صدور مشروع القوانين التنظيمية للانتخابات قبل إخراج مشروع النموذج التنموي قد يفقد النموذج من الرؤية السياسية للمرحلة المقبلة خرج المغرب من أزمة "كورونا" بأقل الخسائر الاقتصادية والاجتماعية بفضل الرؤية الحكيمة والمتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، الذي استطاع بتعليماته السامية أن يدبر المرحلة بنجاح واضح جعل العديد من الدول والمنظمات تعتبر أن المملكة من الدول القليلة التي نجحت في تدبير أزمة جائحة فيروس "كورونا". هذا النجاح في التعاطي مع تداعيات الأزمة الصحية بدأ مع تأسيس صندوق تدبير جائحة "كورونا" الذي قام بدور اجتماعي كبير؛ فقد استفادت منه الفئات الهشة والمتضررة جميعها، وكان نموذجا في القدرة على معالجة الأزمات الطارئة، ثم تلاه دعم المقاولات المتضررة، وكذا تأخير أداء بعض المستحقات للأفراد والمؤسسات بطرق مبسطة ترضي الجميع. لقد برهن المغاربة على التضامن والقدرة على الاستيعاب والتعامل بكثير من الإيجابية مع حالة الطوارئ الصحية. وبكثير من الفخر، تمكن المغرب من الحصول على اللقاح ضد وباء "كورونا" في الوقت المناسب وبطرق استباقية تفوق فيها المغرب على عدد من الدول المتقدمة. كل هذا يصب في المغرب الدولة الصاعدة إفريقيا وإقليميا؛ لكن يبقى الموعد الأساسي والمهم والذي يجب أن يكون موعدا حاسما للمغرب على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هذا الموعد يجب كذلك أن يكون موعدا حاسما للقطع مع بعض الممارسات السابقة من طرف بعض المجالس المنتخبة التي تحولت من مؤسسات لأجل التنمية إلى مؤسسات معيقة لها. يبقى السؤال المطروح هو: لماذا تم صدور القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات العامة المقبلة، في غياب إخراج تقرير مشروع النموذج التنموي الجديد؟، وخصوصا أن مشاريع القوانين التنظيمية جاءت بهندسة جديدة لتركيبة المجالس المنتخبة، وجاءت بتنزيل الجهوية السياسية. إن المشروع المذكور يجب أن يطرح رؤية خاصة في المجال السياسي، قبل الاستحقاقات المقبلة؛ لأن المجالس المنتخبة ستساهم في تنزيل النموذج التنموي الجديد محليا وجهويا مع الأطراف الأخرى المعنية. كما أن الأحزاب السياسية يجب أن تعمل بتوجهات مضامين النموذج التنموي الجديد في رؤيتها المستقبلية، وفي برامجها السياسية والانتخابية. وللتذكير، فإن صاحب الجلالة الملك محمدا السادس قد أكد، في الخطاب السامي الذي ألقاه أمام أعضاء مجلسي البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة في أكتوبر 2017، على صياغة نموذج تنموي جديد يستجيب لمغرب الغد، ونحن الآن في فبراير 2021، ولم يخرج المشروع الموعود إلى الوجود، مع التأكيد على أن الأزمة التي سببها وباء "كوفيد -19" قد أخرت الموعد النهائي لتقديم تقرير النموذج التنموي الجديد ستة أشهر؛ لكن كان من المتوقع ظهور التقرير في أوائل يناير 2021، لأننا نحتاجه ليكون مرجعا هيكليا لبناء اقتصاد قوي ومستدام، بعيدا عن اقتصاد الريع، وبعيدا أيضا عن الاختلالات الإدارية والمالية التي تنخر العديد من المؤسسات العمومية والمنتخبة. ولهذا، لا بد من رسم ملامح نموذج تنموي جديد يضمن للمواطنين حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية. ويجب على الأحزاب السياسية أن تعتمد في تأطيرها في المرحلة المقبلة على مضامين وأهداف النموذج التنموي الجديد، وخصوصا أثناء الاستحقاقات المقبلة؛ لأن عدد المجالس المنتخبة تفوق 1500 جماعة وهي الطرف الأساسي والسياسي لتحقيق التنمية الاقتصادية والمحلية، وخصوصا أن معظم الأحزاب السياسية تعاني تنظيميا وتأطيريا، بعضها بدون انتخاب مكاتب سياسية، وبعضها عاجز عن تصحيح وضعها القانوني، وبعضها لا يحمل أي هوية أو تصور وبرنامج قابل للتحقيق. إن مغرب الغد ليس في حاجة إلى أحزاب تتبنى إسلام العصر العباسي، وإلى أحزاب بدون هوية ولا رؤية، وإلى أحزاب تعتمد على التأطير المادي المباشر وغير المباشر، هذا النوع من التأطير ينتهي بعد ظهور النتائج الانتخابية مباشرة.. نحن في حاجة إلى تأطير سياسي مستدام طوال الولاية التشريعية ضمانا للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. نتمنى أن تكون مضامين النموذج التنموي الجديد هي خارطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والممارسة السياسية المسؤولة، وخارطة طريق للأحزاب السياسية حتى تكيف برامجها الانتخابية وفقا لهذا النموذج التنموي المنشود، وحتى لا تبقى البرامج الانتخابية تطبع وترمى في الأرض؛ لأنها بدون محتوى يحمل حلولا واقعيا ولا يستجيب لاحتياجات المواطن. لقد حان الوقت بأن تكون سياقات الإصلاح موازية مع بعضها البعض؛ حتى نتمكن جميعا من الاتفاق على نسق وطني، يعبر بنا إلى الدولة الرائدة في التنمية إفريقيا وعربيا وقاريا.