إحدى رِجْلي السيد شباط داخل الملعب وأخرى خارجه ماذا يقول السيد شباط وماذا يقول حزبه؟ فلم يعد الكثير منا يعرف إن كانت تصريحات زعيم حزب الميزان وطلقاته النارية صادرة نيابة عن حزب بأغلبية أعضائه أم أنها انتفاضة رجل واحد يبحث عن شهرة وعظمة بعيدتي المنال! فمنذ أن ظهرت صورة السيد شباط على الساحة السياسية كزعيم حزب عريق في مستوى حزب الإستقلال، وهو يمارس لعبة: رِجْل داخل ميدان المصارعة السياسية ورِجل خارجه. فحين كان داخل التحالف الحكومي لم نكن نعرف أيضا إن كان يصدر خطاباته الانفعالية، كأحد أطراف الحكومة أم كأحد رموز المعارضة. فقد كان حزب الإستقلال بقيادتة غير الرشيدة إذا حَكَم ساعة يعارض ساعتين، وإذا حكم يوما يعارض يومين. كان السيد شباط أشبه ما يكون بلاعب كرة القدم الذي يغتنم فرصة توقف اللعب للحظات، لينضم إلى الجمهور الغاضب ويبدأ هو الآخر في رمي اللاعبين الآخرين داخل الميدان بالطماطم الفاسدة، ثم يعود إلى الميدان لمواصلة اللعب. والآن وقد أعلن السيد شباط 'حالة' انسحاب حزب الإستقلال من التحالف الحكومي لاندري أيضا طبيعة الانسحاب هذه. هل انسحب أم لم ينسحب..! أينسحب أم لن ينسحب..! ألا يزال حزبه يمارس مهامه داخل الحكومة أم أن وزراءه يتقاضون حاليا رواتب وظائف جمد السيد شباط أنشطتها..! وإلى متى تستمر هذه الوضعية الغريبة ياترى؟ أينما يولي وجهه فثمة بخر لعل الواضح حتى الآن أن السيد شباط قد قاد مستقبله السياسي كما حزبه أيضا، إلى وضع لايحسد عليه. و ضعية مَنِ البحرُ أمامه والبحر أيضا وراءه. والبحر يمينه ويساره أيضا. أينما يولي السيد شباط وجهه فثمة بحر. فأمامه السيد بنكيران كَسور الصين العظيم الذي لا يمكن لرجل واحد كالسيد شباط أن يحقق ثغرة بمِعْوله البسيط ولا حتى أن يتجاوزه بقفزة رشيقة كما قد يفعل سياسيون محنكون. فالسيد شباط قليل التجربة السياسية على هذا المستوى العالي ولم يُظْهر حتى الساعة أي رشاقة في المشي والسير السياسي والديبلوماسي العادي وما أدراك بالنط والقفز الرشيق. أما خلف زعيم الميزان فيتمترس أعضاء الحزب الأكثر اتزانا، الذين ينتظرون بل ويتوقعون انغماس رِجلي الزعيم في الوحل إلى ركبتيه ليزيحوه جانبا ويتمكنوا من أخذ عجلة القيادة من يديه. ومن تابع الأوضاع داخل هذا الحزب قد سمع بدون شك تصريحات منتقدة من قياديين داخل الحزب من جهة, وتهديدات بالمحاكمة من جهة ثانية. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه ربما لم يعد في مقدور السيد شباط سوى الهروب إلى الأمام كإعلانه الحرب صراحة على طرف ثان أيضا داخل التحالف الحكومي. فأما عن يمين السيد شباط فهناك سلطة جلالة الملك كرئيس فعلي للحكومة الذي ربما لم يقل بعد كلمته الأخيرة حتى الآن حول قرار زعيم الإستقلال. فالكرة الآن على ما يبدو في مرمى جلالته. سيوجهها الإتجاه الذي يشاء. فهو لم يتسرع كعادته في قول كلمة الفصل بل منح نفسه الوقت الكافي للتفكير والتشاور مع مستشاريه قبل اصدار قراره الأخير. فقد أبان جلالته في ظروف عصيبة سابقة عن حِنكة ودراية كبيرتين في إدارة وحل الأزمات. وأخيرا يبقى الشارع كبحر رابع على يسار السيد شباط. فإذا ما رغب جلالة الملك في ترك الأمر إلى الشارع ليفصل في قضية السيدين بنكيران وشباط، فإن حظوظ زعيم الميزان ستكون جد ضعيفة مقابل حظوظ زعيم المصباح. فالسيد شباط قد أعطى انطباعا أنه رجل لا يمكن الإعتماد عليه، بسبب عدم وضوح خطواته وقراراته. فهو قد يكون معك وضدك في آن واحد. قد يكون الى جانبك والى جانب خصومك أيضا. وهو بذلك كما يبدو شريك سياسي يعطي الأولوية لمصالحه الشخصية فوق مصالح حزبه وأيضا فوق مصالح تحالفه الحكومي ومصالح الشعب والوطن. وحتى وإن حافظ بطريقة أو بأخرى في انتخابات محتملة سابقة لأوانها، على مقاعده البرلمانية الحالية، فسيصبح من الصعب ضمه الى تحالف حكومي مقبل. لكونه قد يُعتبر عنصر تهديد مستمر لاستقرار التحالف الحكومي ولاستمراريته. من يتعجل النجاح قبل أوانه قد يعاقَب بحرانه فهل حسِب السيد شباط لكل خطوة خطاها حسابها أم أنه يتلمس طريقه في مسالك شديدة الظلمة لا يدري الى أين يؤدي به وبحزبه؟ قد يكون السيد شباط قد تعجل ثمار القوة والعظمة واعتقد أنه بامكانه أن يلقي ببنكيران أرضا كما فعل مؤخرا بغريمه داخل حزبه، ويقود الحكومة كما نجح في قيادة حزب الإستقلال. غير أن الإنتصار في معركة وحيدة داخل حزب سياسي وبطرق غير نظيفة كما يتهمه منافسوه، تختلف كل الاختلاف عن معركة انتخابية يكون الشارع العريض الممتد من طنجة الى الكَويرة هو الحَكم وهو الفيصل. بل والأخطر من ذلك قد نستنتج استنادا على ما سبق، أن شهور السيد شباط على كرسي الزعامة في حزب الاستقلال قد تبقى فعلا معدودة عكس ما يتصور. ويبدو أن هناك في هذا الحزب العريق من يخدم مصالح الحزب أكثر من السيد شباط. وأن هناك داخل هذا الحزب على الأقل من يشوه سمعة هذا الحزب أقل من السيد شباط.