لقد أدى قرر المجلس الوطني لحزب الاستقلال، المجتمع يوم السبت11 مايو2013 بالرباط، القاضي بالانسحاب من الائتلاف الحكومي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية بزعامة أمينه العام عبد الإله بنكيران، إلى زعزعة بنيان التحالف الحكومي الذي كان يقوم على اعتبار حزب الاستقلال حليف استراتيجي يكاد يتماها مع قناعات حزب المصباح الوطنية، والأيديولوجية، وقد جاء قرار انسحاب الاستقلالييّن من الحكومة التي شاركوا ضمنها لسنة ونصف تقريبا، بتصويت برلمان حزب الميزان الذي عبّر فيه 870 من أعضاء المجلس الوطني، البالغ عددهم 976 فردا، عن موافقتهم على الانسحاب من التشكيلة الحكومية الحالية، هذا القرار الذي أوكلت مهمة تنفيذه إلى اللجنة التنفيذية للحزب التي اجتمعت مباشرة بعد اتخاذه، لكنها أوقفت التنفيذ بموجب بلاغ أكدت فيه التدخل الملكي الذي طلب من الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط بمقتضى مكالمة هاتفية، الاستمرار في التجربة الحكومية الحالية ضمانا للسير العادي للمؤسسات عبر ترك الوزراء يستمرون في مناصبهم وأداء مهامهم. وهو ما أدى باللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال إلى إحالة أمر مذكرة خروج الحزب من الحكومة برمته على الملك في إطار تحكيم ملكي دستوري مبني على الفصل 42، من دستور فاتح يوليو 2011، مع ما يقرره من تجديد في طبيعة اختصاصات المؤسسة الملكية، ومجالات تدخلها. كل هذا التسلسل المتسارع في الأحداث السياسية والدستورية أدى إلى طرح مجموعة من الإشكاليات الدستورية التي أسالت الكثير من المداد والنقاش الدستوري ، الذي من شانه أن يخلط العديد من الأمور على المتتبع للشأن العام بالمغرب ، بيد أن مثل هذه الأزمات الحكومية التي تحدث عبر جميع بقاع العالم، وحتى في أعرق الديمقراطيات الغربية، تستدعي من جميع الفاعلين السياسيين والدستوريين نقاشا دستوريا هادئا من أجل التأسيس لتجربة سياسية دستورية مغربية جديدة تتفادى السقوط في نماذج الأزمات السياسية لأنظمة تونس ومصر التي باتت ترفض حكم الأحزاب الإسلامية، مدفوعة في ذلك من جهات معادية لتلك الأحزاب، ولا احد يدري من يحرك من، ضد من؟. إننا في تحليلنا للأزمة الحكومية التي تعيشها تجربة السلطة التنفيذية بالمغرب في ظل الدستور المغربي الجديد ل2011، والتي يقودها حزب العدالة والتنمية، ذو التوجه الإسلامي المعتدل، الذي وصل إلى سدة تسيير السلطة التنفيذية عن طريق صناديق الانتخابات، وقد أفرز هذه الأزمة تلويح حزب الاستقلال بالاستقالة من التركيبة الحكومية الحالية، لن نذهب بعيدا في متاهات التحليل السياسي، بقدر ما سنعالج صلب إشكاليتين دستوريتين أساسيتين افرزهما هذا القرار، وهما: أولا: مدى دستورية لجوء حزب الاستقلال إلى التحكيم الملكي. ثانيا: الحلول الدستورية الممكنة لأزمة حكومة بنكيران. أولا: مدى دستورية لجوء حزب الاستقلال إلى التحكيم الملكي. ينص الفصل 42، من الدستور المغربي ل2011على أن: "الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة. الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة. يمارس الملك هذه المهام، يمقتضى ظهائر، من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور. توقع الظهائر بالعطف من قبل رئيس الحكومة، ما عدا تلك المنصوص عليها في الفصول 41و44(الفقرة الثانية)و47 ( الفقرة الأولى والسادسة) و51 و57 و59 و130 (الفقرة الأولى) و174. إن أول ملاحظة يمكن تسجيلها بخصوص إحالة حزب الاستقلال لقرار الانسحاب من الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، على جلالة الملك، قبل الخوض في التكييف الدستوري لهذا الحدث هي هل هذه الإحالة استشارية فقط أي أن القرار المتخذ هو قرار نهائي ولا رجعة فيه كيفما كان القرار الملكي؟ أم أنها إحالة تقريرية متوقفة على موافقة جلالة الملك على هذا القرار؟، حيث جاء في بيان الحزب :"...ولذلك وبعد التداول والنقاش الحر والمسؤول٬ قرر المجلس الوطني للحزب إعلان انسحاب الحزب من الحكومة الحالية٬ وفي سبيل ذلك وإيمانا من الحزب بالإحكام للدستور كوثيقة تعاقدية متينة٬ قرر الالتجاء للفصل 42 من الدستور...".وهل كان بإمكان الملك أن يتدخل للعب دور المحافظ على حسن سير المؤسسات، حتى من دون تلك الإحالة في حالة ما إذا عمد حزب الاستقلال إلى تنفيذ قرار مجلسه الوطني القاضي بالانسحاب من الحكومة؟. فمن خلال قراءة متمعنة للفصل 42 من الدستور، الذي جاء بمقتضيات حافظت بشكل ملموس على الاختصاص الملكي في مجال لعب دور ضابط التوازنات الدستورية والسياسية بالمملكة، والحكم بين مختلف المؤسسات الدستورية، كما أنه هو الذي أوكلت إليه مهمة السهر على احترام الدستور،وصيانة الاختيار الديمقراطي ، وقد حاول واضعو الدستور المغربي الجديد إفراد فصل خاص لمهام الملك التي تمثل السيادة الوطنية، و تحافظ على السير العادي والمنتظم لمؤسسات الدولة وتضمن استمراريتها، وهذا ما يجعل من لجوء حزب الاستقلال للمؤسسة الملكية قصد التدخل لإنهاء الأزمة الحكومية الحالية، مسالة مشروعة ولا غبار عليها من الناحية الدستورية، تندرج في إطار صميم الاختصاص الملكي، ليس باعتبار الملك الحكم الأسمى بين مؤسسات الدولة، لكون هذا الأمر لا يندرج ضمن مجال الصراع بين مؤسستين دستوريتين داخل المملكة، كالحكومة والبرلمان مثلا، ولكن في إطار الحفاظ على حسن سير المؤسسات الدستورية التي تعتبر السلطة التنفيذية من أهمها خاصة مع الاختصاصات الجديدة والمهمة التي أعطاها إياها دستور المملكة الجديد في المجال التنفيذي، فالخلاف هنا لا يتعلق بمجرد صراع بين حزبين سياسيين فقط كما قد يعتقد البعض، بل هو تهديد واضح لبنيان التحالف الحكومي وبالتالي لمؤسسة دستورية وهي الحكومة التي تسيير الشأن اليومي للمواطن المغربي، وبالتالي فان حدوث أزمة حكومية قد يؤدي إذا ما لم يتم احتواؤها إلى أزمة سياسية، لكن حزب الاستقلال تبقى له كلمة الفصل في أخر المطاف، هذا في حالة ما إذا كان قرار انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة قرارا نهائيا لا رجعة فيه، بحيث سيكون التدخل الملكي ظرفيا فقط أي بطلب استمرار حزب الاستقلال في دعم التجربة الحكومية الحالية إلى حين إيجاد مخرج للأزمة التي تعيشها حكومة بنكيران اليوم، وذلك لكون الملك هو الذي يسهر على حسن سير المؤسسات الدستورية، وبالتالي ستستمر حكومة بنكيران متماسكة في أداء مهامها إلى حين فتح حوار جديد مع الأحزاب التي يمكنها تعويض الحزب المنسحب من الحكومة وإيجاد تحالفات جديدة تدعم التجربة الحكومية بأغلبية جديدة. أما إذا كانت الإحالة التي قام بها حزب الاستقلال تقريرية، أي أنه طلب من جلالة الملك إما إلزام رئيس الحكومة باحترام المنهجية الديمقراطية في تسيير الشأن العام، أو الموافقة على انسحاب الحزب من الحكومة، فان ذلك سيندرج ضمن صلاحيات الملك في السهر على احترام الدستور، الذي جاء بمنهجية جديدة، و تشاورية في تسيير مؤسسة السلطة التنفيذية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي للبلد، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الدستور المغربي الجديد رغم إخفائه للفصل التاسع عشر المعروف، الذي كان