يختلف الاغتصاب أثناء الحرب عنه في ظروف أخرى، فهو ليس مجرد ممارسة جنسية عنيفة، وإنما هو فعل قتالي يعبر عن نفسه بأدوات جنسية، لا يعتبر المغتصِب مجرد شخص تجرد من إنسانيته ليشفي رغبة جنسية جامحة، وإنما هو يروي رغبة عدائية عارمة تجاه الآخر الذي يحاربه، ويرضي غرور الأقوى (ظاهرياً) تجاه الأضعف. يقوم الاغتصاب أساسًا على رغبة سادية Sadism تستهدف اشتقاق اللذة الجنسية عن طريق إلحاق أذى جسدي، أو معاناة، أو تعذيب يصل أحيانًا إلى حد القتل للطرف الآخر، وفي هذه الحالة لا يطلب المغتصِب المتعة، بقدر ما يريد تحقير الضحية وإذلالها ونزع إنسانيتها. تلك الإنسانية التي افتقدها هو نفسه من قبل حين فشل في إقامة علاقة سوية نفسيًا مع ذاته والآخر، فيحاول تعويض ذلك بتمثل قوة زائفة لإجبار الضحية على الرضوخ له. إن هؤلاء المغتصبين لا يقبلون بأن تأتيهم الضحية طوعًا، بل لابد من أن يقترن الأمر بالقوة والعنف، كأنه يعبر عن انكسارهم النفسي، وذواتهم المنتهكة الضعيفة، ويعوض إحساسًا سابقًا بالهزيمة تعرضوا له خلال مراحل تكوينهم النفسي والاجتماعي. تقترن فكرة استخدام النساء كمادة جنسية في الحروب أو النزاعات المسلحة بقابلية المعتدي المسبقة لارتكاب فعل الاغتصاب، هذه القابلية التي تُقمع في ظروف طبيعية، تعود إلى الظهور في ظروف ضاغطة كالحرب لا يفرق فيها المعتدي بين الفتاة، والمرأة الحامل، والعجوز، فهي رغبة عمياء. إضافة إلى أن الحرب فكرة ذكورية يستعرض فيها المعتدي قوته وسيطرته على الضحية، واغتصابه للمرأة هنا هو محاولة لإذلاله ووصمه بالخزي والعار لكون المرأة جزءا منه، وانتهاكها هو انتهاك للعرض والشرف. فالنساء يغتصبن باعتبارهن جزءا من الشعب العدو، تهدف الحرب لتحقيره ونزع إنسانيته ووصم تاريخه بالعار لا نتيجة سلب الأرض فقط، وإنما سلب شرفه أيضاً. وليس من الصعب رصد حالات الاعتداء الجنسي في أوقات النزاع المسلح في بلدان مثل: كشمير، وأفغانستان، وكولومبيا، والكونغو، ورواندا، وبورندي، والبوسنة والهرسك، والعراق، وسيراليون، والصومال، ودارفور التي يغتصب فيها النساء أمام أسرهن وأزواجهن، ويوغسلافيا السابقة التي كانت تُجبر النساء الحوامل فيها على الذهاب إلى المعسكرات لإشباع حاجات جنسية للجنود، في حافلات كتبت عليها عبارات تحقر رجالهن وتسخر من حملهن. تظل قضية الاغتصاب حساسة وأسيرة الصمت، لما ينتج عنه من شعور بالدمار النفسي، والإهانة، والخجل، اضطرابات النوم والأكل، الخوف من الناس، الاكتئاب، الشعور بالذنب، الخزي، وتشوه صورة الجسد، وهى مشاعر تدفع بالضحايا إلى تجنب الاختلاط بالمجتمع، وفرض العزلة التامة على النفس. كثيرات منهن لا يستطعن الحديث عما تعرضن له، لأن صورة المشهد المؤلم تطارد الضحية في اليقظة، والنوم، وقد تتسبب في نوبات استرجاعية عنيفة، عند رؤية أي مشهد له علاقة بهذا الأمر. وقد يحدث ذلك أيضا أثناء ممارسة العلاقة الزوجية، نتيجة الإحساس بالعجز وبالذنب معا، خاصة إذا بخل عليها الزوج أو المجتمع بالتعاطف والمساندة، بل يحملانها جزء من مسؤولية تعرضها للاغتصاب، فتصبح ضحية من الطرفين Double victim تنتهي الحرب، وتبقى الآلام النفسية المصاحبة للاغتصاب كشبح يطارد الضحية لوقت طويل، يحتاج الأمر إلى مساندة نفسية واجتماعية وأسرية، بل ودولية كبيرة حتى تستطيع المغتصبة تجاوز محنتها، ربما هذا ما دفع الأممالمتحدة إلى تصنيف الاغتصاب المتعمد كجريمة حرب، وذلك في التقرير الصادر في 20/6/2008عن مجلس الأمن التابع لها. ركز التقرير على فرض العقوبات العسكرية المناسبة على منتهكيه، وتدريب الجنود على مكافحة كل أنواع العنف الجنسي ضد المدنيين، وإخلاء النساء والأطفال المهددين بالعنف الجنسي إلى مناطق آمنة. إن الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي يشكل جريمة حرب، أو جريمة ضد الإنسانية، ولابد من استثناء جرائم العنف الجنسي من أحكام العفو العام في سياق عمليات حل النزاعات. وطلب قرار المجلس من الأمين العام للأمم المتحدة أن يقدم تقريرا للمجلس في يونيو عام 2009 عن تطبيق هذا القرار. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل نقل الملف لإطار حق التدخل لمجلس الأمن سيسمح بمواجهة جدية وفاعلة للموضوع؟ هل سيتم تطبيق القانون على كل الدول دون تمييز بين الدول المتقدمة والمتخلفة منها؟. فإن أي قرار يكتسب معناه من كيفية تطبيقه لا صياغته فحسب، ومن التطبيق الفعلي ليصبح نظامًا وقائيًا حقيقيًا يضمن حماية النساء في الصراعات المسلحة!