خلد العالم هذه الأيام و بالتحديد في الثالث ماي من كل سنة ، الذكرى العشرين لليوم العالمي للصحافة و الإعلام ، ويعود معه الحديث مجددا عن تقييم حرية الصحافة و الدفاع عن وسائل الإعلام ضد ما يهدد استقلالها و استقرارها ، وهنا لا بأس أن نشير إلى أن المغرب وُضِع حسب مؤسسة، فريدوم هاوس، ضمن الدول التي تخلو فيها " حرية الصحافة " ، لتضعه ضمن رتب جد متأخرة ، أي في الرتبة 152 عالميا من بين197 دولة ، ليثار من جديد التساؤل عن العوائق التي تحول دون قيام الصحافي بواجبه المهني كما يجب ، كما ينبغي في الوقت نفسه ، إثارة تساؤل آخر ، بناء على هامش الحرية الضيق الذي تحقق في العهد الجديد - و إن شهد في كثير من الأحيان موجات مد و جزر - و هو لماذا يستغل كثير من الأشخاص حرية الرأي بشكل عبثي و يتطاولون على الثوابت و المقدسات ، بحيث تفقد معها الحرية معناها ، فتصير معها المرأة مجرد جسد خاضع للعرض و الطلب باسم حرية التعبير. وهناك نوع آخر من مسيئي الحرية ، و هم من جملة السفسطائيين البائسين ، يفهمون الحرية بمعنى الشتم و التلبيس و التجديف ، حتى بلغت بهم الحرية المزعومة تجاوز كل الحدود بلا وازع قانوني و أخلاقي ، معتقدين في ذلك ، أن كل شيء بحوزتهم ، و أن لا حقيقة مطلقة يمتلكها غيرهم ، و لا أحاسيس و لا شعور يمكن اعتبارها إلا أحاسيسهم و شعورهم ، فالحرية عندهم عوالم لا حدود لها ، تحدثْ ما شئت ، وعمن شئت ، و من لم يعجبه ذلك ، فقد اقترف جرما ، جرم التضييق على الحريات ، فلا مبادئ و لا قيما عندهم إلا قيمة الحرية المطلقة و حسب .. و الغريب أن من يسلك هذا النوع من التفكير الإقصائي أو الشمولي ، إنما هم ، لم يستوعبوا معنى الحرية الحقيقي كما هي ، وديدنهم تكفير مخالفيهم باسم القيم الكونية للديمقراطية و الحداثة ، لذلك تراهم يسيئون استعمالها بشكل فظيع ، كالذي يجد ماء في وسط صحراء قاحلة جافة بلاعشب ، لذلك فهم ليسوا أبناء شرعيين للحرية ، فالحر يعي تمام الوعي أنه يعيش في منظومة مجتمعية تتجاذبها أفكار و اتجاهات ، كل يحترم توجه الآخر ، من دون تعسف أو تجريح ، والحرية الحقيقية إنما تقف عند احترام حرية الآخر و احترام حق الإختلافه معه ، أما إن كان الأمر يتعلق بمعتقد غالبية المجتمع فتلك المصيبة .. و هنا لابد من الإيماء إلى ما اقترفه أحد الديماغوجيين العلمانيين و المتأمزغين من جرم جسيم في حق سيد بني البشر محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، واصفا رسائله إلى ملوك العالم التي تشمل دعوة " أسلم تسلم " بالٍإرهابية والتهديدية ، داعيا إلى إلغاء رسائل رسولنا الكريم عليه الصلاة و السلام من مناهج التعليم التربوي ، و العجب العجاب أن هذا الديماغوجي نسي أن يتحرى فحوى الرسالة و سياقها الدلالي ، و أن يقرأ الشطر المتبقي من الرسالة و هي عبارة " يؤتك الله أجرك مرتين " و بذالك فإن الرسالة لم تكن ذات حمولة عنف بقدر ما هي رسالة تحريرية كما قال أهل الإختصاص و بالتحديد العلامة مصطفى بنحمزة ، إذ اعتبر في مقال مطول ، ( بأن الفهم الجيد لرسائل " أسلم تسلم " تفيد بأنها خطاب تحرير بامتياز ، و لا صلة لها بمعنى الحرب إطلاقا ، فقد قال صلى الله عليه وسلم لهرقل " أسلم تسلم " ، وتولى صلى الله عليه وسلم بنفسه تفسير قوله " تسلم " لما قال : " يؤتك الله أجرك مرتين". ) . فانظر تسرع و جهل هذا الفَتَّان بأمور الدين ، و ذلك لتصفية حسابات إيديولوجية ، أدت إلى اختراق كل الحواجز وانتهاك المقدسات ، و إثارة ما يذكي نار الفتن ، لكن الأنكى هو الصمت المريب و الرهيب الرسمي و الشعبي ، فيما يتعلق بشاتم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، لذلك وجب تحريك المتابعة القضائية بسبب تصريحاته المستفزة لعقيدة و مشاعر المسلمين في كل مكان ، حتى يقول القضاء كلمته فيه ، و تنطفئ بذلك نار فتنة الإحتقان الإجتماعي ، و يعود الإعتبار للمغاربة الذين انتهكت كرامتهم في أغلى ما يملكونه و هو الدين. تلك إذن هي مثالب حرية التعبير التي تنم عن بؤس التفكير .