يخول للمؤسسة الملكية اختصاصات لا حصر لها، وتقليصه لبعضها، وتوزيعه لمهام الملك الدينية والدنيوية بين الفصلين 41،و42، فانه ترك للملك كل المهام التي تجيز له التدخل من أجل الحفاظ على دوام الدولة واستمرارها، وحسن تسيير مؤسساتها، والسهر الأعلى على احترام المقتضيات الدستورية وهي مفاهيم ذات مدلول واسع، تجعل المؤسسة الملكية تستمر كفاعل أساسي في الحقل السياسي المغربي، خاصة وأن الملك هو الذي يرأس المجلس الوزاري كأهم هيأة تقريرية في عمل الحكومة، وبالتالي تبقى له إمكانية التدخل من أجل حث رئيس الحكومة على الانفتاح على كل مكونات التحالف الحكومي، والعمل وفق منهجية تشاركية، كما أن الفصل 47 من الدستور يتيح للملك إمكانية إعفاء بعض الوزراء، وتعويضهم بآخرين إذا ما كان ذلك ضروريا لإعادة التوازن المفقود لمؤسسة الحكومة.ويبقى أهم سؤال في هذا الموضوع المفتوح على جميع الاحتمالات، هو ماهي التداعيات والحلول الدستورية لقرار حزب الاستقلال المتعلق بالانسحاب من الحكومة التي يقودها زعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي عبد الإله بنكيران؟. ثانيا: الحلول الدستورية الممكنة لأزمة حكومة بنكيران. قبل الخوض في مسألة الحلول الدستورية الممكنة لأزمة احتمال انفراط عقد التحالف الحكومي الحالي، بسبب إمكانية انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية بزعامة عبد الإله بنكيران، لا بد من التأكيد على أن الأمر الأرجح في هذه المسألة اليوم هو تدخل جلالة الملك لرأب هذا الصدع الذي أصاب البنيان الحكومي الذي يبدوا أنه لم يكن متماسكا بما فيه الكفاية منذ البداية، فالتحالف الحكومي الهش الذي قاده زعيم حزب العدالة والتنمية آنذاك لم يراعي المنطق السياسي، سواء على مستوى التقارب الأيديولوجي، أو على مستوى تناغم البرامج السياسية، أو على مستوى التوجهات الشخصية لزعماء الأحزاب المتحالفة، لكن بما أن هذا ليس موضوعنا الأساسي، فان الوصفة الناجعة اليوم سوف تظل هي تدخل الملك لتقريب وجهات النظر، وحث جميع الأطراف على ضرورة إنجاح التجربة المغربية الأولى في ظل دستور المملكة الجديد، ونحن لا نعتقد أن هناك حزبا أو شخصا سيرفض الامتثال لقرار جلالة الملك، وذلك من باب الاحترام والمكانة المتميزة التي تحض به المؤسسة الملكية لدى جميع الفاعلين السياسيين بالمغرب، وأيضا من باب السهر الملكي على حسن سير المؤسسات الدستورية، واحترام الدستور. أما في حال تمسك حزب الاستقلال بموقف الانسحاب من الحكومة، وهو أمر و خيار يظل مستبعدا إلى حد ما، فان الأمر لن يخرج عن أحد الأمور الأربع الآتية: 1- إيجاد تسوية حبية للمشكل القائم بين مكونات التحالف الحكومي الحالي: وذلك بمحاولة إرضاء الأمين العام لحزب الميزان الذي قام بهذه المناورة من أجل السعي إلى إعادة النظر في بعض المناصب الوزارية، التي يتطلع إليها حزب الاستقلال، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المرجح في هذا الأمر أن يكون حزب العدالة والتنمية هو المرشح الأول لتقديم بعض التنازلات عن بعض القطاعات الوزارية، كالمالية مثلا التي تشتغل بوزيرين أحدهما من حزب الاستقلال و الأخر من العدالة و التنمية، ويرجح أن تبقى خالصة للحزب الأول ، ووزارة التجهيز التي ألفها حزب الاستقلال ويسعى اليوم إلى إعادة السيطرة عليها. وهنا تشير إلى أن حزب الاستقلال بإحالته لأمر الانسحاب من الحكومة على الملك، يكون قد ترك الباب مواربا من أجل الضغط على رئيس الحكومة بهدف تحقيق بعض المكاسب التي من شانها أن تخدم المستقبل السياسي لهذا الحزب الذي تسعى قيادته الجديدة إلى إعادة إنتاج شرعيته من أجل الاستحقاقات الانتخابية القادمة. 