الأمين العام لحزب العدالة والتنمية كان واضحا في التعبير عن موقف حزبه المنتظر من نازلة حزب الاستقلال المتعلقة بقرار الانسحاب من الحكومة مع وقف التنفيذ، كما عبر عن ذلك أحد الزملاء. و يمكن تلخيص موقف حزب المصباح في عناصر أساسية عبر عنها أمينه العام في كلمته الأحد الماضي في الملتقى الوطني الثالث للكتاب المجاليين ببوزنيقة. ويمكن تصنيفها إلى صنفين: الصنف الأول من تلك العناصر يتعلق بالموقف من استمرار حزب شباط في الأغلبية الحكومية. وفي هذا الصدد كانت رسالة بنكيران واضحة. فمن جهة أولى لا تستحق مذكرة شباط التي قدمها إلى الأغلبية الرد حيث قال بنكيران "لن نرد على مذكرات تتضمن السباب". ومن جهة أخرى، يبدو أن البيجيدي لن يقبل بوساطات في موقف يراه مجرد ابتزاز سياسي للحكومة، ويعلن أن إعادة الانتخابات خيار وارد وهو مستعد له، حيث قال "لن نخضع للابتزاز ومستعدون لجولة انتخابية ثانية". و هذا الموقف الرافض، فيما هو راجح، لعودة حزب شباط إلى الأغلبية الحكومية يرتبط من جهة، بشخص شباط نفسه وما يمثله في المشهد السياسي، ومن جهة ثانية، بطبيعة المعركة السياسية التي يرى بنكيران أن " المشكل اليوم بالمغرب ليس بين حزبين بل بين تيارين، واحد مع الإصلاح والآخر ضده". وبالطبع فإغلاق باب العودة إلى الأغلبية أمام شباط يعني دفعه إلى الوضوح وتحمل المسؤولية السياسية بدل محاولة الاختباء وراء انتظار مبادرة ملكية في الموضوع من خلال التأصيل لقرار الاستقلال من الفصل 42 من الدستور، وهو ما يعني محاولة أكل الثوم بفم المؤسسة الملكية في قضية حزبية محضة. وأمام الموقف الجديد للبيجيدي سوف يجد شباط نفسه في مواجهة المجهول، فمن جهة كبل نفسه بالتقيد بالفصل 42 دون ترك الفرصة لمؤسساته للتكيف مع المستجدات، و من جهة ثانية عول على المذكرة التظلمية التي يعتزم رفعها إلى الملك إمعانا في لعبة "أكل الثوم". وفي كل الأحوال على شباط أن ينتظر، وقد يطول انتظاره كثيرا. الصنف الثاني من عناصر موقف حزب المصباح في كلمة بنكيران المشار إليها، يتعلق بعمر ولاية الحكومة الحالية. ذلك أن إغلاق الباب على شباط الذي يمتلك حزبه فريقا نيابيا من 60 برلمانيا يعني خياران، تعديل حكومي يفتح الباب أمام أحزاب أخرى لتوفير الأغلبية البرلمانية المطلوبة، والثاني الدعوة إلى انتخابات مبكرة بناء على الفصل 104 من الدستور، وهو الخيار الذي أعلن بنكيران أن حزبه مستعد له. لكن كلمة أمين عام حزب المصباح تضمنت رسائل سياسية أخرى تتعلق بالحكومة، فهو يقول "لا يمكن أن نساهم في ما يهدد استقرار وأمن المغرب، واستثماراته واقتصاده وغيرها من القضايا الإستراتيجية"، وهو ما قد يفهم منه أن خيار الانتخابات ليس خيارا ذا أولوية في حسابات غريم شباط، بل خيار المكره. مما يعزز الخيار الأول المتعلق بتعديل حكومي يدمج أحزاب أخرى. وفي هذا الصدد يمكن فهم ما يروج حول إمكانية إدماج حزب الأحرار(فريق نيابي من 54 برلمانيا)، الذي عبر زعيمه عن استعداده للانضمام إلى الأغلبية الحكومية إذا روعي الحجم السياسي لحزبه وهو ما يعني عدم التعامل معه على أساس عدد المقاعد في البرلمان. كما راجت نفس الأخبار حول الاتحاد الدستوري (فريق نيابي من 23 نائبا). وكيفما كانت التكهنات، واعتبارا للمعادلة الرقمية الواضحة، فالحزبان اللذان يمكن التعويل عليهما في هذا الباب هما الأحرار والدستوري. و هذا الخيار يواجه، من جهة أولى، تحديات الاستمرار، على اعتبار شخص مزوار و الملفات الرائجة حوله، وما إلى ذلك. و من جهة ثانية، تحديات تمرير المشاريع في المؤسسة التشريعية بغرفتيها، على اعتبار أننا سنكون أمام حكومة بأغلبية هشة مهددة بالأساس بضعف الانضباط في وسط برلمانيي الحزبين المرشحين للالتحاق بالأغلبية، بالإضافة إلى ما هو معروف حول الأجندة السياسية العامة التي يندرج فيها الحزبان. و في المقابل سوف تتعزز صفوف المعارضة بفريق كبير، قد يختار موقف المعارضة النقدية ويوفر للحكومة مددا سياسية للاستمرار، لكنه بالتأكيد سوف يجعل المعارضة محل تهديد مستمر للأغلبية الحكومية. وقد يخلق المفاجأة باللجوء إلى الفصل 105 الذي يعطيه الحق في ملتمس رقابة يسقط بموجبه الحكومة. وهذا خيار يمكن تلخيصه في عبارة حكومة ضعيفة ومعارضة قوية. وهذا أسوأ الخيارات على الإطلاق على اعتبار أنه سوف يبطئ العمل الحكومي ويقوي التشويش عليه و ينهك الأحزاب الحكومية، وقد يساهم في إضعاف شعبية حزب العدالة والتنمية إعلاميا، ويفتح باب استنزاف رصيده الشعبي أمام مشاريع المعارضة على مستوى المؤسسة التشريعية وعلى المستوى الاجتماعي. ويبقى الخيار الأنفع للوطن هو إعادة الانتخابات وتشكيل حكومة قوية تستطيع التفرغ لاستكمال الإصلاح ومتابعة الأوراش الكبيرة المفتوحة. غير أن هذا الخيار يواجه تحديات هي عبارة عن مخاوف. أولها تتعلق بباقي الفرقاء في الأغلبية، فالانتخابات بالنسبة لبعضها تعني مغامرة حقيقية قد تفقده الموقع الحالي في المشهد السياسي. ثانيها تفيد أن الانتخابات تعني فتح ملف مشاركة الجالية المغربية بالخارج وما يرتبط به من مخاوف تعتبر أنها خزان انتخابي لحزب العدالة والتنمية، مع أنه لا يمكن بحال القفز مرة أخرى على هذا الملف، وإلا فقد تكون ضربة قاصمة لظهر الاقتصاد الوطني، خاصة وأن آخر شكل احتجاجي تداوله مغاربة العالم الغاضبين من إقصائهم من المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة ضدا على صريح الدستور، هو وقف تحويلاتهم إلى المغرب. من خلال ما سبق يتبين أن الخيار الراجح هو خيار استمرار الولاية الحكومية الحالية بدون الاستقلال في الأغلبية وإدماج أحزاب أخرى في الحكومة. وهو خيار يعرض شعبية حزب العدالة والتنمية للاستنزاف، ليعيد تجربة حزب الوردة الذي خرج من تجربة المشاركة في الحكومة ضعيفا على أكثر من صعيد.