بعد حوالي أسبوعين من نشر مقالي " مختفون" في هسبريس ، ذهبت إلى طنجة لحضور حلقة دراسية أو يمكن أن نسميها " دردشة" في موضوع " تخليق الحياة الثقافية " المغربية ... ففوجئت بردة فعل أحد ضيوف هذا اللقاء الثقافي على ما كتبته أثناء مداخلته. "" طبعا، ربما لا يعرف أن صاحب "مختفون " حاضر بالفعل بينهم, وليس مجرد حضور بالقوة.. مافهمته من تدخل صاحبنا.. أن ما أطلبه من أساتذتنا المختفون عندما ناديتهم بأسمائهم طلبا منهم تحليلا واقعيا راهنيا لما يحصل في الوطن و المواطن و الحزب .. وهي مطالب بسيطة في رأيي الشخصي، و لا تعدو أن تكون ، بصيغة أو بؤخرى، محبة لهم و رغبتنا في سماع آرائهم التي ما أن نسمع بصدورها في إحدى الدوريات إلا ونسرع في اقتنائها "رغم الجو الماطر و الإعصار" لحالة جيوبنا... ما علينا... ملاحظة صاحبنا على ما كتبته كانت في منتهى البساطة الفكرية، إذ تمكنت من استيعابها فور خروجها من حنكه.. كيف لا.. و هو البيداغوجي المقتدر, رغم التشبيه الذي شبهني به و لا داعي لذكره هنا، فربما لم اسمع جيدا أو كما قال أحد المنصتين هي فقط " زلة سمع " ... خلاصة هذه الملاحظة أنني من خلال نداءاتي السابقة لأساتذتنا و كأني أطلب منهم" فتوة فقهية " في ما يجري، و يضيف أنه لا يجب مطالبة المثقف من " أن يستعمل عقله عموميا ".. مع إشارة بسيطة و للأمانة العلمية .. فأثناء تدخلي أردت منه أن يشرح لي ماذا يقصد بفكرته الثانية، لكن الرجل قد نفى هذه الجملة مرجحا أن تكون فقط زلة لسان...وأيده في ذلك مديرالجلسة.." زلة فكر وأنت الصادق " لكن الغريب في الأمر أن صاحبنا لم ينكر حالة الإختفاء عندما قال أن صمت المثقف ( وهنا انتبهوا إلى كلمة" صمت المثقف") راجع إلى تغير مفهوم المجتمع ... بمعنى أن السيد بغا يقول أن المجتمع مبقاش هوهو، لكن ..واش هاذي حجة للصمت ؟ أو مالو لفقيه..اللهم فقيه وعندو كلمة اتناقش ولا السكن في البرج العالي . و حتى لا أطيل في الحديث عن صاحبنا، أريد أن أذكر مجموعة من النقاط المهمة التي طرحت في هذا الجمع. أولها فكرة الأستاذ عبد الجليل بادو عن الجرأة ، فتخليق الحياة الثقافية حسبه لا تعني شيئا آخر سوى طرح المواقف والإشكالات بكل جرأة و عقلانية.. لماذا هؤلاء، أصحاب الأفكار الماضوية و اللاعقلانية واللاعلمية..لهم الجرأة في الدفاع عنها، بل والأكثر من ذلك خلق مهراجانات للدفاع عنها ..ماهي المرجعية المعاصرة للثقافة المغربية اليوم ؟ إن الحديث عن الجرأة في السياق الذي تحدث عنه الأستاذ عبد الجليل بادو ، يذكرني بجواب كانط عن سؤال ما التنوير ؟. يقول كانط :" التنوير هو خروج الإنسان من القصور الذي يرجع إليه هو ذاته. القصور هو عدم قدرة المرء على استخدام فهمه دون قيادة الغير(..)، تجرأ على استخدام فهمك الخاص! هذا إذن هو شعار التنوير.". وهذا أيضا ما نحتاجه اليوم : الخروج من صمتنا الخاص .. وفي مناسبة أخرى ، يقول كانط :" وإنه من أجل هذا التنوير لا يتطلب الأمر شيئا آخر غير الحرية وبالضبط تلك الحرية الأقل ضررا بين كل ما يندرج تحت هذا اللفظ، أي حرية الاستعمال العمومي للعقل في كل الميادين". (للمزيد من التوضيح يمكن العودة إلى نص الفيلسوف الألماني كانط ما التنوير ؟ الذي قام بترجمته للعربية الأستاذ اسماعيل المصدق) . المفاجأة، أن الأستاذ عثمان أشقرا صرح في جملة أنه " لا يمكن أن نتحدث عن المثقف في المغرب " وخلال حديثه عن محمد عابد الجابري شبه هذا الأخير كمن إشترى عمارة و لم يقم بتحفيظها، وبصدور كتابه الأخير عن القرآن، فقد تدارك الأمر"..وهو الآن يقوم بتحفيظ ممتلكاته(بمعنى مشروعه ). والفكرة الثانية التي أكد عليها الأستاذ عثمان أننا الآن في المغرب أصبحنا نعيش حالة ولادة "مثقف جديد" ومن مواصفات هذا المثقف: الإستقلالية عن الحزب و الدولة و.. و في صميم موضوع " تخليق الحياة الثقافية " قدم الأستاذ محمد بلال أشمل ورقة نظرية عنونها بآفات التداول الثقافي في تطاون العامرة .من بينها يمكن أن نحصي كما جاء على لسانه الآفات التالية : - التخادل أو الصمت عن الحق ( في إشارة وجيهة للساكت أو الصامت عن الحق شيطان أخرس ) ،.. - الطائفية, - التصاحف,.. - التوسل بنبيل الوسائل للوصول إلى الدنيئ من الغايات , - الجحود ، غياب المسؤولية الحضارية ... وقبل أن أختم، أريد أن أأكد ما قلته سابقا عن المختفون، بل في رأيي الشخصي و المتواضع إنه اختفاء مع سبق الإصرار والترصد.. وربما هو اختفاء إلى حين اشعار آخر بالظهور؟.. ليس غرضنا هو الإساءة لأحد كيف ما كانت مكانته الرمزية .. هدفنا بالأساس هو السؤال والنقد . و أختم بالقول ، من بين الدروس التي تعلمنا الفلسفة حرية الرأي و الاختلاف. هذا إن كنا حقا من أهلها .. http://elhamribadr.blogspot.com