منذ إقدام القوات المسلحة الملكية في 13 نونبر 2020 على تحرير معبر الكركرات الحدودي من قبضة عصابات جبهة البوليساريو الانفصالية، وتأمين حركة تنقل الأشخاص والبضائع بين المغرب وموريتانيا. وما حظيت به هذه العملية الجريئة التي تمت بسلام من دعم إفريقي ودولي واسع، وما تلاها من اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء وعودة العلاقات مع إسرائيل، وتوالي فتح القنصليات العربية والأجنبية بالأقاليم الجنوبية بكل من مدينتي العيون والداخلة. وحكام قصر المرادية يشنون حربا إعلامية شعواء ضد المغرب ومؤسساته، حيث أنهم كشفوا عن عدائهم المزمن وأطماعهم التوسعية أمام العالم، وأصبحوا يعتبرون أن النزاع المفتعل حول الصحراء قضية سيادية، ترتبط أساسا بالعمق الأمني والاستراتيجي لبلدهم، وليس فقط مسألة مبدئية تهم تقرير مصير "الشعب الصحراوي". فبعد أن جرب هؤلاء العساكر كل السبل والأساليب الخسيسة الرامية إلى التضليل والتحريض على البغض والكراهية وتأليب الرأي العام الدولي ضد المغرب، عبر مختلف الوسائل والمؤسسات بما فيها توظيف المساجد لأغراض سياسوية، والدفع بالبرلمان خارج الأعراف الدبلوماسية إلى مراسلة رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية "جو بايدن"، للتوسل إليه بمراجعة قرار سلفه "دونالد ترامب" بشأن اعتراف بلاده بسيادة المملكة المغربية على كامل تراب الصحراء، معتبرين أن القرار يشكل "خرقا للمواقف الأمريكية حول قضية الصحراء التي تصنف ضمن قضايا تصفية استعمار لدى الأممالمتحدة". فأي سعار هذا الذي أصاب النظام العسكري في هذه الظروف الصعبة التي يمر منها العالم عامة والجزائر خاصة لعدة اعتبارات وحقائق تكاد تفقأ عيونهم؟ ها هي قناة "الشروق" التي يفترض فيها كمنبر إعلامي أن تشرق بنور الحقيقة والمحبة والقيم الأخلاقية الرفيعة، حفاظا على نبل الرسالة الإعلامية وأخلاقيات المهنة، تأبى هي الأخرى وبإيعاز من الطغمة الفاسدة إلا أن تتهجم على المؤسسات المغربية وفي مقدمتها المؤسسة الملكية بأسلوب قذر ومدان. حيث عمدت يوم الجمعة 12 فبراير 2021 في برنامجها التافه "ويكند ستوري" إلى التطاول على شخص الملك محمد الساس والسماح لنفسها بتجسيده في صورة "دمية كرتونية"، مما جعلها تتجاوز كل معاني اللباقة وتبتعد كليا عن البرامج السياسية الساخرة، الهادفة والمقبولة. إذ أنها لم تمس فقط بأب الأمة وضامن استقرارها وحامي حدودها، الذي يحظى باحترام واسع لدى كافة قادة العالم، بل أساءت إلى كل المغاربة من طنجة إلى لكويرة وخارج الحدود في شخصه، وإلى مجال الصحافة والإعلام، لتصل بذلك إلى أحقر المستويات الهابطة بعيدا عن العمل الإعلامي الجاد والمسؤول... وهو ما أثار ردود فعل غاضبة من جميع الجهات، إذ تبين أن هناك إجماعا وطنيا على إدانة المحتوى المنحط الذي بثته قناة الترويج للإسفاف والسخافة وإشعال حرائق الحقد والبغض، إلى حد اقتراح البعض استبدال اسمها من "الشروق" إلى "الشرور" وهو الأكثر تلاؤما مع خطها العدواني. واجتاح شبكات التواصل الاجتماعي هاشتاغ "الملك خط أحمر"، ردا على ترهاتها التي أضرت بالصورة المشرقة لما ينبغي أن يكون عليه الإعلام النزيه، مخالفة بذلك دعوات الأشقاء من الشرفاء والعقلاء الجزائريين إلى تقريب وجهات النظر بين البلدين، حفاظا على ما يربط الشعبين الجزائري والمغربي من أواصر الأخوة والمحبة واللغة والعقيدة والتاريخ والجغرافيا، عوض التمادي في التصعيد المقيت، الذي لن يكون في صالح المنطقة ككل. وملك المغرب لم يكن ولن يكون أبدا دمية في أيدي أي جهة مهما كانت قوتها، فقد ورث العرش عن أسلافه المنعمين الذين بايعهم المغاربة حبا وطواعية، ومنذ توليه مقاليد الحكم وهو حريص على عدم إضاعة أوقات البلاد والعباد في الصراعات الهامشية والوهمية، والانشغال فقط بالإصلاحات الضرورية، سواء منها السياسية والدستورية من خلال توسيع دائرة الحريات وتعزيز دور المرأة في المجتمع أو مكافحة الإرهاب وإطلاق عديد المشاريع لتأهيل البنى التحتية وتشجيع الطاقات المتجددة. والعودة إلى العمق الإفريقي عبر منظمة الاتحاد الإفريقي بعد غياب دام 30 سنة والاستثمار في مختلف المجالات، مما جعل المغرب رائدا في دعم بلدان القارة السمراء نحو تحقيق التنمية، وتوطيد العلاقات معها روحيا واقتصاديا، وهو ما لم تستطعه الجزائر في ظل إصرار قادتها على معاكسة المغرب. من هنا يتضح جليا وبما لا يدع مجالا للشك أن حكام قصر المرادية باتوا أكثر انشغالا بالمغرب وتماديا في تصويره على شكل بلد "استعماري" وعدو لدود يهدد أمن واستقرار بلادهم، في الوقت الذي تقتضي فيه الضرورة القصوى التفرغ لمعالجة أهم القضايا الأساسية الداخلية والنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية والتعجيل ببحث السبل الكفيلة بحل المشاكل التي يتخبط فيها الشعب الجزائري الأبي، الذي لم يعد ينخدع للأكاذيب كما عبر عن ذلك في حراكه التاريخي. إن الحملة العدائية المسعورة من قبل الإعلام وصحافة النظام العسكري الحقود بالجزائر ضد المغرب ومؤسساته، فضلا عن أنها لن تنال من عزيمة المغاربة أو تحد من شعورهم بالفخر بما يتميز به قائدهم المفدى من حكمة ورؤية تنموية مستدامة، الذي لم يفتأ يمد يده للنظام الجزائري في أكثر من مناسبة أمام أنظار العالم من أجل طي صفحة الخلافات والاتجاه نحو بناء المستقبل المشترك، وما تحقق في عهده من تقدم وازدهار، تكشف أيضا عن ارتباك قادة الاستبداد والطغيان، بسبب تفاقم الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وانصرافهم الدائم إلى محاولة تشتيت انتباه الشعب الجزائري عن قضاياه الأساسية ومطالبه الملحة، وتصريف الأزمات المتوالية باتجاه العداء للمغرب عبر مخططاتهم الدنيئة، التي لم تعد خافية على أحد.