أتيحت لحزب العدالة والتنمية، فرصة مواتية لإنهاء حالة التردد السياسي التي حالت دون تمكين البلاد من الدخول إلى نادي الدول الديمقراطية من بابه الواسع، لكن، إصرار القيادة النافدة داخل هذا الحزب على عدم الانخراط في دينامية حركة 20 فبراير، ودعم مطالبها العادلة والمشروعة بشأن إسقاط الفساد والاستبداد، حال دون انجاز الانتقال الديمقراطي المطلوب، بمبرر، أن العدالة والتنمية يريد الإصلاح في إطار الاستقرار، وكأن حركة 20 فبراير كانت تنادي بإسقاط النظام ! عندما اختار حزب العدالة والتنمية، منطق التوافق لترتيب مرحلة ما بعد 20 فبراير، وضغط في اتجاه عدم إقرار عدد من المطالب في الوثيقة الدستورية قبل عرضها على الاستفتاء "حرية المعتقد والدولة المدنية" لخدمة أهداف التيار المحافظ داخل الدولة، كان هذا الحزب، يجهز على كل الإمكانيات المتاحة لتأمين شروط الانتقال إلى الديمقراطية من أجل بناء مغرب الكرامة والحرية والعدالة والاجتماعية، دون أن يعي، بأن السحر يمكن أن ينقلب على الساحر في أي لحظة. الزوبعة التي أثارها قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال، والقاضي بالانسحاب من الحكومة التي يقودها الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله ابن كيران، ما كان لها أن تثار، لو أحسن حزب العدالة والتنمية التعامل بشكل جيد مع الحراك السياسي الذي قاده شباب حركة 20 فبراير والهيئات والتنظيمات الداعمة والمساندة لها، في سياق تفاعلهما مع الربيع الديمقراطي الذي انطلقت شرارته الأولى من تونس.. فشل حزب العدالة والتنمية في فرض شروطه السياسية بعد ركوبه على الأحداث، واستفادته بدون أي كلفة سياسية من نضالات حركة 20 فبراير، التي تراجع زخمها الاحتجاجي بعد الانسحاب التكتيكي لجماعة العدل والإحسان من الشارع، وقبوله الانخراط في لعبة تدبير الشأن السياسي بالاستناد فقط على مبرر الإصلاح في إطار الاستقرار، دون الحسم في ضمانات ذلك، هي الأسباب، التي سمحت لرموز الفساد والاستبداد - الذين رفعت صورهم في تظاهرات حركة 20 فبراير مرفقة بكلمة "ارحل"- بالعودة إلى أسلوب التحكم، وهي أيضا العوامل ذاتها، التي فتحت شهية حزب الاستقلال وزعيمه المزدوج " السياسي والنقابي" حميد شباط، للمناورة السياسية ضد البيجيدي، بهدف، تركيعه سياسيا وإرغامه على التفاوض حول تعديل حكومي يعيد السياسة في البلاد إلى نقطة الصفر . دستوريا لا يمكن للحكومة أن تسقط، إلا، إذا استقال رئيس الحكومة، وقد يترتب على هذه الاستقالة، إعفاء الحكومة بكاملها من قبل الملك، ومواصلة الحكومة المنتهية مهام تصريف الأمور الجارية إلى غاية تشكيل الحكومة، وهذا أمر جد مستبعد في الوقت الراهن . كما يمكن حل الحكومة من خلال إجراء سحب الثقة من الحكومة، وهذا الأمر يتطلب التوفر على الأغلبية في مجلس النواب، وهي الأغلبية التي لازالت تتوفر للحكومة مادام أن وزراء حزب الاستقلال لا زالوا من الناحية الدستورية أعضاء في الحكومة.. مناورات حزب الاستقلال ضد حكومة عبد الإله ابن كيران، غير جدية، وإحالته على الفصل 42 من الدستور كما ورد في بيان المجلس الوطني، هو نوع من الاستجداء السياسي بالصلاحيات الدستورية التي يتمتع بها الملك، لدفع رئيس الحكومة إلى