الموقف الأمريكي الذي يرى ضرورة اضافة مهمة جديدة لمهام بعثة الاممالمتحدة في الصحراء (المينورسو)، الممثلة في مراقبة وضع حقوق الانسان في الصحراء المغربية. هذا الموقف يجب أن يوضع في سياقه السياسي و الاستراتيجي الدولي، حتى يتم فهم خلفياته و ادراك الأهداف المراد تحقيقها من وراءه ، هذا ما سنحاول الكشف على بعض جوانبه في النقط التالية. - أولا: الولاياتالمتحدةالأمريكية هي آخر دولة يمكن أن يقبل منها، أخلاقيا و إنسانيا الحديث و الدفاع عن حقوق الإنسان و لعل عجرفتها و سجل قمعها للدول و الشعوب و الأفراد المليء بالخروقات و الاضطهاد و القمع و السجن و التعذيب و الاباذة مبررا قويا لذلك، و أكثرخروقاتها لحقوق الانسان و الشعوب طرواة هي ممارستها في العراق و أفغانستان ، دون الحديث عن تدخلاتها القمعية في أمريكا اللاتينية و الهند الصينية خلال السيتينيات و السبعينيات و الثمانينيات من القرن الماضي ، و من دون الحاجة الى ذكر تاريخ الاستئصال و الاباذة التي قام بها الانسان الابيض الأمريكي في حق شعوب الهنود الحمر الأصليين في القارة الأمريكية الشمالية مند القرن السادس عشر الى نهاية القرن التاسع عشر. - ثانيا: الدبلوماسية المغربية ما زالت تتصرف و تنظر الى قضية الصحراء المغربية و كأنها قضية منفصلة عن باقي قضايا القارة الافريقية عامة و منطقة الساحل و ما وراء الصحراء الكبرى خصوصا منذ الخطأ الدبلوماسي الفادح الذي ارتكبه الحسن الثاني سنة 1984 ، عندما انسحب من منظمة الوحدة الافريقية، التي كان المغرب أحدى الدول المؤسسة لها. لقد أصبحت افريقيا الغربية منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي مسرحا للمواجهة الشرسة بين نفوذ قوتين سياسيتين دوليتين كبيرتين( فرنسا و الولاياتالمتحدة )، و قوة اقتصادية دولية ثالثة صاعدة و هي الصين مند بداية التسعينيات الماضية ، و كل هذه الدول الثلاث تتمتع بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي (فرنسا - الولاياتالمتحدة - الصين)، بمعنى أنها دول فاعلة و صانعة للقرار الدولي. و المغرب وجد نفسه منساقا و منجرا و تابعا للسياسة الفرنسية في المنطقة، حيث غالبا ما يكلف بانجاز المهام القذرة للسياسة الفرنسية في القارة الافريقية، عندما تكون في حاجة الى تدخلات عسكرية في بؤر التوثر الافريقية، التي تكون فيها المصالح الفرنسية مهددة من طرف قوى سياسية غالبا ما تكون مدعومة أمريكيا( زاير موبوتو سيسيكو - الكوت دي فوار هوفيت بوانيي - غابون عمر بانغو - غينيا أحمد سيكو توري - مالي موسى تراوري - سينيغال أحمد بوضياف، تشاد حسين هبري ثم ادريس ديبي..)، و بذلك بدأ زحف الهيمنة الاقتصادية و السياسية الأمريكية في القارة الافريقية من منطقة نيجيريا و سيراليون و ليبيريا و غانا و بنين و الكاميرون على مناطق النفود الفرنسي التقليدية و التاريخية المشار اليها أعلاه، حيث أرست فرنسا أنظمة دكتاتورية أصبحت شائخة مع الزمن و مفلسة سياسيا و متأزمة اقتصادية و مفككة اجتماعيا(القبلية). في حين شرع النفوذ الصيني الاقتصادي يمتد كبقعة زيت من افريقيا الشرقية ( طانزانيا - كينيا - السودان - اثيوبيا..) نحو بلدان افريقيا الغربية حيث النفوذ الفرنسي. نعم لقد انساق المغرب مع السياسة الفرنسية في المنطقة ، والتي تحن الى مرحلة الاستعمار و هذا ما تنظر اليه الولاياتالمتحدة بعين االريبة و التوجس. - ثالثا : بناء على ما سبق ليس غريبا أن يأتي هذا الموقف الأمريكي كرد سريع على ما تبين للأمريكيين من شروع المغرب في صيانة و حماية المصالح الفرنسية المهددة في العديد من الدول الإفريقية، حيث جاء هذا الموقف مباشرة بعد زيارة الملك محمد السادس لمعاقل النفوذ الفرنسي بافريقيا، واعلانه الاستعداد للانخراط في انجاز الأجندة الفرنسية في تلك الدول من خلال فروع شركات مغربية يملك الفرنسيين غالبية أسهمها، و كانت دور المغرب في دعم العمليات العسكرية الفرنسية في الشمال