من يستطيع، اليوم، أن يُنكر أن حسن نصر الله زعيم طائفي ليس إلا. بكل ما تحمله الكلمة من معاني النقص والعدوانية والانتقامية و البغض لفئة من الناس دون أخرى. وهاهو يرسل مقاتليه إلى سوريا للقتال إلى جانب سفاح دمشق الذي جر بلده إلى أتون حرب طائفية لا تعرف الرحمة. لكم صفقنا لهذا الرجل في 2006 ظنا منا انه استطاع الوقوف في وجه الجيش العرمرم الإسرائيلي. بينما كان يجر بلده إلى حرب مدمرة أمام إسرائيل لم يدفع فاتورتها، حقيقة، سوى الشعب اللبناني و البنيات التحتية و الاقتصاد اللبنانيين. بل أكثر من ذلك اعتبرناه بطلا قوميا في زمن قل فيه الأبطال. ياللسذاجة، هاهو يكشر على أنيابه و يعلنها بملء فمه بأن مقاتليه يقتلون أبناء سوريا إلى جانب السفاح الذي لم يعد يجد من يقاتل إلى جانبه من الشعب السوري حتى داخل الجيش النظامي. لذلك، وتنفيذا لتعليمات الفقيه القابع في طهران، فإن مقاتلي حزب الله يمتلكون صلاحيات خطيرة كإدارة العمليات و استعمال عتاد و عدة الجيش النظامي و كل ما تشتهيه أنفسهم من اجل إبادة الشعب السوري. ذنبهم في ذلك أنهم أرادوا الحرية و الديمقراطية و بعض الكرامة الإنسانية. ليس حزب الله وحده من يقاتل السوريين إلى جانب سفاح دمشق في حلب و درعا و ريف دمشق و خاصة في لقصير. فبالإضافة إلى ما يربو عن اثني عشر ألف مقاتل من حزب الله هناك مليشيات تابعة لإيران قادمة من العراق وهاهم الحوثيون يصلون إلى سوريا عبر حزب الله اللبناني. ثم أمهر العناصر من الحرس الثوري الإيراني. جميعُهم يقاتلون الشعب السوري إلى جانب ذلك السفاح الذي كان من المفترض أن يحميهم منهم بدل الاستجداء بهم.فإيران التي ترى في نهاية النظام السوري نهاية لمشروعها في المنطقة. بينما لا تجهل أن إقدامها على هذه الخطوات المتسرعة سيشعل المنطقة و يدخلها في أتون حروب طائفية لا تنتهي. فإقدام حزب الله على التدخل في سوريا للاقتتال هناك إلى جانب النظام سيجر لبنان إلى أوحال الحرب الدائرة رحاها في سوريا. إذ من يضمن أن قواعد حزب الله في الجنوب اللبناني ستبقى آمنة. لذلك لا ينبغي أن نستغرب إذا رأينا الجيش الحر يطارد عناصر حزب الله في الجنوب اللبناني. و هذا ما يفسر هرع القوى السياسية اللبنانية إلى استنكار التدخل السافر الذي قام به حزب الله في سوريا. في الواقع، لقد تحولت "مدينة لقصير" السورية إلى بؤرة لصراع عدة مُتناقضات وعدة قوى محلية وإقليمية ودولية. فالمعركة الدائرة رحاها هناك بين الجيش النظامي وحزب الله مؤازران بعديد من المتطوعين الشيعة من العراق وجنوب لبنان واليمن ممثلا بالحوثيين بمباركة من إيران وعتاد فعال في المواجهات المباشرة من روسيا . وبين الجيش الحر وبعض الجماعات المجاهدة المكونة من متطوعين سنة من شمال لبنان ودول الربيع العربي كليبيا وتونس وكذا من دول عربية أخرى مدعومون ماليا من مُحسنين سُنة على رأسهم دول الخليج العربي خاصة قطر والسعودية والإمارات. بينما التردد باد على القوى الأخرى الممثلة للمعسكر الغربي خاصة أمريكا التي أصبحت تلوح بفرض حظر جوي فوق سوريا . وأوربا التي خرجت من صمتها الذي دام أكثر من سنتين وذلك بإعلانها رفع الحظر المفروض على تصدير السلاح إلى سوريا مما يعني تسليح الجيش الحر. هذا الأمر خليق بأن يؤدي إلى تغيير في موازين القوى على الأرض. لأن المعركة الجارية في"بلقصير" ليست حربا حقيقية