على بعد بضع عشرات الأمتار فقط من الوحدة السرية، التي عاشت فاجعة وفاة 24 شخصا، نتيجة تسرب مياه الأمطار بحي الإناس في طنجة؛ تجمعت مجموعة من العاملات بشركة أخرى للنسيج، نجت من فاجعة شبيهة دون أن يلتفت إليها أحد. بخليط من اللوعة والفرحة بالنجاة، تحكي إحداهن لهسبريس تفاصيل ما حدث؛ "في حدود الساعة التاسعة صباحا، فوجئنا بزخة مطرية قوية جدا ومفاجئة لم تسعفنا لنفهم ما يحدث بالضبط. فخلال دقائق، بدأ الماء يتسرب تحت أقدامنا وارتفع إلى ما يقارب نصف متر. ولحسن حظنا، انتبه المسؤول بسرعة وقام بقطع الكهرباء نهائيا عن المعمل، قبل أن يحضر أحد العاملين سلما ونبدأ بالهروب تباعا". تقول العاملة إن الشركة التي تعمل بها تشتغل بشكل علني وبلافتة واضحة للشركة، وبمساحة 500 متر سمحت للمياه بأن تنتشر وأخرت تسربها، عكس ما حدث مع الوحدة السرية التي قالت إن مساحتها في حدود 100 متر. الطوق الأمني حول المكان محكم ويمنع تسرب الأشخاص والأخبار أيضا. العيون والأعناق تشرئب منتظرة نجاة أحدهم بمعجزة ما، أو – لا قدر الله – ظهور المزيد من الجثث، وسط أصوات صافرات سيارات الإسعاف التي لا تتوقف. وسط هذا، يقف أب عاملتين راحت إحداهما ضحية للفاجعة بعيون ذاهلة تماما وفؤاد فارغ. يقول بصوت مبحوح محاولا أن يرتب جمله كي يحكي كيف وصله الخبر: "كنت في البيت عندما فوجئت بعودة إحدى ابنتي اللتين تعملان بالوحدة، كانت تبكي بقوة وفي حالة يرثى لها، ما جعلني أعتقد أنها تعرضت لاعتداء ما". ويواصل المتحدث كلامه: "أخبرتني ابنتي بحقيقة الأمر، وأن أختها فقدت أثناء الفاجعة، وأنها كانت تمسك بيدها قبل أن يحول بينهما الماء". وأرجع عدد من الساكنة بعين المكان سبب الاختناق السريع، الذي تعرضت له البالوعات، إلى وجود عدد من الأغصان المقطوعة والأزبال وبقايا الأعشاب بأماكن متفرقة في المنطقة، التي ظلت في مكانها لمدة طويلة جدا دون أن يتم إبعادها. من جهته، قال عدنان المعز، جمعوي وحقوقي، إن الفاجعة كبيرة جدا بحكم عدد الضحايا الكبير، وإن أغلبهم ترك أسرا مكلومة كانت تعتمد عليهم كمعيلين. وزاد المتحدث: "هذه فرصة لنتحدث عن قنابل أخرى موقوتة موجودة بالمدينة؛ فالفاجعة يمكن أن تتكرر في أي وقت، لأن الفصلَ فصلُ شتاء والزخات المطرية القوية قد تفاجئنا في أي وقت. أستطيع أن أقول إن هناك مئات المعامل السرية بطنجة، التي تشتغل في قطاع النسيج الذي يعرف عشوائية كبيرة، في مرائب تحت أرضية في الفيلات أو غيرها، التي تكون معرضة للغرق أو التماس الكهربائي كما حدث اليوم". ودعا الفاعل الجمعوي السلطات المحلية إلى تحمل مسؤوليتها، موردا : "في اليوم الذي يحضر أي مواطن معدات بناء ولو قليلة أو صغيرة يجد أمامه عون السلطة خلال دقائق، فالظاهرة معروفة ولا يمكن أن نقول إنها "سرية"، وعلى السلطة التدخل ومنع هذه المعامل، أو على الأقل تأهيلها لتتوفر على شروط الصحية الملائمة". وأضاف معز: "يجب، أيضا، تحميل المسؤولية لوزارة التشغيل، لأن أعوانها يجب أن ينتبهوا إلى هذه المقاولات المنتشرة في الأحياء، والتي تشتغل بدون ضمان اجتماعي وبساعات إضافية، ما يعرض العمال للاستغلال في ظل جشع الباطرونا". وختم المتحدث تصريحه لهسبريس بدعوة كافة المتدخلين إلى إحداث برنامج مستعجل، "من أجل التدخل لتأهيل هذه المقاولات الصغرى بمدينة طنجة، التي يشتغل أغلبها خارج القانون". يذكر أنه تم، مساء اليوم نفسه، تسليم جثامين الضحايا، التي كانت متواجدة بمستودع الأموات بمستشفى الدوق دي طوفار، إلى أهاليهم.