"إذا استسلمت اللغة انتهكتها السياسة وإذا غفت جفون السياسة عبثت بأهدابها اللغة" المسدي. انتشرت في العديد من المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي صور وتعليقات لبعض المنتسبين لجبهة الدفاع عن اللغة العربية يعبرون فيها عن مساندة النظام السوري ومهللين للحركات الاستئصالية في تركيا. وكالعادة نسي هؤلاء أو تناسوا أننا نتحدث عن نظام، وإن تبنى الخيار اللغوي العربي في زمن ماض، واستطاع تحقيق مكاسب لسنية بادية للعيان ومازال يضرب بها المثل فإنه جثم على صدر الشعب السوري لعقود عديدة وحكمه بالحديد والنار. لذا لا بد من توضيح العديد من النقط: _"إن الملف اللغوي واحد من أهم ملفات مرحلة التأسيس للعرب الجدد بعد أن ننفض عنا آخر غبار وعار الاستبداد الذي جعل منا أمة عاقرا" هكذا عبر الرئيس التونسي قبل ولوجه قصر قرطاج. وعملية التأسيس تقتضي الوعي بدور المسألة اللغوية في بناء الأمة بعيدا عن الاستغلال السلطوي للمسألة. فثورات الربيع العربي كانت إعلانا بعودة الروح للذات الحضارية التي قامت ليس فقط من أجل العدالة والكرامة وإنما من أجل قيم الانتماء التي ضيعتها سنون الاستبداد والتجزئة. _ كنا دوما نؤكد على أن ما عانته العربية منذ الاستقلال هو نتيجة لتدبير سيء شاركت فيه السلطة والنخبة. فالسلطة تفكر بمنطق التوازن الاجتماعي أكثر من التفكير بمنطق الحاجة الحضارية، والنخبة تفكر بمنطق الحاجة الإيديولوجية، لذا تماثلت الحالة في الدول العربية حيث لغة الضاد خارجة عن الاهتمام الجوهري. وما قدم من مشاريع وبرامج هو نتيجة للضغط الشعبي الذي فرض إنشاء كيانات أكاديمية ومدنية للدفاع عن هويته. لذا كان تدبير السياسة اللغوية خاضعا لإكراهات التجاذب السياسي والمصالح الاستراتيجية للنخب المتسيدة وليس وفق محددات الانتماء والتنمية والعمق الحضاري. لذا فالعربية لن تعود وتحيا إلا في ظل الحرية والديمقراطية حيث تؤخذ القرارات من النخب المصنوعة لتعود بيد الشعوب الثائرة في ميادين ربيع العروبة. _ إن الدفاع عن إجرام النظام السوري هو تخل عن كل قيم الحياة والكرامة الإنسانية مما يدخل هؤلاء في زمرة أعداء الأمة، عدا عن مناقضة الخيار الوطني للمغرب. فكيفما كان تأويلنا وقراءتنا للأحداث بمنطق المؤامرة وتهيئة المنطقة برمتها لجغرافية جديدة، فإن ما يفعله نظام الأسد في شعبه ووطنه لا يمكن أن يقبل به أحد. وهناك فرق بين الدفاع عن العربية والدفاع عن نظام طغى واستبد وقتل وشرد وضيع أمة بأسرها من أجل مصلحته الشخصية. _ إن للتاريخ حسابه الخاص الذي لا يرحم، والعربية أسمى وأرفع من أن ترتبط بإجرام المستبدين وأتباعهم. فحين يعط الشعب حقه في الكلام والتعبير سيختار انتماءه دون وسطاء أو وكلاء. وكما قال الدكتور حسن الشافعي:" إن الحراك الديمقراطي الحر سوف يوقظ (الذات الحضارية) العربية بما تستتبعه من اعتزاز باللغة القومية المشتركة"