الدخول في مفاوضات حول مطلب التعديل الحكومي، الذي كان موضوع مذكرة شباط التي لم يعرها رئيس التحالف الحكومي عبد الإله ابن كيران أي اهتمام سياسي. انسحاب حزب الاستقلال من حكومة عبد الإله ابن كيران، قرار حزبي لا يستدعي التحكيم الملكي، ورئيس الحكومة له كامل الحق في البحث عن حلفاء جدد، إذا اختار رفاق حميد شباط الانتقال من الأغلبية إلى المعارضة. كما أن هناك إمكانيات دستورية تسمح بإجراء انتخابات سابقة لأوانها، وهذا الخيار مطروح بشكل كبير لدى العدالة والتنمية، وقد سبق وأن تم تأكيده في مناسبات عدة من قبل رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران.. حزب الاستقلال، لم ينسحب دستوريا من الحكومة، وحديث بعض وسائل الإعلام عن إسقاط الحكومة في ظل استمرار وجود وزراء هذا الحزب فيها، هرطقة إعلامية تنم عن جهل بأمور الدستور...وحتى مهاتفة الملك للأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط لا ينبغي التسرع في قراءتها دستوريا وسياسيا من جانب واحد، لا سيما، وأن الدستور لا يشير في أي بند من بنوده إلى مسألة سحب الوزراء، بل يشير إلى الاستقالة " الفردية أو الجماعية" وفي هذه الحالة فرئيس الحكومة هو من يطلب من الملك إعفاء الوزراء المستقيلين وليس المنسحبين، وهذه مسألة ينبغي التدقيق فيها جيدا من الناحية الدستورية.. التصريحات التي تناقلتها المواقع الالكترونية وبعض القنوات طيلة يوم أمس على لسان قياديين من حزب الاستقلال بشأن طلب الملك من حميد شباط، استمرار وزراء الحزب في مهامّهم إلى حين رجوعه إلى أرض الوطن من الديار الفرنسيّة، تطرح أكثر من علامة استفهام؟ هل يمكن لشباط سحب وزراء معينين من قبل الملك باقتراح من رئيس الحكومة في غياب الملك؟ هل يسمح الدستور بذلك دون التقيد بإجراءات معينة؟ وهل يجرؤ شباط على سحب وزرائه من الحكومة دون استشارة الملك أو تلقي الضوء الأخضر من محيطه؟ ما تنقله الصحف يحتاج إلى تدقيق، ومهاتفة الملك لشباط، يمكن أن تقرأ من جانب آخر، على أنها رسالة تطمين إلى رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران ولباقي مكونات حكومته الآخرين...وأي نقاش عن تفهم الملك لمطالب حزب الاستقلال، على خلفية المكالمة الهاتفية التي أجراها مع شباط كما تناقلت ذلك وسائل الإعلام، لن يستقيم، على اعتبار أن مكانة المؤسسة الملكية فوق كل الصراعات.. حزب الاستقلال ينبغي عليه أن يكون منسجما في اختياراته مع المواقف السياسية المعلن عنها من قبل قادته السياسيين، ومن غير المنطقي تماما، أن يحيل في بيان مجلسه الوطني على الفصل 42 من الدستور " التحكيم الملكي" وأغلبية أعضاء هذا المجلس تدعو إلى لانسحاب من الحكومة، وتعتبر أن مشاركتها مند اليوم الأول كان خطأ سياسيا ينبغي تصحيحه ؟! حزب الاستقلال يختبئ وراء صلاحيات دستورية للملك، ووراء المصالح العليا للوطن وللشعب، للمناورة سياسيا على حكومة العدالة والتنمية، ودفعها إلى إجراء تعديل حكومي يرضي نزوات رفاق شباط السياسية، في المجلس الوطني والمكتب التنفيذي، دون الأخذ بعين الاعتبار، الاختيار السياسي للناخبين المغاربة، الذين بوؤوا حزب العدالة والتنمية الرتبة الأولى في انتخابات 25 نونبر 2011 بفارق 60 مقعد على حزب الاستقلال