2- لجوء رئيس الحكومة إلى البحث عن أغلبية جديدة بعد إعلان حزب الاستقلال رسميا الانسحاب من الحكومة : وهو أمر دستوري عادي وضروري لأن منطق استمرار الحكومة في أداء مهامها الدستورية، لا بد وان يستند إلى أغلبية برلمانية حقيقية تدعمها، وإلا فستكون معرضة للإسقاط من طرف المعارضة عن طريق تقديم ملتمس الرقابة، وفقا لمقتضيات الفصل105 من الدستور، بحيث يكفي لتقديمه، توقيعه من قبل خمس أعضاء مجلس النواب والتصويت عليه من لدن الأغلبية المطلقة للمجلس، أي 198عضوا، لكن لابد من الإشارة هنا إلى أن تقديم ملتمس الرقابة يجب أن يكون من طرف المعارضة، وآنذاك يمكن لحزب الاستقلال أن يصوت عليه ، فمن غير المنطقي دستوريا أن يقدم حزب سياسي من داخل الحكومة ملتمسا للرقابة على الحكومة التي هو طرف فيها، هذا مادام لم ينسحب منها بشكل رسمي ونهائي، كما أن ملتمس الرقابة لا يتم تقديمه إلا في حالة تعطل جميع آليات الحوار بين مؤسستي الحكومة و البرلمان . وبالتالي يصبح لا بد لأي حكومة ترغب في الاستمرار في مزاولة مهامها من أن تتوفر على الأغلبية بمجلس النواب، وهنا سنفتح قوسا للتأكيد على أن هذا الأمر ليس مستحيلا، بل هو ممكن جدا وسهل لكون رئيس الحكومة يملك من الوقت ما يجعله يبحث بدون استعجال عن حلفاء جدد لإتمام التجربة الحكومية وتشكيل أغلبية جديدة، لأن وزراء الحكومة الحالية المنتمين لحزب الاستقلال سيظلون ملزمين في حالة انسحاب حزبهم من الحكومة، بأداء مهامهم إلى حين تعويضهم بوزراء آخرين هذا دائما في إطار تصريف الأمور الجارية، كما أن حزب الاستقلال سيكون ملزما هو كذلك بمساندة الحكومة إلى حين إعلان رئيس الحكومة عن تعذر إيجاد أغلبية جديدة و تقديم استقالته للملك. وأمر البحث عن أغلبية جديدة لا مناص منه في جميع الحالات والأحوال، عند افتراض تحقق انساب حزب الاستقلال من الحكومة وعليه تتوقف جميع الحلول الدستورية الأخرى، ومنها طلب الثقة من البرلمان. 3- توجه رئيس الحكومة لطلب ثقة البرلمان: إن إمكانية ارتكان رئيس الحكومة لمقتضيات الفصل 103 من الدستور، بطلب الحصول على ثقة البرلمان من اجل استمرار حكومته في أداء مهامها، بناءا على ربط مواصلة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشان تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشان نص يطلب الموافقة عليه، لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال، إلا إذا كان متأكدا من مساندة البرلمان له بأغلبية مطلقة، وإلا فليقدم استقالته إلى جلالة الملك من اجل إعفائه وإعفاء الحكومة برمتها دون إضاعة الوقت وإهدار الجهود، فطلب ثقة البرلمان هو فقط من اجل تجديد دماء إرادة الحكومة وتدعيم مكانتها وتقويتها، وتشجيعها على الاستمرار في أداء مهامها، ولا يمكن لرئيس الحكومة المجازفة بمبادرة طلب الثقة إذا كانت لديه أدنى الشكوك في إمكانية إسقاط حكومته وهي مسألة اختيارية في الأحوال السياسية العادية، لكنها ستكون إجبارية بالنسبة لحالة حكومة بنكيران إذا نسجت أغلبية جديدة إذ لا بد لها في هذه الحالة من التوجه للبرلمان من أجل تجديد الثقة فيها واكتساب شرعية البرلمان، وهذه المسألة تختلف عن الحالة التي يتم فيها إعفاء وزراء وتعويضهم بوزراء آخرين جدد من نفس الحزب، أو بوزراء محايدين أو من حزب أخر باتفاق بين مكونات الأغلبية، بحيث لا يكون طلب الثقة ضروريا في هذه الحالة. أما في حالة فشل رئيس الحكومة في إيجاد أغلبية جديدة تساند حكومته، فستكون الانتخابات المبكرة الحل الوحيد والأوحد. 