هناك خطاب إعلامي سائد ومتداول في الصحف المقرؤة إلكترونيا والمكتوبة ورقيا،مفاده أن السيد عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المغربية لا يمارس صلاحياته الحكومية كاملة.بعض المنابر الماكرة تصنفه على أنه لا يمارس هذه صلاحياته الحكومية كاملة ،ولكنه يمارس بعضها من خلف ستار التعليمات والتوجيه،وبعضها الآخر يعتقد بأن بنكيران في وضع المختنق جراء غرقه في المستنقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يتخبط فيه مند توليه منصب رئيس الحكومة،وهو بدلك ليس في مقدوره بأن يطالب بتحسين الأداء الحكومي فيما يخص محاربة الفساد القائم وتنفيذ برنامج الإصلاح الذي يعتبر مطلبا للشارع المغربي وتتبناه تيارات معارضة دخل حزب العدالة والتنمية نفسه وتلح على إنجازه القوى السياسية والثقافية والحقوقية في البلاد. والواقع أن هذا التعامل غير منصف لهدا الرجل،فهو يحترق بين نارين ولا يستطيع الجهر بآلامه،لأنه مكبل بأقواله ووعوده من جهة وخائف من الخصوم الدين ليس لهم سلاح ضده سوى الجهر ضده بمناصرة القوة الظلامية والطموح إلى إقامة حكم ديني ديكتاتوري.لكن في صالح بنكيران رفع درجة التحدي ضج هؤلاء والتصريح بكل وضوح عما يعتمل في محيطه الحكومي من مشاكل ومعيقات موضوعية وذاتية تعترض طريقه نحو الإصلاح بل والتصريح بأسماء تلك العفاريت التي تخيفه نهارا وليلا من تطبيق برنامج الإصلاح وهو يعلم جيدا أن برنامج الإصلاح هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يخلص المغرب من المشاكل العويصة التي يعيشها مند خمسة عقود تقريبا. ويستطيع بنكيران أن يصنع شيئا متميزا عن سابقيه في الحكومات السالفة وينقل المغرب من بلد يجرب الانتقال الديمقراطي إلى بلد ديمقراطي حقيقي بدون فساد وبدون مفسدين ويتجاوز الأزمة الاقتصادية التي يعرف بنكيران جيدا من هم المتسببين في وجودها ويضطلع بمسؤولياته في تطهير الجهاز الإداري والحكومي من ثلة من كبار المسؤولين والسياسيين الفاسدين الدين ما زالوا في مناصبهم الكبرى يدبرون شؤون البلاد جنبا إلى جنب مع عبد الإله بنكيران. فهل يستطيع بنكيران العمل ببرنامج حكومي من هدا الحجم يكون مستقلا عن كل إرادة سياسية دخيلة أو توجيه تحكمي أو هاجس الخوف من أن يكون لدلك نتائج سياسية مضرة بوضعه الحزبي ومستقبل حكومته معا. وضع بنكيران المعنوي في أول عهده بالحكومة خير من وضعه الآن وأكثر قوة وثقة بالنفس،فهو لم يجد حرجا في أول عهده بالحكومة في تبني تصريحات بعض وزرائه من الحزب الحاكم حول اقتصاد الريع والعبث بالثروة الوطنية ونشر لائحة المستفيدين من اقتصاد الريع في المغرب.لقد أثار دلك في حينه الحديث عن وجود منظومة فساد منضبطة تشتغل تحت حماية مطلقة للقوة السياسية المهيمنة في البلاد وأن هذه المنظومة هي رأس المعاناة التي يعرفها المغرب اقتصاديا واجتماعيا،وأن مكوناتها البشرية تشكل جيشا نظاميا سريا يضغط باتجاه استمرار الوضع على ما هو عليه ومعاداة الديمقراطية والإصلاح وتكريس مفهوم التداولية السياسية في الحكم.وأن لا عبد الإله بنكيران ولا وزراؤه العشرة المعدودين على المعارضة وتيار الإصلاح بمستطاعهم أن يفعلوا شيئا في الجانب الإجرائي لتفيد برنامج محاربة الفساد الذي شكل ورقة انتخابية رئيسية للحزب في استحقاقات 25 نونبر 2011. إن الإنصاف والعدل بين القول والفعل يحتمان تفنيد ودحض هذا الإدعاء ليس من باب الدفاع عن رئيس الحكومة بسبب أنه بريء من ضغوطات أمر الواقع السياسي الصعب والمعقد،فكل سياسي ماكر بدافع انتمائه لهذا الواقع وطبيعة مشاركته فيه،ولكن لأن المنطق يفرض تقبل نتائج العمل السياسي بكل تداعياته ونتائجه المخيبة للظنون.خصوصا حين تكون موازين القوة في غير صالح الجانب المضغوط عنه سياسيا ووضعه وجها لوجه مع صعوبات تدبير الأزمة الاقتصادية والاجتماعية مواجهته للواقع السياسي.فلا شك إن الحديث عن تراجع في صلاحيات رئيس الحكومة،تبرره مثبطات سياسية ومعوقات محددة سلفا من قبل تيارات سياسية معروفة تناصر الطرح السياسي المحافظ على كل مظاهر الخط السياسي التحكمي الذي كانت عليه البلاد قبل استفتاء يونيو 2011،تلك القوى السياسية تعمل جاهدة على نفي كل آثار الحراك الاجتماعي ودوره في التغيير الذي حصل، خوفا على مصالحها الخاصة. والخلاصة من الدرس السياسي المغربي ومند سنة تقريبا يوحد في مذكرة بنكيران السياسية التي تقول؛ إن رئيس الحكومة لم يعد في وسعه أن ينحني أكثر من اللازم على حساب صلاحياته الحكومية ولعل القرار الحكومي الذي اتخذه بنكبران مؤخرا بشكل انفرادي دون إحالته على الاستشارة البرلمانية حول حذف 15 مليار من ميزانيات الاستثمار خلال السنة المالية 2013 – 2014، كان يشكل بداية انتفاضة هدا الرجل من أجل التصرف في احتياطي القوانين التي يخولها له الدستور وبالتالي فإن تصرفه ها أثار غضب لوبيات الفساد التي تقف له بالمرصاد،معبئة قوى سياسية نيابية مغروفة للتشهير بقرارات حكومية غير قانونية وتكتسي صبغة اجتماعية خطيرة . في حين يعتبر قرارا السيد بنكيران قرارا في محله ولا يشكل تحدي لأي جهة كانت،و لا يمثل أكثر من كونه سلوكا سياسيا مسؤولا ومؤطرا بقوانين،علما أن لرئيس الحكومة الحق في تطبيق مضامين الدستور وله الحق في تنفيذ قراراته الحكومية ما دامت لا تخالف روح القوانين الدستورية المستفتى عنها من قبل الشعب المغربي. *دكتور علم الاجتماع السياسي والاقتصادي [email protected]