بالمعنى المتعارف عليه. أي بين جيشين مسلحين ومنظمين. وإنما حرب من جهة واحدة بين جيش مدرب مشحون بالكراهية والبغض الطائفي ، مُتعطش للدماء ومسلح بأقوى الأسلحة الروسية ، ضد مدينة عارية في الخلاء . بعض أبنائها ومتطوعون عرب وبعض المنشقين على النظام ليست لديهم الخبرة اللازمة ولا المدد ولا العتاد اللازمين يدافعون عنها. لذلك فالحرب، هذه الحرب، هي عبارة عن مذبحة من جهة واحدة. ستظل وصمة عار على جبين المجتمع الدولي الذي مازال يتابع و يتفرج دون أن يحرك ساكنا من أجل وقف حمام الدم. إن الحرب في لقصير هي حقيقة حرب أهلية بين السوريين، وطائفية بين الشيعة و السنة، وإقليمية بين المشروع الإيراني والمشروع الخليجي، وعالمية بين المشروع الروسي والمشروع الأمريكي الحائر. لذلك ستؤدي هذه الحرب إلى تغييرات سياسية بالجملة في المنطقة. والأهم من ذلك ستخلف اختلالات على مستوى العلاقات الدولية لن تكون في صالح أمريكا. فالتردد الواضح على أوباما في مساندة الثورة في سوريا لأنها تمثل الحرية و الديمقراطية ليس راجع إلى خوف أمريكا من أن تقدم "جبهة النصرة" على رمي إحدى قنابلها على إسرائيل و حسب. وإنما يندرج في إطار تقلص أمريكا عالميا وتراجع دورها في العالم أمام تنامي الدور الروسي وظهور قوى عالمية جديدة كالصينوالهند على الصعيدين الاقتصادي والعسكري قوضت الدور الأمريكي وكبحت جامح غلوه. دون أن ننسى القوة النووية الصاعدة إيران التي تراهن على المستنقع السوري لتمرير مشروعها النووي عالميا في المفاوضات الجارية مع الغرب. لذلك عقدت مؤتمرا يعالج المسألة السورية من أجل الوصول إلى حل سياسي، مُحاولة أن تقول للمجتمع الدولي بأن مفاتيح الأزمة السورية توجد في طهران . وأن تجاهلها سيؤدي إلى تسخين المنطقة أكثر خاصة في جبهة الجولان. سيما أن إيران أصبحت تمتلك عدة أوراق تتعلق بالمسألة السورية. منها حسن نصر الله وورقة المالكي الذي بإشارة من إيران سارع إلى الأنبار لمحاربة المتطوعين المحتملين و قطع الطريق على الراغبين في الذهاب إلى سوريا للقتال إلى جانب الحر. وفتحها في وجه الراغبين في الذهاب إلى هناك من أجل القتال إلى جانب النظام وحزب الله باعتبار هذه الحرب حربا مقدسة لدى الشيعة كما يصورها الفقيه القابع في طهران. يمكن أن تؤشر الأوضاع الحالية إلى إنتاج قناعة أن هذه الحرب لم تعرف بعد لا غالبا ولا مغلوبا. خاصة أن النظام الذي كان انهياره وشيكا لولا تدخل حزب الله الذي وضع كل بيضه في سلة النظام الذي استعاد قدراته و اشتد عضده خاصة بعد تكالب الشيعة إلى المنطقة ووصول الإمدادات الروسية من السلاح والعتاد والخبرات. بينما تنادي أمريكا بحظر جوي وأوربا بتسليح المعارضة. هذه هي أهم القناعات التي سيذهب بها الأطراف إلى مؤتمر جنيف 2 . فما الذي سيتمخض عنه هذا المؤتمر في ظل التوازنات الجديدة والتحديات المستقبلية؟ إن تقلص أمريكا عالميا يعني أن النظام العالمي الجديد الذي فرضته على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والذي بموجبه غزت أفغانستانوالعراق وساقت العديد من الناس إلى السجون الشرعية وغير الشرعية ك: غوانتانامو. هذا النظام أصبح من الماضي وأن أقطابا عالمية أخرى آخذة في الظهور على رأسها روسيا و الصين، ولم لا الهند و تركيا أو إيران؟. هذا ما سنترقب حدوثه في مؤتمر جنيف2 القادم. * كاتب روائي