يدافع التلاميذ والطلبة عن حقهم في الغش، ويعتبرون كل أستاذ يمنعهم من ذلك "ابن حرام ومْعقّد" وكل من يساعدهم على الغش " ولد الناس والله يعمرها دار".. فتراهم يسألون قبل الامتحان وبعده عن " الحراسة " قبل أن يسألوا عن أي شيء آخر. حتى الآباء يُطَبّعون مع غش أبنائهم ويراقبونهم وهم يعدون ما استطاعوا من عدة واستعداد للنقيل دون أن يوبخوهم أو يستنكروا ذلك. ومن بينهم من يسأل إبنه بعد الامتحان : واش خلاوكوم تنقلوا بعدا؟ والاستاذ الذي يغامر بالتبليغ عن غشاش في يوم الامتحان لا يجب عليه أن يغامر بذلك إلا إذا كان مُتقنا لفنون القتال والمصارعة للدفاع عن نفسه أمام التلميذ/الطالب الذي لن يتقبل بتاتا أن يبلغ به، وكأن الأستاذ يسلبه حقا من حقوقه التي نشأ عليها وتتلمذ عليها. (وهذا الجانب الأمني يجب أن تفكر الوزارة بشكل جدي بتوفيره للسادة الأساتذة ). فقبل أيام أحد الطلبة الباحثين دفعت به كلية الآداب بجامعة ابن زهر كوقود للامتحانات كما يُدفع في الغالب بطلبة الدرك والشرطة كوقود للاحتجاجات والاعتصامات وكلفته رفقة زملاء له بحراسة امتحان إحدى المواد، وبحكم جدّيته وحداثة عهده بالمهنة، فقد قام بضبط طالب وضع " نقلته " بشكل عادي فوق الطاولة. سحب منه " الحروز " وبطاقة الطالب، وما كان من الطالب سوى أن سدد إليه لكمات و ضربات موجعة دفاعا عن " حقه في الغش ". يبنما اكتفى المكلف بالحراسة بتقديم شكاية لدى المصالح الأمنية بعد انتهاء الحصة. الغش سلوك أمة وثقافة شعب. شعب يتباهى بالقوالْب، ويحرص على ألا يُشمتَ ويدعي أنه ذكي. طبعا لا يمكن لأب يمشي في "لانتيردي " ويحرق " السطوب " ويدفع الرشوة ولايحترم الصف، ويقول لابنه عندما يسأل عنه أحد : "قل له أنا ماكاينش ". لا يمكن طبعا لهذا الشخص سوى أن يطبّع مع الغش ويعتبره حقا من حقوق المواطنة الحقة. فلا يمكن لتلميذ ينجح بالنقيل كل سنواته الدراسية لدرجة يعتبر فيها " الغش " تعاونا بين الزملاء، وحقا من حقوقه المشروعة، أن يتقبل أن الغش ممنوع وغير مقبول. في المستوى الابتدائي يكتبون الأجوبة للتلاميذ في السبورة ليتم نقلها بهدف رفع نسبة الناجحين بمباركة من المدير وبتنفيذ من الأساتذة الذين يريدون أن ينجح أكبر عدد ممكن. وفي السنة التاسعة نفس الشيء. الطامة الكبرى أن النقيل يوجد حتى في اختبارات الكفاءة التي يجريها السادة الأساتذة الذي من المفروض أن يمنعوا التلاميذ من الغش ويعطوا القدوة بسلوكهم. وقد حدث معي هذا الأمر شخصيا ، مرة اجتزت امتحان الولوج إلى مهن التربية : أحد الأساتذة المكلفين أقترب مني وقال لي : أستاذ ياكما وحلتي في شي حاجة؟ شكرته وقد لخصتْ " خدمته " لي كل شيء. هو يريد أن يخدمني بحسن نية، لكن الأمر تلخيص لثقافة شعب كامل. حتى الذين يتوفرون على قدر كبير من الوعي يعتقدون بأن " الغش مشروع " في ظل بيئة غير سليمة و مليئة بالتخلويض ومبنية على الغش والخداع. فالغش يظل موجودا في كل مكان، في السلع التي تبيعها المتاجر، في الخدمات التي تقدمها المؤسسات، في سلوكات المواطن ، وفي كل مناحي الحياة. فما معنى أن يكون تلميذ الباكالوريا وحده الذي سيخضع لنظام صارم للحد من الغش ويُحرم من " حق " يمارسه الجميع في كل المرافق؟ كل ما سبق لا يعني أن نترك التلميذ يغش، بل أن ترافق هذه الاجراءَات التي تريد وزارة التربية الوطنية تطبيقها، اجراءَات أخرى تشمل مجالات أخرى تحت وصاية باقي الوزارات : غش في البناء، غش في تشييد الطرق، غش في السلع، غش في الانتخابات، غش في تفويت الصفقات، غش في الولوج إلى المعلومات وغير ذلك. [email protected]