عندما يظهر على شاشات التليفزيون يبدو موجزا ، لا يتكلم كثيرا ،وعادة لا يقل شيئا على الاطلاق ، ثم يتوارى بعد ذلك في عالم السرية والدبلوماسية الهادئة , التي يفضلها الرجال مثله ما بين يوم في القدس ، ويوم في غزة ، ثم يعود الى مصر ليهمس في اذن رئيسه .. الرئيس حسني مبارك انه رئيس جهاز المخابرات العامة " عمر سليمان " الرجل المخلص دائما لمبارك , لا يفارقه ابدا , تجده دائما بجواره , في اوقات الانتصارات والازمات , حتى انه كان في موكب الرئيس عام 1995الذي أدى الى مقتل اثنين من ضباط الامن في حادث اديس ابابا الشهير . وقد كان اخلاصه وولائة للرئيس مبارك منذ توليه السلطه عام 1981 عاملا وسببا رئيسيا في علو شأنه وارتفاع مكانته حتى بات اسمه يتردد دوما بين المصريين كخليفة محتمل لمبارك وعلى الرغم من انه يفضل البدل "الشيك" والكرافتات الذكيه الا ان سليمان من خلفية عسكرية , حال جميع القادة المصريين منذ تولى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر السلطة في 1952 . لكن سليمان الذي يعد واحدا من الاستراتيجيين العسكريين الموهوبين في العالم ترجح كفته , اعوام من العلاقات الدبلوماسية مع الولاياتالمتحدة واسرائيل ودول العالم العربي ،كما انه براجماتيا او ذرائعيا " مؤمن بفلسفة الزرائع الاميريكية التي تتخذ من النتائج العملية مقياسا لتحديد قيمة الافكار الفلسفية وصدقها " قادرا على مواصلة برنامج الخصخصة المصرى والاصلاح الاقتصادي. "" وهذا التوازن امر هام بالنسبة للعالم الغربى , ولا سيما واشنطن التي تعطي مصر سنويا نحو 2 مليار دولار في شكل مساعدات اقتصادية وعسكرية.
يقول روبرت سبرنجبورج عنه وهو خبير في الشئون المصرية ومدير معهد الشرق الاوسط بلندن ان "سليمان هو الجسر بين العسكرية المصرية والاجهزه الامنية" مضيفا "انه في وضع خطير للغاية. يسيطر بيديه على السياسة المصرية دون ان تتلوث يديه ، ولا يستطيع اى احد آخر سواه في مصر ان يقوم بهذا الدور ، فضلا انه الرجل الرئيسي في السياسة الخارجية".
ويعد جمال مبارك البالغ من العمر 44 عاما اكبر عقبة امام سليمان نحو تقلد السلطة . لكن نجل الرئيس ليس لديه اي وثائق تفويض عسكرية ، ويفتقر الى الخبرة في السياسة الخارجية بل يجلس في قيادة الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم ، الذي ينظر اليه الى حد كبير انه حزب المصالح الخاصة , غير قادرا على كبح التضخم لتحسين حياة 45 ٪ من المصريين يعيشون على اقل من 2 دولار في اليوم.
وقد أدت سياسات الحزب الوطني الحاكم في مصر لنمو الاقتصاد وارتفاع الاستثمار الاجنبي ، لكن الكثير يقف متحسبا ازاء استمرار سلالة مبارك المحتملة - التي منها ابنه - في السلطة .
لكن من الصعب قراءة منحنيات السياسة المصرية .الحزب الحاكم يسيطر وحيدا، والاصوات الاخرى بما فيها الاخوان المسلمين جماعة المعارضة الرئيسية ليس لها سوى تأثير طفيف .
ورغم ان مصر دولة ديمقراطيه الا ان الجيش يلعب دور وسيط السلطة. من الممكن ان يتفاوض على صفقة مع الحزب الوطني على مرشح معين او مساندة سليمان او واحد من جنرالاته ليخوض كمستقل في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2011.
يعتقد ضياءرشوان محلل سياسي بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجيه ان الجيش حسم امره " الجيش قرر بالفعل من سيكون الرئيس المقبل" مضيفا ان سليمان واحد من أقوى المرشحين" بسبب دوره المؤثر في السياسه الخارجية وقدرته على التقليل من تفويضاته العسكرية ليبدو كشخصية اكثر مدنيه "حتى لا يعطي انطباع بان الجيش لا يحكم البلد مباشرة " .
والملاحظ ان نجم سليمان اخذ في الارتفاع . لقد كان كبير المفاوضين في المحادثات التي ادت الى الهدنه بين اسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة. تلك المفاوضات التي اعادت الدور المصرى كلاعب استراتيجي في المنطقة , بعد ان انحصر دورها خلال العقد الماضى لصالح المملكه العربية السعودية . ويضمن الاتفاق حمايه القاهرة امنيا على الاقل في الفترة المقبلة و عدم تكرار الازمة التي واجهتها مصر في يناير عندما اخترق مئات الالاف من الفلسطينيين من قطاع غزة الحدود ودخلوا مصر.
امكانية ترشيح سليمان للرئاسة كلام يتردد في الطبقة السياسية المصرية منذ عدة سنوات . لكن بعض المحللين يرون أن جندى المشاةالصغير الذي صعد الى منصب رئيس مخابرات "يمكن ان يكون كبير جدا في السن " حيث يبلغ من العمر 73 عاما ، كما ان علاقاته الوثيقة بمبارك و واشنطن تضره ولا تصب في صالحه , في وقت يكن الكثير من المصريين مشاعر الغضب والرفض للاثنين على حد سواء.
يذكر ان سليمان من مواليد محافظة قنا في صعيد مصر. التحق بالاكاديميه العسكرية وتميز في الحروب العربية - الاسرائيلية في 1967 و 1973, ورأس الاستخبارات في عام 1995 وكان له الفضل في انقاذ حياة الرئيس مبارك عندما اصر على ان يركب الرئيس سيارة ليموزين مضادة للرصاص اثناء زيارة مبارك الى اثيوبيا.. وقد كان مبارك وسليمان في السياره اثناء مغادرة مطار اديس ابابا عندما اطلق الارهابيين النيران على الموكب لكن لم يخترق الرصاص السيارة وكتب لهما النجاة .
سليمان الذي وضح في الصورة اكثر بعد الهجوم ، يقدر جيدا حجم تهديدات الجماعات الاسلامية التي قتلت المئات من المصريين والاجانب في مصر في التسعينات من القرن الماضى . والقاهرة حذرة جدا من العلاقات بين حماس في غزة والاخوان المسلمين في مصر , الذين يسيطرون على 20 ٪ من مقاعد البرلمان ويريدون تحويل مصر الى دولة اسلامية.
ان الخطر الاوسع من الآن وحتى الانتخابات الرئاسيه هو استمرار التضخم وانخفاض الاجور التي اشعلت الاضطرابات العماليه واصابت سمعة الحزب الحاكم باضرار بالغة .
وأدل مثال على فشل الحكومة في نظر العديد كان في شهر مارس الماضى عندما ادى التضخم إلى نقص الخبز وتزايد الطوابير امام المخابز .وامر مبارك الجيش العمود الفقري للبلد بصنع الخبز وتوزيعة وانتهت الأزمة.
يقول عمرو حمزاوى باحث مصري في العلوم السياسية والمحلل بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ان "سليمان هو نموذج لرجل يحترم القانون والنظام " مضيفا انه يمثل الاستقرار في وقت يتصاعد فيه التوتر الاجتماعي.