من الواضح جدا أن آخر شيء يمكن أن تفكر فيه الدولة المغربية هو السهر على حماية مواطنيها ، والسهر على أمنهم وسلامتهم . فقد أظهر التجاهل القبيح الذي تعاملت به وزارة الخارجية مع أم وشقيق المواطن المغربي الذي يعمل سائقا لدى هنيبعل القذافي ، والذين تم اعتقالهما على الأراضي الليبية بدون ذنب ، أن المغاربة مكتوب عليهم أن يعيشوا "محكورين" داخل وطنهم ، وعندما تضطرهم الظروف القاسية إلى البحث عن لقمة العيش في بلدان الآخرين ويتعرضون للإضطهاد مثلما حدث للسيدة المغربية وابنها الذين تمت إهانة كرامتهما في جمهورية القذافي "الشقيقة" ، فإن الدولة المغربية لا تضربها "النفس" على مواطنيها ، وكأن أمرهم لا يعنيها في شيء. ما حدث للمواطنين المغربيين الذين تم اضطهادهما من طرف زباينة القذافي يشكل وصمة عار لن يمحوها التاريخ على جبين وزارة الخارجية المغربية ، التي يبدو أن الفاسي الفهري الذي يجلس على كرسيها لا يهتم بتاتا بمثل هذه القضايا "التافهة" ، ويشكل أيضا وصمة عار على جبين إدريس اليازمي (الصورة) الذي يرأس المجلس الأعلى للمهاجرين .
ففي أول امتحان حقيقي له بعد توليه مهمته الجديدة ، سقط سقطة مدوية عندما صرح بأن أمر المواطنين المعتقلين في ليبيا لا يعنيه ولا يعني مجلسه الموقر في شيء ، لذلك يجب على المهاجرين المغاربة المشتتين على بقاع العالم ألا يعولوا مطلقا على المجلس الذي تم تأسيسه بقرار ملكي ، وتم تعيين أعضائه بظهائر ملكية ، فما دام أن السيد اليازمي لم يكلف نفسه عناء ولو إصدار بيان مقتضب يندد فيه بالتصرف الأعمى للسلطات الليبية في حق مواطنيه الذين تم الزج بهما خلف القضبان ، فيظهر واضحا إذن أن الشيء الوحيد الذي سيفعله طيلة ولايته على مجلس المهاجرين هو الجلوس في مكتبه صامتا ، والذهاب على رأس كل شهر إلى البنك من أجل تسلم راتبه الشهري الذي يتم استخراجه طبعا من جيوب المواطنين المغاربة ، والذي لا يتجاوز ستة ملايين سنتيم لا غير . وطبعا بدون صداع رأس . وهكذا يكون الدفاع عن الجالية وإلا فلا .
الموقف الجبان للدولة المغربية هذا ، والذي يبدو أنه ناجم عن الخوف من غضبة القذافي صاحب المزاج المتقلب ، جعل المحامي السويسري الذي يتولى مهمة الدفاع عن السائق المغربي الذي يشتغل لدى نجل القذافي إلى القول بأنه لم يسبق له أن رأى دولة لا تهتم بمواطنيها مثل المغرب . شوهة واش من شوهة.
ومساء يوم الأحد الماضي وقعت حادثة سير في نواحي مدينة فالنسيا الاسبانية ، راح ضحيتها ثمانية مغاربة وجرح آخرون ، بعدما انقلبت الحافلة التي كانوا يستقلونها ، وعندما وصل الصحافيون إلى مكان الحادث لم يجدوا السفير المغربي ولا قنصل المملكة كما كان مفروضا ، ما دام أن الحافلة مغربية ، والضحايا كلهم مغاربة ، وحملوا ميكروفوناتهم إلى مفوض الحكومة الاسبانية الذي حضر إلى هناك على عجل ، وكأن المواطنين الذين أزهقت أرواحهم في تلك الحادثة إسبان وليس مغاربة . سعادة السفير لم يذهب لزيارة الجرحى في المستشفى إلا بعد أن تلقى الأوامر من الملك ، وهو معذور على كل حال ، فالمسؤولون المغاربة لا يتحركون إلا بواسطة التعليمات الملكية . ولعلكم تذكرون كيف وجد وزير الخارجية السابق محمد بن عيسى نفسه في حيص بيص ، عندما قررت الحكومة الاسبانية أن ترسل تعزيزات عسكرية إلى جزيرة "ليلى" لطرد المخازنية الذين أرسلتهم إليها المملكة . السيد الوزير لم يعرف ماذا يفعل ، لأنه لم يشأ أن يوقظ الملك الذي كان يغط في نوم عميق في الوقت الذي كانت فيه البوارج الحربية الاسبانية على مشارف السواحل المغربية .
يجب علينا ألا نكون مغفلين أكثر من اللازم ، هذه اللامبالاة التي يتعامل بها معنا المسؤولون لم تأت من فراغ ، بل هي نتيجة حتمية للسياسة العامة للدولة ، فعندما نرى مثلا كيف أن وزارة الخارجية البلجيكية تدخلت بشكل عاجل لدى السلطات المغربية قبل سنوات ، وطلبت منها أن تنقذ اثنين من مواطنيها الذين كانا محاصرين بجانب عشرات المغاربة في تيزي نتيشكا بسبب الثلوج التي قطعت الطريق ، وهو الأمر الذي استجابت له السلطات المغربية بسرعة ، ونرى كيف أن هذه السلطات لم تفعل شيئا من أجل إخراج اثنين من مواطني المملكة من الزنزانة التي رماهما فيها القذافي ، سنعرف أن مسؤولي البلدان الديمقراطية يتعاملون مع مشاكل مواطنيهم بحزم شديد ، ويأخذون كل قضاياهم مهما كان حجمها صغيرا على محمل الجد ، لأنهم بكل بساطة معرضون للحساب والمساءلة من طرف البرلمان ، ومن طرف المواطنين أنفسهم في صناديق الاقتراع ، فيما المسؤولون المغاربة ليسوا معرضين للحساب ولا لأي شيء آخر ، لذلك يتعاملون معنا باستخفاف شديد ، ويفعلون ما شاؤوا بدون خوف من أحد . وهذه هي النتيجة النهائية لسياسة التعيينات بالظهائر الشريفة ، التي تنتج لنا مسؤولين فوق القانون ، لا أحد يستطيع أن يقترب منهم لأنهم معينون من طرف الملك ، ومن يصر على مواجهتهم فكأنما يواجه الملك شخصيا . وهل هناك في هذا البلد من هو قادر على مواجهة الملك .
إدريس اليازمي معين بظهير شريف ، والفاسي الفهري يحمل حقيبة وزارة سيادة ، يعني ديال الملك ، والسفير أيضا معين بظهير شريف . لذلك فالجواب الوحيد الذي سيقدمه كل هؤلاء لكل من يسألهم عن سبب تقاعسهم وعدم مبالاتهم بالمواطنين الذين تمت اهانتهما في جمهورية القذافي ، وعدم تدخلهم العاجل في حادث أؤلائك الذين تعرضوا لحادثة السير في اسبانيا هو : نحن في انتظار التعليمات الملكية السامية ، حيث لا يحق لنا أن نتصرف من تلقاء أنفسنا.
فمن هو المسؤول إذن في حقيقة الأمر عن كل هذا الاستهتار بكرامة المواطن المغربي ؟ السؤال طبعا لا يحتاج إلى جواب ، الخبار فراسكم ! ""