يُمكن أن تكون البداية، هذا المشهد الذي تدور أحداثه في المجلس الحكومي. تدخل بسيمة الحقاوي، الوزيرة الوحيدة في الحكومة الجديدة، قاعة الاجتماعات، تُصافح زميلها، الذي يتأبط حقيبة السكنى، نبيل بنعبد الله، وتُصافح أيضا، محمد أوزين، وعبد العظيم الكروج، وعندما تصل إلى زميلها أو "إخوتها" إدريس الازمي الادريسي، أو عزيز رباح، أو مصطفى الخلفي، تكتفي بانحناءة خفيفة، وابتسامة سريعة، لتُصافح بيدها، عزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري. يُمكن أن يتكرر نفس المشهد، بصيغة المُذكر، لنتابع رئيس الديبلوماسية المغربية، والفقيه السوسي، سعد الدين العثماني، في جلسة برلمانية، يُصافح فيها كجمولة بنت بيي، بينما يكتفي بتحية "أخواته" البرلمانيات، بحركات متتالية بالرأس، وهو يرسم ابتسامة سريعة، يفعل هذا، رغم أن الذي يقرأ مؤلفاته في الفقه والفكر، يجده فقيها متنورا، يمكن أن تكون له وجهة نظر مختلفة عن الفقهاء التقليديين في موضوع مُصافحة الرجل للمرأة باليد، التي لا علاقة لها بالآية الكريمة التي تتحدث عن لمس الرجال للنساء، لأنها تعني، وفق ما طالعته عند بعض مفسري القرآن الكريم، معاني أخرى غير المصافحة باليد. *** يبدو هذا الموضوع غير ذي بال، إلا أن النقاش الذي أثاره عقب نشر الزميل والصديق حسن حمورو، على صفحته بالفيسبوك، صورة التقطت لرئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، عبد الله بووانو، المُصنف ضمن خانة صقور ال"بي جي دي"، وهو يشد بحرارة على يد الصديقة الفنانة لطيفة أحرار، دفعني مُكرها (لابطل، طبعا)، لمشاركة القراء بعضا من خواطري السالفة الذكر، والتي طالما تصادت في دواخلي، وناقشتها مرارا مع بعض الأصدقاء. *** أعتقد بأن تحرير محل النزاع في هذا الموضوع، كما يقول الفقهاء، مهم جدا. ذلك لأن الذي وقع لقياديين وأعضاء متنورين جدا في العدالة والتنمية وباقي التنظيمات التي تعلن بأن مرجعيتها إسلامية، هي تلك الصورة الذهنية التي انطبعت لدى الناس منذ مرحلتها الأولى، التي هبت فيها رياح الصحوة الإسلامية، وتم الترويج لمجموعة من "الفتاوى" في المصافحة والموسيقى، وغيرها من الجزئيات التي وجد كثير من المُنتسبين للمشروع "الإسلامي" أنفسهم وجها لوجه أمامها، وقليلا ما كنت تجد من "المُلتزمين" من يَسمع للأغاني المرفقة بالآلة، أو أن يُصافح أحدهم إمراة "أجنبية"، أو تصافح إحداهن "أجنبيا". *** لكن مع مرور الوقت، قام الإسلاميون بطريقة لاشعورية، بمراجعات عميقة في طريقة تعاملهم مع مجموعة من الأشياء، سيما بعد انتقالهم من مَرحلة الدعوة، إلى مرحلة الدولة- إن صح هذا التعبير-، ليس عن طريق مُشاركتهم في الحكومة، ولكن ابتداء من انخراط "الدعاة" في الوظيفة العمومية، ومشاركتهم في الحياة السياسية، وانتهاء من تحول مجموعة منهم إلى رجال دولة. فهل بعد هذا كله، نجد من يجد حرجا في أن يُصافح بووانو أو الشوباني، لطيفة أحرار، أو أن تتغزل البرلمانية بشرى برجال في رئيس الحكومة، وتقول له "جات معاك الكرافطة" ؟ إن هؤلاء الذين يستنكرون مثل هذه التصرفات العفوية، يتعسفون (بحسن نية أوبسوئها)، في ربط سلوكات الإسلاميين، أو "الاخوانيين" كما يحب أن يسميهم عموم المغاربة، (يربطونهم) بفتاوى متشددة في بعض المسائل الفقهية من قبيل المصافحة والغناء والجلوس في المقاهي، ويحاكمون نواياهم انطلاقا من مرجعية "إسلامية"، تفرض عليهم طريقة في اللباس والأكل والذوق الفني أيضا، رغم أن بعض ذلك لا علاقة له بالدين الإسلامي بتاتا. *** ما أعرفه شخصيا، عن مجموعة من "الإسلاميين"، سيما المنتمين إلى "البي جي دي"، الانفتاح إلى أبعد الحدود، ولهذا أستغرب كيف يحاول البعض وضعهم في دائرة فقهية مُغلقة ؟ فهذا، رئيس الحكومة، عبد الإله ابن كيران، لم تمنعه "إسلامية" الحزب الذي ينتمي إليه من الرقص والتمايل يمنة ويسرى بعفوية على ايقاعات فن أحواش، كما لم يمنعه ذلك في بعض المناسبات من البوح بأنه لايجد أي حرج في رواية النكت الحامضة. ونفس الشيء، حصل مع كبير برلمانيي العدالة والتنمية، عبد الله بووانو، الذي صافح لطيفة أحرار بتلك الطريقة العادية جدا. فلطيفة في ضيافته، ومن الطبيعي جدا، أن يستقبلها بحفاوة وترحاب، وبحرارة أيضا. *** "الإسلاميون" يغنون ويرقصون ويصافحون، ويحكون النكت الحامضة والحلوة، إنهم يمشون في الأسواق، ويأكلون الطعام في المقاهي والمطاعم الراقية والشعبية، مثل سائر المغاربة المرفحين والمزاليط. إن "الإخوانيين"، ليسوا مخلوقات غريبة عن هذه البلاد، نزلت فيها بالأطباق الطائرة. إنهم من تراب المغرب، وفيهم الطوب وفيهم الحجر، وأي اتهام لهم بمحاولة "أسلمة" المجتمع، ظُلم وحيف، مثل الظلم الذي تعرض له قبل شهور وزير الاتصال بعدما طرح دفاتر التحملات المثيرة للجدل، الذي اتهمه البعض بمحاولة "أسلمة" الإعلام العمومي، بينما "نية" الخلفي، كانت تقتصر على تنزيل شعار "المغربة" في قنوات القطب العمومي، وهو ذات الشعار الذي رفعته الحركة الوطنية قبل حوالي نصف قرن سنة، إلى جانب شعار "التعريب"، عقب خروج الاستعمار الأجنبي. *كاتب وصحفي [email protected]