في عهد الحسن الثاني ، كان لعيد العرش طعم خاص . على امتداد الأيام الثلاثة الأولى من شهر مارس يتحول المغرب إلى مهرجان كبير . وسط الساحات العمومية في كل مدينة يتم تنصيب خشبات تقام عليها الحفلات ، وفوق أبواب المنازل والمحلات التجارية يتم تنصيب الأعلام الوطنية الحمراء ، الناس كاتفرح واخا داكشي كايتقام بزز ! فعندما يفرح الحسن الثاني يتوجب على المغاربة أجمعين أن يشاركوه أفراحه ، واللي ما بغاش يفرح غادي يبكي! سكان القرى والبوادي ينزحون في تلك الأيام إلى الحواضر ، كل من لديه قريب في المدينة يغادر بيته في القرية ويذهب إلى المدينة ، من أجل الاستمتاع بحفلات عيد العرش . عندما يعم الاستبداد تتضاعف الحاجة إلى الأفراح. في اليوم الثالث من شهر مارس يكون المغاربة على موعد مع الخطاب الملكي على الساعة الثامنة مساء . يقف الحسن الثاني بقامته القصيرة أمام الكاميرا التي تنقل الخطاب الملكي إلى "شعبه الوفي" عبر شاشة التلفزيون ، وبعد عزف النشيد الوطني يمسك ولي العهد ، اللي هو الملك دابا ، إطار الكرسي المذهب إلى أن يجلس والده ، ثم يجلس على يمينه ويجلس الأمير رشيد على اليسار. الحسن الثاني لديه قاعدة ظلت ترافقه طيلة حياته ، قبل أن يلقي خطابا ينح مرتين ثم يبدأ بعبارته الشهيرة : شعبي العزيز . محمد السادس ورث هذه العادة عن والده ، وظل متمسكا بها في البداية ، لكنه سرعان ما تخلص منها ، ربما لاقتناعه بأن النحنحة لا تليق بملك شاب في مثل سنه . حتى يشرف ويرجع ليها ! مات الحسن الثاني وتولى ولي عهده العرش ، وسنة بعد أخرى يفقد عيد العرش تلك "الحلاوة" التي كان يتميز بها في الماضي. أول إجراء قام به الملك الجديد بعد مرور العيد الأول على توليه الحكم هو أنه منع بث تلك الأغاني الغبية التي يمدح فيها المطربون المتزلفون النظام الحاكم على أمواج الإذاعة وشاشة التلفزيون ، كانت خطوة مهمة جدا على درب الانفتاح والقطع مع ماضي العام زين أسيدي ، وكان منتظرا من الملك الشاب أن يذهب بعيدا ويلغي عادة الركوع وتقبيل اليد في حفل البيعة والولاء ، ولكن مبدأ "الأصالة والمعاصرة" الذي يتمسك به الملك ربما حال دون ذلك! وبما أن عيد العرش في عهد الملك محمد السادس يقام في عز فصل الصيف ، فقد فقد ما تبقى من"روعته" بسبب أن الناس تقضي وقتها في السفر وعلى الشواطئ والمنتزهات ، وحتى الخطاب الملكي الذي يلقى بالمناسبة موحال واش باقي كايشوفو حد! وفي الوقت الذي ظن الجميع أن عيد العرش فقد وهجه جاء عمدة مدينة فاس حميد شباط ليعيده إلى سابق عهده ، وخصص لأجل ذلك غلافا ماليا بأربعين مليار سنتيم ! من قال إن المغرب بلد فقير. أربعون مليار سينفق جزء كبير منها في تزويق وتبليط الشوارع والساحات وتزيين الحدائق بالورود ، وبعد أيام قليلة ستذبل الحدائق وتجف ، وتعود الحفر لاكتساح الشوارع المرقعة ، ونتيجة ذلك طبعا هي أن أربعين مليار سنتيم ستذهب في مهب الريح . فقط من أجل سواد عيون الملك! "" هذا التخريب والنهب الذي تتعرض له خزينة الدولة التي يملأها الشعب برسوم الضرائب يجب أن يتوقف على الفور ، ولو أدى ذلك إلى إغضاب الملك ! فأربعون مليار سنتيم يمكن أن تنجز بها معامل ومنشآت صناعية تضمن القوت اليومي والعمل لمئات من الأسر في مدينة فاس . المغاربة لا يحتاجون إلى من يبذر أموالهم من أجل تذكيرهم بأن هناك عيدا يتم فيه تجديد البيعة والولاء للملك ، فالملكية شيء محسوم فيه لدى المغاربة ، وكان من الأفضل أن يكتفي الملك بإلقاء خطاب قصير بالمناسبة ، بدون كل هذه البهرجة والإسراف . ولو أراد أن يقوم بعمل جبار لمصلحة الشعب لقام أيضا بمنع تقديم تلك الصحون الكبيرة المليئة بالحلويات الغالية لضيوفه الذين يعدون بالمئات ، ففي المغرب يوجد ثمانية ملايين فقير يعيشون تحت عتبة الفقر ، وهم في أمس الحاجة إلى الملايين التي تضيع في مثل هذه الكماليات . لو فعل الملك ذلك لكان ذلك شيئا رائعا جدا . ولكن هذه ربما يمكن اعتبارها واحدة من المستحيلات السبع التي لا يمكن أن تحدث أبدا . وإذا استمر الملك في تلبية دعوات عمداء المدن من أجل إقامة حفلات عيد العرش التي تخصص لها هذه الميزانيات الخيالية. لقد آن الأوان كي نغير "لعيد العرش المجيد" اسمه في عيد ميلاده السابع والأربعين ، ليصير : عيد الإسراف والتبذير ! [email protected]