خصّ وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ، جريدة هسبريس الإلكترونية، بمقال عن مبادرة لوقف العنف الجنسي في مناطق الحروب والصراعات بعد زيارة قادته إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية. فيما يلي نص المقال: غالبا ما يسعى العالم لوضع نهاية لصراع ما وإعادة بناء المجتمعات التي مزقتها الحروب دون أن يتطرق إلى الأسباب المباشرة التي تجعل التوصل إلى المصالحة أمرا غاية في الصعوبة والتي تسهم في تجدد العنف. وعلى ذكر هذه الأسباب، فإن أحدها يتمثل فيما يقع من اغتصاب وعنف جنسي أثناء الحروب. قمت منذ أسبوعين بزيارة إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية وعرضت علي صورة لفتاة تعرضت للاغتصاب وهي بعد لم تزل في سن الخامسة. وأثناء تجوالي ما بين مخيمات اللاجئين، والمستشفيات، واللقاءات مع الناس الذين يقاتلون من أجل العدالة، استمعت إلى الكثير والكثير من القصص المفزعة عن أرواح أزهقت، وعن نساء تعرضن للنبذ من أسرهن، وعن أسر تفككت وعن ضحايا أصيبوا بأمراض تتهدد حياتهم عند تعرضهم للهجوم لدى قيامهم بجمع حطب الوقود. كل هذا، ولا يزال الجناة طلقاء يمارسون حياتهم المعتادة في ظل غطاء من حصانة مشينة. في كثير من الصراعات الكبرى التي دارت رحاها على مدار العشرين عاما الماضية، من البوسنة إلى رواندا ومن ليبيا إلى سيراليون، كان الاغتصاب يستخدم عمدا كسلاح لتشويه الخصوم السياسيين أو لوصم مجموعات عرقية أو دينية بكاملها بهذه الجريمة النكراء؛ وهو تشويه ليس من السهل أن تندمل الجراح التي يخلفها وراءه، ولا تختفي ندباتها أبدا، بل إنها غالبا ما تدمر الأسر وتنخر في جسد المجتمعات. وإنه لأمر محزن أن تتكرر نفس القصة مرة أخرى في سوريا اليوم، حيث تواترت تقارير مفزعة عن اغتصاب المدنيين وتعذيبهم، وعن ارتكاب مخالفات عن عمد بقصد إرهاب الخصوم السياسيين. إن مسئوليتنا كزعماء سياسيين في دول ديمقراطية تؤمن بالكرامة الإنسانية أن ننهض لمجابهة هذا التحدي، وعلينا أن نحاول ونوقف هذه الجريمة البغيضة التي أضرت بالكثيرين وأن نعمل على القضاء على استخدام الاغتصاب سلاحا في الحروب. وليس هذا الأمر بالمهمة السهلة؛ فأمامه الكثير من المعوقات والعراقيل. وتتمثل أولى هذه المعوقات والعراقيل في الخوف الذي يشعر به الضحايا والعار الذي يلحق بهم. ويمكننا أن نفهم عزوفهم في كثير من الأحيان عن مواصلة حياتهم بسبب وصمة العار التي لحقت بهم نتيجة لتعرضهم للاغتصاب. ويتفاقم هذا العزوف بعد ذلك بسبب قلة الدعم الجسدي والنفسي الحساس الذي يقدم إلى الضحايا. أما ثاني هذه المعوقات والعراقيل فيتمثل في مدى صعوبة جمع الأدلة التي يمكن استخدامها في القضايا التي ترفع أمام المحاكم، وهو ما يعني أن عددا قليلا من المحاكمات هو الذي يكتب له النجاح. فمنذ عام 1996 تعرضت أعداد هائلة من النساء للاغتصاب حتى وصل عدد من اغتصبن من النساء إلى 500000 امرأة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وحدها، ولم ترفع قضايا أمام المحاكم إلا بشأن عدد قليل جدا من هذا الكم الهائل. وهو الأمر الذي لا يعزز إلا من ثقافة الإفلات من العقاب. ثالثا، هناك نزعة لدى المجتمع الدولي عند اتخاذه موقفا حيال أحد النزاعات للتعامل مع الاغتصاب على أنه قضية ثانوية. ونتيجة لذلك، يكون الإهمال هو نصيب الناجين من هذه الجريمة، مع عدم كفاية التمويل بل وحتى حجبه، في حين يتحرك الجناة في حرية كيفما يشاؤون. وأخيرا، لا يوجد ما يكفي من الدعم الذي يقدم إلى الوكالات التابعة للأمم المتحدة، وإلى المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يساعدون الناجين في واقع حياتهم. ونتيجة لذلك، فإنهم يعانون من نقص حاد في التمويل ويواجهون صعوبات حقيقية في الاستجابة بفعالية. وكل هذه المعوقات والعراقيل تشكل حواجز يمكن بل ويجب محاصرتها. سأطلب هذا الأسبوع من وزراء الخارجية بدول مجموعة الثماني الموافقة على بيان سياسي تاريخي يعبر عن تصميمنا المشترك على العمل لوضع نهاية للعنف الجنسي في الصراعات المسلحة، ولمناقشة غياب المحاسبة على هذه الجرائم الوحشية، ولضمان تقديم الدعم الشامل إلى الضحايا. إنني أسعى إلى إيجاد منظومة واسعة من الالتزامات السياسية التي تشمل اعتبار الاغتصاب والعنف الجنسي الخطير انتهاكات ومخالفات جسيمة لمعاهدات جنيف؛ التي تهدف إلى توفير تمويل أفضل ودعم طويل المدى للناجين، وتقديم الدعم من أجل بروتوكول دولي جديد يحدد المعايير المتفق عليها للتحقيق في جرائم العنف الجنسي وتوثيقها. هذه التدابير مصممة لتحسين جمع الأدلة والوصول إلى مزيد من المحاكمات، ومن شأنها أن تساعد الناجين على المضي قدما في الحياة، وتضمن تلقي الضحايا للدعم طويل المدى الذي يحتاجونه في إعادة بناء حياة كريمة لهم. إنني أتطلع إلى اتفاق طموح في لندن يوم الثلاثاء. ولكن هذه ليست سوى البداية؛ حيث سنستفيد من الدعم الذي تقدمه مجموعة الثماني كأساس نبني عليه تحالفا دوليا قويا في الأممالمتحدة وعلى نطاق أوسع ضد جرائم الاغتصاب التي ترتكب خلال الحروب والعنف الجنسي في الصراعات. تمثل مجموعة الثماني بعضا من أكبر الاقتصاديات في العالم والتي تتمتع بتأثير ونفوذ مشترك على نطاق واسع جدا على مستوى العالم. وحينما يجتمع أعضاؤها معا في مسعى مشترك، فإنهم قادرون على إحداث تغيير حقيقي ودائم في العالم. وسيتمثل هذا التغيير الدائم، هذا الأسبوع، في بدء عملية تهدف إلى وضع نهاية لأحد أكثر الجوانب تدميرا في الحرب الحديثة، وتناول واحد من الأسباب الرئيسية وراء الصعوبة الكبيرة التي تواجه المجتمعات في التئام شملها بعد الصراعات. إن واجبنا كزعماء سياسيين بدول حرة وكبشر أن نطيح بالإفلات من العقاب للذين يستغلون الاغتصاب كسلاح في الحرب، وأن نضمن ألا يعاني ضحايا تلك الجريمة من الهجران مرة ثانية. * وزير الخارجية البريطاني