المالي من أبرز تجاليات ذلك الارتهان للسياسة الفرنسية، و هذا ما تم تتويجه بزيارة الرئيس الفرنسي للمغرب مباشرة بعد نهاية زيارة الملك محمد السادس الإفريقية، حيث فهمت زيارة الرئيس الفرنسي على أنها لم تأتي إلا من أجل تقديم الشكر و الرضى بما ينجزه المغرب من أجل فرنسا في القارة الافريقية، و تقديم الجانب المغربي للرئيس الفرنسي مخلص انجازاته لصالح فرنسا في الزيارة الافريقية، و لذلك فقد كان منتظرا أن يكون هناك رد فعل أمريكي حول هذا الانحياز المغربي الى المصالح الفرنسية الإفريقية، الذي لم يكن معروفا هو الصيغة و الشكل الذي سيكون عليه هذا الرد فعل، الذي ليس في الحقيقة سوى انذارا للمغرب من أجل مراجعة أوراقه الدبلوماسية ، قصد اتخاذ موقف متوازن و بنفس المسافة من المصالح الفرنسية و الأمريكية في القارة الافريقية، خاصة و أن القرار الأمريكي ليس سوى طلب للأمم المتحدة من أجل اظافة مهمة مراقبة حقوق الانسان الى مهام المينورسو في الصحراء المغربية في الدورة المقبلة لمجلس الأمن الدولي ، هذا الطلب الذي يحتاج الى مصادقة من طرف المجلس ، مما يعني أنه لازال في حاجة الى التعبئة و حملات التواصل في أروقة الأممالمتحدة و مجلس الأمن. - رابعا: وبسبب هذا الارتهان للمصالح الفرنسية ، لم تنجح الدبلوماسية المغربية بحملاتها الاعلامية و الدبلوماسية لدى الأمريكيين في ربط البوليساريو و مخياماتها في تندوف بالحركات الجهادية في الصحراء الكبرى، سعيا لدى الغرب الى تصنيف البوليساريو في لائحة المنظمات الارهابية، فرغم كل ما قدمه المغرب من دعم أمني للولايات المتحدة في محاربة الارهاب، فان ما يسعى اليه من ربط البوليساريو بالإرهاب لم يكلل بالنجاح بسبب هذا الانسياق مع المصالح الفرنسية في المنطقة، بل أتى الموقف الأمريكي في توسيع مهام المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان على شكل جزاء سينمار على انخراط المغرب الى جانب الولاياتالمتحدة منذ أحداث 11 سبتمبر2001 في محاربة الارهاب بدون قيد أو شرط ، ذلك أن الولاياتالمتحدة لا تهمها قضية الارهاب في شمال مالي جنوبالجزائر و الصحراء الكبرى أكثر من مصالحها الحيوية في الدول الافريقية الأخرى، التي تسعى فيها شركاتها الى الهيمنة على أسواقها، و التي تقف فرنسا كعائق أمامها. - خامسا : ارتهان الدبلوماسية المغربية للمصالح الفرنسية في افريقيا، سيجعلها تفقد ايجابية الموقف الأمريكي المتوازن من قضية الوحدة الترابية، كما يمكن أن يفقد العديد من مواقع الدعم للموقف المغربي في الصحراء، مثلما حدث في فقدان دعم دولة افريقية كبرى من حجم جنوب افريقيا، بسبب أخطاء فادحة ارتكبت من طرف المغرب في عهد نظام العنصري بجنوب إفريقيا، عندما كان المغرب يقتني صفقات أسلحة سرية من نظام الأبارثايد العنصري في بريتوريا، في وقت كانت الأممالمتحدة آنذاك تفرض فيه حصارا اقتصاديا على النظام العنصري ، فاذا بالمغرب يخترقه سريا، وهذا ما تمكنت حكومة جنوب افريقيا بعد سقوط النظام العنصري في بداية التسعينيات من القرن الماضي من اكتشافه ، حيث سيطلع رفاق نلسون مانديلا عند تنقيبهم في أرشيفات النظام العنصري على مدى تورط المغرب في التعامل مع نظام الأبارثايد في وقت تقاطعه فيه مختلف دول العالم ، مما جعلهم يغيرون موقفهم من المغرب و من قضية الصحراء المغربية ب 180 درجة ، حيث اعترفوا بجبهة البوليساريو الانفصالية ، وصاروا يدعمونها في مختلف المحافل الدولية، رغم أن المغرب كان سباقا في دعم منظمة المؤتمر الوطني الافريقي بقيادة نلسون مانديلا منذ السيتينيات الماضية. تلكم بعض الخلفيات و الأهداف التي يمكن أن تساعد أن مراقب و متتبع للتحول في الموقف الأمريكي من قضية الصحراء ، و الذي لم تكن فيها حقوق الانسان و زيارات وتقارير المنظمات المدنية و الحقوقية الأمريكية حول حقوق الانسان بالصحراء سوى أدوات لحماية المصالح الاستراتجية لأمريكا و وسائل لتحقيق تلك المنافع الاقتصادية.