قد يتساءل المرء: لماذا هذا الموضوع وحزب العدالة والتنمية يقود الحكومة وأصبح معروفا عالميا؟ نظرا للعلاقات الممتدة للدولة المغربية. والجواب بسيط للغاية. إنه تذكير لمن يهمه الأمر. حتى يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض. وفي نفس الوقت نؤكد على معالم هذا الحزب التي لا تتغير بالمواقع إخلاصا للذات ووفاء للشعب. ومن أجل مقاربة هذا الموضوع سنركز على مجموعة من المحاور، والتي نوجزها فيما يلي: أولا: رسالة الحزب: أشير بداية إلى أن هذا الموضوع قراءة مختصرة في مرجعيات الحزب التي عرفت تطورا مطردا بفضل المجهودات التي تبذل في هذا المجال. إذن حزب العدالة والتنمية حزب سياسي، يعتمد المرجعية الإسلامية، ويعمل في إطار ملكية دستورية مبنية على إمارة المومنين. ويساهم في بناء مغرب حديث وديمقراطي ومزدهرو متكامل ومعتز بتاريخه ومساهم في الحضارة الإنسانية ويِؤطر المواطنين ويدبر الشأن العام انطلاقا من مسؤوليته السياسية. بناء على قيم الحرية والاستقامة والمسؤولية والعدالة والتكافل. ثانيا: منهجه السياسي: يعتمد على مجموعة من المبادئ أهمها: الالتزام، والشفافية، والتدرج، وإشراك المواطنين، والتعاون مع الفاعلين، والنضالية، ومراعاة المصلحة الوطنية العليا، والممارسة اليومية. وللإشارة فقد تأسس هذا الحزب سنة 1967 باسم الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية برئاسة المرحوم الدكتور عبد الكريم الخطيب رحمه الله. الذي بداية أسس مع السيد محجوبي أحرضان الحركة الشعبية حوالي سنة 1958. لكن في سنة 1977 ونظرا لظروف سياسية جائرة توقف الحزب على المشاركة في الاستحقاقات التي كانت غالبا مفبركة، حتى سنة 1996 حيث انعقد لقاء تاريخي جمع بين قيادي حركة التوحيد والإصلاح والحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية. توافق فيه الطرفان على انضمام مجموعة من الحركة الإسلامية إلى هذا الحزب التاريخي الذي قاده قيادات من جيش التحرير وعلى رأسهم الدكتور عبد الكريم الخطيب، وعبد الله الوكوثي رحمهم الله. ومنذ ذلك الحين اتخذ الحزب مسارات مشرقة رغم الاكراهات التي اعترضت طريقه. وفي سنة 1998 تم تغيير اسم الحزب من الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية إلى حزب العدالة والتنمية. وهذا الاسم في طياته يحمل منهاج عمل. لذلك رفع شعارا معبرا ومازال: نحو نهضة حضارية: أصالة- عدالة- تنمية. وهذه المعالم المنهجية أثمرت مجموعة من الأهداف. ثالثا: أهداف حزب العدالة والتنمية: إذن من خلال الأصالة والعدالة والتنمية ، رسم الحزب لنفسه الأهداف التالية: 1/ المساهمة في بناء دولة الحق والقانون، وتعزيز الاختيار الديمقراطي، وتنمية الديمقراطية التشاركية والحكامة الجيدة. 2/ المساهمة في تدبير الشأن العام اعتمادا على النزاهة والشفافية وحسن التدبير. 3/ تكوين المواطنين على التنمية الشاملة. 4/ اعتماد الديمقراطية والوسطية والاعتدال والمسؤولية والالتزام والشفافية. 5/ الحفاظ على الوحدة الوطنية والتعاون مع الجميع. 6/ مناصرة قضايا الشعوب المستضعفة خاصة فلسطين. ومن أجل تكريس هذه الرؤية ركز الحزب على محاور متعددة أثناء تقديمه مذكرته المتعلقة بالإصلاحات الدستورية والسياسية. رابعا: الفضاء الدستوري: إن الدستور أسمى تشريع من حيث التراتبية القانونية الوضعية. لذلك طرح حزب العدالة والتنمية أهدافه بوضوح أثناء تقديم المذكرة المؤطرة لرؤيته الإصلاحية انطلاقا مما يلي: - التركيز على المرجعية الإسلامية وتعزيز مقومات الهوية المغربية. - العمل في إطار الملكية الدستورية القائمة على إمارة المومنين. - الدفاع على الحريات العامة وحقوق الإنسان. - فصل السلط والتوازن بينها وبرلمان بصلاحيات واسعة وحكومة منتخبة ومسؤولة - إصلاح القضاء في إطار الاستقلالية. - جهوية متقدمة بضمانات دستورية واسعة. - الحكامة الجيدة المبنية على التنافسية والفاعلية في تدبير الشأن الاقتصادي. انطلاقا مما ذكر سنختم هذا السرد المتواضع، اعتمادا على أهم معالم الأطروحة التي صادق عليها المؤتمر الأخير للحزب. خامسا:الأطروحة وأسئلة المرحلة: رفع الحزب شعار "شراكة فعالة في البناء الديمقراطي" اعتمادا على الكرامة والتنمية والعدالة