4- الانتخابات السابقة لأوانها: إنها أصعب الحلول الدستورية، وأمرها، وأبهظها تكلفة سواء على المستوى المادي أو السياسي، أو الاجتماعي، فماديا يعتبر تنظيم انتخابات برلمانية في غضون أقل من سنتين، بعد انتخابات جماعية واستفتاء دستوري غير بعيدين، عبأ ماليا ثقيلا على الدولة في ظرفية اقتصادية جد دقيقة، وأزمة مالية محلية ودولية خانقة، وفي وقت تتجه الدولة إلى ترشيد النفقات. أما سياسيا فسيكون لمسألة الانتخابات البكرة تكلفة باهظة، بحيث سيفقد المواطن بعض الثقة في الأحزاب السياسية، وسيصاب بالملل من العمليات الانتحابية، مما سيؤدي إلى العزوف السياسي، خاصة عندما تكون الأزمة الحكومية الحالية بسبب حزازات شخصية والصراع من اجل المناصب الوزارية والمواقع داخل نسق الدولة، أما على المستوى الاجتماعي فالمواطن المغربي ينتظر إجابات سريعة واستعجالية عن العديد من القضايا التي تشغل باله وترتبط بغلاء المعيشة، وتحسين مستوى الخدمات الصحية و إصلاح التعليم، والتشغيل، والمهم عنده هو أن نوفر له رغيف خبز حاف، أما وأن يعيد الكرة من الصفر فهذا سيكون بمثابة إحباط اجتماعي كبير، وربما سيكون هذا الأمر بمثابة إحياء لحراك اجتماعي جديد . أما من الناحية الدستورية، فالانتخابات المبكرة أو السابقة لأوانها تظل الحل الدستوري الوحيد في حال تعذر توفيق رئيس الحكومة في إيجاد تحالفات جديدة تضمن استمرار حكومته في أداء مهامها، لأن تكوين حكومة ائتلاف وطني كما يدعوا إلى ذلك بعض الباحثين والمهتمين يعتبر أمرا غير دستوري، لكون الدستور المغربي الجديد واضح المقتضيات في هذا الشأن، فحسب الفصل 47، منه ، الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها. ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها. والحكومة الحالية تواصل تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة الجديدة، إذا فما الداعي إلى إعادة تشكيل حكومة ائتلافية ظرفية تأتي ببرامج جديدة، وتستغرق وقتا مهما في الإعداد لتنصيب البرلمان، قبل الشروع في أداء مهامها، خاصة وأن الدستور الجديد يعتبر استقالة رئيس الحكومة بمثابة إعفاء للحكومة بكاملها من لدن الملك، وبالتالي فأي تعيين لرئيس حكومة جديد يقتضي بالضرورة إجراءات تنصيب جديدة من لدن البرلمان، وأغلبية جديدة، كما أنه لا يمكن دستوريا تعيين أي رئيس للحكومة من خارج الحزب المتصدر للانتخابات البرلمانية ل25 نونبر2011، فهذا سيعتبر خرقا واضحا للدستور الجديد. إن الأزمة السياسية التي تعيشها الحكومة المغربية اليوم هي بمثابة امتحان دستوري وسياسي يجب أن تستفيد منه جميع الحكومات المقبلة التي ستعمل في ظل مقتضيات الدستور المغربي الجديد، فالأحزاب السياسية المغربية يتوجب عليها أن تغير أساليب تعاطيها مع الشأن السياسي، وأن تعمل وفق المنهجية الدستورية الجديدة، بحيث تكون تحالفاتها مستندة إلى أبسط الشروط الموضوعية، خاصة التقارب الأيديولوجي،هذا إن لم نقل التكامل أوالتنا غم ، وكذلك وحدة الأهداف وانسجام البرامج السياسية، فالفريق الحكومي يجب أن يكون متجانسا ومنسجما ما أمكن حتى تكون الحكومة أقل أحزابا وعددا، وأكثر فاعلية ، وإلا فلن يبق للسياسة معنى إذا تحالف أقصى اليمين مع أقصى اليسار وتحالفت الاشتراكية مع الاسلاموية، ولم تبق هناك حدود ولا خطوط حمراء، و لا صفراء، ولا يمينا ولا يسارا ولا وسطا، سيتماهى الجميع الحق، والباطل، الحكومة والبرلمان، الأغلبية والمعارضة، فذلك صدقوني لن يكون سوى العبث السياسي، واستغفال الشعب المغربي. * باحث في علم السياسة والقانون الدستوري