أحيانا أحس أنه لا جدوى من الصراخ حول الصحراء.. أقول الصراخ لأن الهدوء لم يعد ينفع ولأن حجم الاشمئزاز من الغباء الذي تثيره بعض المواقف بخصوص القضية لا يمكن وصفه ولا يمكن تمالك الأعصاب إزاءه...ليلة أول أمس كنت أتجول بين عدد من الجرائد الإلكترونية فوجدت فيديوهات تتكلم عن مظاهرة في العيون ترفع علم البوليساريو تطالب وتؤكد على استقلال الصحراء عن "الكيان المغربي الغاصب"... هنا دعوني أضع نقطة لأتطرق بين قوسين ،لاداعي لخطهما فعلا، إلى مسألة هامة.. كاتب هذه السطور قد يماري وقد يغفل وقد يختلف وقد يهادن وقد يتحلى بأحلى وأرقى وأقصى درجات التسامح بخصوص كل القضايا من الألف إلى الياء، إلا نقطة واحدة أكون فيها متطرفا ،باعترافي، وأكون فيها معتزا بتطرفي حتى لو لم يكن منطقيا وخاضعا لمبادئ "قل ما شئت وانصرف"..أتكلم عن موقفي من الصحراء خصوصا أني أمضيت فيها ثماني سنوات وأعرف خروبها جيدا وأعرف ما يجري وما لا يجري وما لا يراد له أن يجري وما أريد له أن يكون من خلف ستائر أراكوز تحرك خيوطه عن بعد ومن عل من جهات كانت ولازالت تجاورنا الجغرافيا وتنابزنا الكراهية الرسمية... أريد أن أسأل رعاة الغباء من أنصار البوليساريو في هذا الوطن مهما كانت خلفياتهم ومهما كان حجم نفاقهم سؤالا واحدا أصيغه كالتالي.. "تقولون أن المغرب يحتل الصحراء الغربية" ( أسقط الميم قبل الغين قصرا مادام ناقل الكفر بالوطن ليس كافرا بوطنه)..طيب.. ما نعرفه أن الأعراف الدولية تقول أنه لا يمكن لدولة أن تحتل سوى دولة تماثلها في كل شيء ومن بينها وجود حكومة وسيادة وطنية وراية، وشعب، وعملة، ونشيد وطني، وتاريخ قائم يمتد على ممر التاريخ".. "أي"، "دولة تحتل دولة أخرى"، فمتى كانت هناك دولة في الصحراء المغربية عبر التاريخ المديد لهذه الرقعة الجغرافية..؟".. راجعوا كل كتب التاريخ لعلكم تجدون شعبا يسمى الشعب الصحراوي، ودولة تمسى "الجمهورية الصحراوية" أو "المملكة الصحراوية" أو "مانعرف شنو"، وابحثوا (على وقْفْتْكُمْ) عن تاريخ لشعب استوطن هذه الأرض طوال قرون أو حتى آلاف من السنين قبل أن تأتي دولة محتلة "قاتلها الله" اسمها المغرب وتقرر بسط عساكرها هناك في اغتصاب واضح للأرض والخيرات؟ أبدا لن تجدون، بل ربما تجدون في آخر كتب التاريخ، في آخر السطر عبارة منقوشة بماء السخرية اسمها "الله يلعن اللي ما يحشم"... مائة من "البْشْري" يتظاهرون من أجل استقلال لدولة لم يسبق لها أن كانت أبدا والتاريخ يتبرأ منها ومن وجودها بالبكاء والنحيب..بكاء المظلوم الذي تنسب إليه الترهات.. ترهات دول لم تكن ولن تكون أبدا... يستفزني الغباء كثيرا ولو ارتكب باسم حقوق الإنسان وحقوق الشعوب في تقرير "حجم سنطيحتها" وأشياء أخرى كثيرة.. أكره تلك الحربائية التي يلبسها البعض لمجرد أن لهم مواقف مع "الملك"..بل إن حزبا يساريا راديكاليا كان بودي أن أحترمه كثيرا لأسباب كثيرة لولا تشبته بمبادئ "السلفية الماركسية" رغم أفولها يخرج علينا كل مرة ببيانات تطالب بحق "الشعب الصحراوي" في تقرير "مصيره"..هذا الحزب يعتقد أنه بطل راسخ على المبادئ الماركسية فيما الحقيقة أنه لا يختلف عن تيارات "السلف الصالح" وأصحاب زوايا "حتشبسوت المتدينة"، الفرق الوحيد أن أصحاب الزوايا هؤلاء يضعون "دراكات السلفية" لكي لا يروا ما صار وسار إليه هذا العصر (سنة 2013) فيما الآخرون اليساريون يضعون على عيونهم دراكة اسمها الماركسية، لم تعد تجدي نفعا لأن الحتمية التاريخية المسكينة طردتها "ديكتاتورية البروليتاريا" من صيغ التداول وأصبح ثمنها أرخص من فتات "فائض القيمة"، أما توحد البروليتاريا من تلقاء ذاتها، فاسألوا عنها "نومنكلاتورا اليسار الراديكالي" الذين يرضعون حليب البورجوازية ويسبون دسمها..( ملحوظة أعزائي القراء، كلمة نومنكلاتورا مصطلح يفهمه الرفاق جيدا ممن رضعوا حليب الماركسية جيدا ولم يفطموا عنها أبدا، أما من لا يعرف منكم هذا المصطلح فهو أكبر من أن يشرح هنا، ولكن السيد غوغل كفيل بإشباع فضولكم، دعوني أختم)... التاريخ لا يكذب.. هذه الأرض كان يقطنها الأمازيغ (سكان المغرب الأولون بالمناسبة يا من تطالبون باستقلال الصحراء) منذ أربعين ألف سنة أو أكثر، واسألوا الأركيولوجيا لأنها ستكلمكم بتفصيل أكبر، وبعدها جاء الإسلام، وجاء معه بالعرب المشارقة إلى المغرب واندمج الجميع في شمل كبير تحت قبة الإسلام، وذوبان الثقافتين في بعضهما البعض.. ومر التاريخ يجري، لم يعرف في أي من مراحله قيام شي "دولة" ولا حتى "دويلة" في الصحراء.. التاريخ يقول. شيئا آخر.. يقول أن المغرب كان امبراطورية تمتد إلى ما أسفل هاته الصحراء الصغيرة.. المغرب ليس في حاجة ليظل إمبراطورية إلى الأبد، وإلا كانت دامت للعثمانيين قبلنا..تطور التاريخ لم يعد يقبل بشيء اسمه الامبراطورية، وهذا جيد.. تكفينا أرضنا الصغيرة، ولكن ، رجاء، "عا هار ربي"، لا يخرجن علينا غبي، أيا كان، ليلوي عنق التاريخ والحقيقة ويقول بغباء لا غباء بعده يسمونه "تقرير المصير" لشعب لم يسبق لا للجغرافيا ولا للتاريخ أن اعترفا بوجوده أبدا.. كفانا غباء رجاء فالصحراء جزء من هذا الوطن وليذهب منكرو التاريخ إلى الجحيم...