الاجتماعية. مع مراعاة ما يلي: - الوضع الدولي. - الربيع الديمقراطي عربيا ومغربيا. - الإصلاح في ظل الاستقرار. - ترتيب مجالات وأولويات البناء الديمقراطي. والتي تتجلى في مقاومة الاستبداد، والتحكم، والفساد. والوفاء للمرجعيات المذهبية والسياسية ، والإصلاحات الدستورية ، والبرامج الانتخابية ، والانسجام مع ميثاق الأغلبية ، والشراكة في الحكم ، وجدلية النضال الديمقراطي والبناء الديمقراطي، وإنهاء كل مظاهر الريع السياسي، والمساهمة في التنزيل الديمقراطي، واعتبار إنجاح الانتقال الديمقراطي والبناء الديمقراطي استكمالا للنضال الديمقراطي، والشعور بالمسؤولية التاريخية خاصة على مستوى تنزيل القوانين التنظيمية والاحتكام إلى الشعب والحكامة واللامركزية واللاتركيز.. 1/ منهج البناء الديمقراطي: يعتمد ابتداء على الرؤية الاستباقية ، والمشاركة السياسية من داخل المؤسسات، ومواصلة النضال الديمقراطي، والشراكة مع المؤسسة الملكية، والفضاء الحزبي والسياسي، والمدني، والاقتصادي، والاجتماعي، من أجل التوازن والإنتاج.. 2/ المشروع المجتمعي: بناء على نموذج سياسي، ومؤسساتي، ومجتمعي. في أفق المساهمة في بناء مجتمع مغربي ديمقراطي أصيل، يرسخ الديمقراطية ثقافة وسلوكا وعلاقات وممارسة مستمرة، وهذا يناقض السلوك غير الديمقراطي مهما كانت مرجعيته. لأن الحزب يقدر الحرية، والحقوق الفردية والجماعية، خاصة المرأة والشباب، والتعددية الفكرية والسياسية، والتدافع من أجل تطوير المنظومة الحقوقية العالمية بتشاركية بدل الخضوع لرؤى إلحاقية.مع الدفاع عن القيم الكونية الديمقراطية والحقوقية في إطار إنساني متوازن. والعمل في إطار التراكم التاريخي والحضاري للأمة المغربية. انطلاقا من احترام الثوابت، وترسيخ ثقافة الوسطية ونبذ العنف والتطرف، وهذا يحتم التجديد في الأصالة والمعاصرة. أما تدبير الشأن العام فيعتمد المنهج المدني وفق القواعد الديمقراطية. لأن العمل السياسي تنافسي وتداولي، مع احترام الاجتهادات والاختيارات. أما التعامل مع المرجعية فيتم بالنسبة للحزب السياسي بآليات سياسية اعتمادا على التشريع، والرقابة، وبرامج عمل. ومن تم فهناك علاقة بين السياسة والدولة والدين. ليست علاقة فعل مطلق ولا تماهي مطلق، وإنما مبادئ موجهة. لأن الممارسة السياسية ممارسة بشرية، خاضعة لمنطق الخطأ والصواب. بعيدا على القداسة. ثم الربط بين الحرية والمسؤولية والقانون. ويبقى التدافع الحضاري قائما انطلاقا من الإيمان بالاختلاف والتنوع. لأنه ليس هناك المطلق. إن الإيمان بالكونية لايتناقض مع الحق في الاختلاف. 3/ المشروع التنموي: بعد هذه التوطئة الفكرية والمذهبية والسياسية، يمكن بناء مشروع تنموي.الذي يركز على بلورة برامج سياسية والمراقبة في آن واحد. وهذا العمل له منطلقات أهمها: اقتصاد متكامل ومندمج، مع إنتاج الثروة وعدالة توزيعها. والتركيز على الحاجيات والتوازن بين القطاعات، ومراعاة المصلحة العامة، والحكامة الاقتصادية والمالية. والتلازم بين البعد الاقتصادي والاجتماعي.. انطلاقا مما ذكر فالعدالة والتنمية ينطلق من أن الإنسان أساس التنمية، والانفتاح الاقتصادي، والمبادرة الحرة، والشراكة الاقتصادية، وإعطاء قيمة للعمل. إن تحديد المنطلقات يبرز لنا أهم معالم المشروع التنموي والمتجلي في: الدولة في خدمة التنمية، ومعالجة الاختلالات عن طريق الحكامة الجيدة والمنافسة الشريفة. وبناء اقتصاد حقيقي بدل اقتصاد الريع. إن هذا العمل التنموي يبنى على قواعد أهمها البعد الجهوي والمجالي، والانسجام الجهوي، والتكامل الترابي. هذا يحتم النظر في الخدمات المقدمة، والاهتمام بالصناعة والفلاحة وخلق ثروة حقيقية و فرص للشغل. والاهتمام بالصيد البحري. والتوازن بين كل القطاعات. والتمويل التشاركي. والسؤال الذي يجب أن نختم به هو: ما هي المؤهلات الحزبية الواجب توفرها قصد القيام بالواجبات المسطرة أعلاه؟ إن تطوير البنية الداخلية للحزب تتطلب التأطير والتكوين والتحصين. اعتمادا على: الثقافة والممارسة الديمقراطية، والانفتاح والاعتناء بالكفاءات والأطر، وإعطاء قيمة للجهوية الحزبية، والتميز بين التدبير السياسي والتدبير الحزبي. وتنمية التواصل السياسي، والاجتهاد في الإنتاج السياسي...