إذا كانت الرياضة وسيلة يتم استخدامها، من قبل العديد من الأحزاب السياسية في البلدان المتقدمة، كوسيلة للاقتراب من الشباب وإدماجهم في برامجهم المجتمعية وتلقينهم قيم بلادهم النبيلة و السامية، فإن تحليل البرامج الانتخابية لأربعة أحزاب سياسية ببلادنا والتي حصلت على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بينت أن الرياضة و ثقافتها غير واردة في برامجهم الانتخابية التي يخوضون بها الحملات الانتخابية، وإذا فترضنا أنها معروفة لدى البعض فإنها تبقى هامشية ووفي بعض الأحيان استهلاكية لدى البعض الآخر. ولتوضيح ما ذكرت في الفقرة أعلاه، سأتقدم ببعض المؤشرات المتعلقة بالرياضة في البرامج الانتخابية للأحزاب الأربعة السالفة الذكر والتي انحصرت فقط في تشجيع وإنعاش الرياضة؛ تأطير الشباب و تكوينهم من خلال إنشاء عشرة دور الشباب سنويا على المستوى الوطني؛ وضع رهن إشارتهم فضاءات رياضية و ثقافية؛ تطويرهم و تأهيلهم من خلال الصحة والتعليم والثقافة والرياضة ؛و تخصيص جائزة الاستحقاق الوطني لفائدة الشباب متخذي المبادرات الهادفة و الإبداعية وذات قيمة مضافة في مجال الموسيقى والرياضة والأدب. وهذه الأهداف العامة لا تعكس، بالطبع، أي خبرة بالمجال الرياضي بل تبقى فقط متمنيات لملئ فراغ أوراق البرنامج الانتخابي حتى لا يعاب على الحزب بكونه لا يفهم في الرياضة. فالحزب السياسي يجب أن يوفر دراسات وأبحاث ميدانية ترصد واقع الرياضة المغربية، وتمكن من وضع برامج واستراتيجيات بحيث يتسنى له وضع أهداف مرقمة و محددة وقابلة للقياس و التطبيق والتتبع ،وليس رغبات ومتمنيات فضفاضة. الرياضة تستحق مزيدا من الاهتمام و التنظير من طرف الأحزاب السياسية ومن طرف شبيبتها لكونها منضمات شبابية تعتبر بمثابة التعبير الميداني للأحزاب السياسية في كل ما يتعلق ويخص قضايا الشباب من تكوين و تنمية وتوعية، والمجال الرياضي وارد طبعاً في مجالات عملها الإستراتيجية لكونه من أولى أولويات الشباب. ولهذا فالأحزاب السياسية مطالبة بالاهتمام أكتر فأكتر بالرياضة، وليس فقط لكونها تساهم في نشر القيم النبيلة بل لأن تطورها قادر على أن يُبلور إلى اقتصاد ومكتسبات كبيرة وملموسة في مجالات متعددة مثل الصحة والإدماج الاجتماعي والتعليم. انطلاقا من دراسة قام بها الدكتور المغربي عبد الرحيم غريب، والمتمثلة في تحليل أكتر من 200 سؤال كتابي و شفوي مطروحة على وزير الشباب والرياضة من طرف ممثلي الأمة بالبرلمان المغربي، تبين أن 43٪ من الأسئلة تركز على المخيمات ودور الشباب و 22٪ من الأسئلة تركز على البنية التحتية الرياضية الإقليمية. نواب الشعب، الذين هم كذلك مسئولين و قياديين بالأحزاب الذين ينتمون إليها، يركزون فقط على القضايا الرياضية ذات البعد الإقليمي فقط و يهملون الاعتبارات الرياضية الوطنية ذات البعد الإستراتيجي والتي أعتبرها مدخلاً من مداخل نجاح الحكامة الرياضية ببلادنا. ولا يهتمون بأن تكون للرياضة سياسة بها تهتدي وعلى نهجها تعمل، فغالبا ما تكون هذه القضايا متعلقة بمشكل هنا أو هناك وليس لها علاقة بحلول استباقية أو تدابير هيكلية بالمجال الرياضي. ومنه فاختياري لهذا الموضوع نابع من إيمان عميق بكون الأحزاب السياسية لها قدرة كبيرة على تنمية الرياضة الوطنية، فتنميتها ما هو إلا قرار سياسي. وتاريخ ما بعد الاستقلال أكد أن هذا التأخر الغير الطبيعي لرياضتنا راجع بالأساس إلى إهمال الأحزاب السياسية، في منظوماتها وفي تركيباتها وحتى في برامجها،للتنمية الرياضية بل كان يجري استغلالها على نحو أو آخر من دون أن تنال مقابل ذلك ما يدعمها بنيوياً. معشر القراء اعلموا أن الرياضة حق لا يقل أهمية عن الحق في التعليم والحق في الصحة والحق في الشغل، وسأختم مقالي على بعض ما قاله الصحفي المثقف بدر الدين الإدريسي حيت تساءل قائلا » لا نفهم لماذا استغرقنا وقتا طويلا لننتقل من اعتبار الرياضة ترفا وترفيها وتسلية وتمضية للوقت وأحيانا كثيرة تلهية إلى اعتبارها حقا وطنيا ورافعة أساسية من رافعات التنمية، وقطاعا منعشا للاقتصاد ومدرا للدخل وضامنا لبناء مجتمع العقل السليم في الجسم السليم«.