة وبكرامة حقة. هذه هي حال المهاجرين السريين، الذين اختاروا مقايضة حياتهم كشرط للوصول إلى حيث يوجد الحلم المنشود، فالذل أقبح من الموت، والعذاب أهون من العيش بدون كرامة، لذا هم يخوضون رحلة التيه لا يطلبون غير حياة كريمة يعقبها موت كريم.. كفن وصلاة وجنازة كما باقي خلق الله. شاهد حيل المهاجرين السريين