في كتابه الأخير" أسئلة دولة الربيع العربي: نحو نموذج لاستعادة نهضة الأمة"، يقدم الأستاذ سلمان بونعمان، إهداءا لا كالإهداءات، و كلمات لا كالكلمات، عنوانه العريض؛ نعم ممكن أن تنتصر الروح على عذابات الجسد، المثخن بالمرض اللعين، مرض السرطان، حيث يقول في إهدائه:" إلى كل من سقطت من رأسه آخر شعرة و هو في طريقه إلى العلاج، إلى من تقطعت أحشاؤه من ألم الداء و الدواء، إلى كل ما شاركتهم برودة سرر المشفى و رهبة حصص العلاج، إلى كل من مشى قبلي في هذه الطريق، إلى كل من مشى معي، إلى كل من سيمشي بعدي، إلى كل مرضى السرطان"، إلى هؤلاء يهدي الكاتب منجزه الفكري، الذي خرج من بين ألم و قلق، فكرا خالصا للقارئين.. إن الكتابة فعل إنساني عظيم، أن تكتب، معناه أن تعيش مخاض ما قبل الولادة، و ماذا إذا كان هذا المخاض الفكري يتوسد جسدا ملاحقا بوخزات ألم عنيف ؟ ! هكذا عاش هذا المفكر المغربي الشاب، أيامه و هو يؤلف الكلمات جملا، و الجمل فقرات، و الفقرات نصوصا، فجاء المولود كتابا يقارب" أسئلة دولة الربيع العربي"، الصادر عن مركز نماء للبحوث و الدراسات، الطبعة 2013م، و المكون من أربعة فصول؛ الفصل الأول: سؤال العلاقة بين المجتمع و الدولة، و الفصل الثاني: سؤال العلاقة بين الدين و الدولة، الفصل الثالث: أي نموذج بديل لدولة الربيع العربي؟، الفصل الرابع: دولة الربيع العربي و نزعة التسيد و آليات الترويض. سلمان بونعمان كاتب قلق، يخوض الإشكالات بحماسة الشباب، يقتحم القلاع دون أن تخفيه " البراديغمات"، فيفتح الأبواب، ويعلن إنتاج "نماذج معرفية جديدة"، متسلحا بدراسته الأكاديمية في علم السياسية، و مرتكزا على تكوينه في الفكر المعاصر، يكتب بلغة متدفقة، كسواقي الماء الزلال، في الحديقة الغناء، لا كسيل هائج، آت من شعاب المرتفعات، يأكل الأخضر و اليابس، يفكك الإديولوجيات المتحنطة، كقطرة ماء لا تتعب من نقش أثرها على صخرة صلداء، لا كقنبلة " ديناميت" مدمرة، تفجر لتهدم لا لتبني، يركب الأفكار، كناسج زربية زاهية الألوان، الناظر إليها يمتع عينيه إتقانا و زخرفة، لا كناسج ثوب يسابق الزمن، هدفه الإنتاج لا الإتقان. هذا هو سلمان، ستقرأ كتابه " أسئلة دولة الربيع العربي"، ليشركك في قلق السؤال؛ فهو يتساءل معك في المقدمة، أي نموذج حضاري مأمول لدولة الربيع العربي؟ ما هي أهم ملامحه و محدداته؟ و أية جدليات تؤطر بناء الدولة العربية الحديثة في الوضع الراهن؟ و ما هي طبيعة العلاقة بين الدولة و المجتمع في سياق التحول الثوري؟ و كيف يمكن ترويض وحش الدولة المستبدة؟، فيقرر بعد السؤال كاتبا؛ هذه هي الهواجس المقلقة التي انطلق منها هذا العمل، و شكلت خلفيته الأساسية في التفكير و التحليل و البناء. ستقرأ الكتاب، و ستجد نفسك أمام، معمار جديد، لدولة ما بعد الربيع العربي، دولة تقوم بأدوارها ابتغاء خدمة الشعب، دون أن تتسلط عليه، فتدخله إلى عبودية جديدة، و تسرق منه مواطنيته المنشودة، كما أن الكاتب يحوصل خلاصة مركزية عنوانها، لا ثورة في الفكر السياسي دون ثورة في الفكر و الثقافة، يكون ميدانها المجتمع، بكل نخبه و أفراده، لأن الوضع السياسي المتخلف، هو نتاج لثقافة مجتمعية مختلفة، و هذه المهمة التثقيفية، هي مهمة المستقبل التي تنتظر الكثير من الجهد و العمل. بكلمة؛ سلمان بونعمان، هو ميلاد لمفكر مغربي شاب، يعيش أسئلة عصره، تحت وطأة القلق و الألم..، ستنتصر الروح ويشرق الأمل... [email protected]