'فاطيم' صبية أخرى من صبايا المغرب اللواتي لم يُنصفن في زمن الإنصاف و المصالحة, لم يُكتب لها أن ترى من الدنيا سوى وجهها البشع و أيامها المبتئسة خلال حفنة السنوات القليلة التي عاشتها. أي معلمة هاته التي تعذب بنات الناس و نأتمن عليها أبناءنا في القسم؟ و أيُ جيل سيتخرج على يديها؟.. كيف تجرأت 'سهام' على توجيه سهام حقدها الدفين لفاطيم و كيف طاوعتها نفسها على أن تُحرق جسدا غضا تقاذفت الظروف صاحبته حتى أوصلتها إلى معلمة جائعة للتعذيب بصمت آثار غضبها اللعين على جسد فاطيم النحيل ثم تركته ليتعفن كقطعة إسفنج مهملة..! من تكونين يا أنت؟ كيف تسمحين لنفسك بالتطاول على جسد طفلة في عمر ابنتك؟ و من أذن لك بوأد أحلام فاطيم المبتورة أصلا, و من منحك حق تقرير مصير الصبية و إنهاء سنوات عُمرها بهذه السرعة؟ بل.. من كان يعرف شيئا عن أحلام فاطيم التي أجهضتها أيدي تلك المشغلة الممعنة في السادية؟ لا أظن أنها كانت تحلم بأن تُفتح لها طاقة القدر كما فُتحت لآخرين.. كأن تُبتعث مثلا للدراسة في إحدى الجامعات الأوروبية العريقة على نفقة الدولة, لتعود بعدها و تجد في انتظارها عملا مريحا براتب ضخم في أرقى المؤسسات العمومية.. لا أظن أن فاطيم كانت تحلم بأن يُمسك الساحر 'ميسي' يدها في إحدى أمسيات عطلة نهاية الأسبوع لتصحبه إلى رقعة الملعب الأخضر أمام عيون و كاميرات القنوات العالمية.. بل ربما لم تتمتع في حياتها قط بعطلة أسبوعية فأشغال المنزل لا تنتهي و الطبخ و التنظيف و الجلي و الكوي.. أمور تتكرر طوال الأسبوع ! ربما كانت أحلام فاطيم أبسط بكثير مما يعتقد أي منا.. كأن تعود ذات يوم إلى بيت أهلها المتواضع في قرية 'أوناين' المنسية خلف جبال تيزي نتاست, أو أن ترجع إلى دائرة قريناتها لتكمل برفقتهن أحاديث الطفولة عن أمنيات المستقبل.. , أو ربما كانت تحلم فقط بأن تستفيق صباحا على صوت أمها تناديها لتناول وجبة الفطور الجاهزة و أن تُهدهدها مساء حتى تنام.. ! فاطيم قُتلت أكثر من مرة.. قُتلت عندما وُلدت في كنف وسط فقير يُعول عليها أن تخرج للعمل و عودُها طري لم يشتد بعد لتأتي بثمن اللُقيمات اليومية و تطعم أسرة تتكون من أم و أب و ثمانية أطفال, قُتلت عندما أُجبرت على مغادرة مقاعد الدراسة بعدما أتى مدير إعدادية القرية ذات صباح ليأخذها مبتهجا إلى ابنته التي ستُشغلها عندها مُغرقا أهلها بالوعود الوردية.. فاطيم ستدرس و ستتعلم حرفة تقيها شرور الزمن و عملها سيقتصر فقط على مجالسة طفل صغير! قُتلت فاطيم أيضا.. عندما ولجت بيتا سيدتُه معلمة يُفترض أنها تُربي الأجيال و سيدُه رجُل أمن يُفترض أنه يحمي الوطن و المواطن, قُتلت عندما وجدت نفسها ممنوعة من رؤية أهلها حتى في الأعياد.. يكفي أنهم يتوصلون بأجرها الشهري المرتفع جدا حتى أنه وصل إلى 350 درهما, و قُتلت مرة أخرى عندما أُحرقت أطرافُها و تُركت لتنزوي في رُكن من البيت حتى صارت جُثة خمجة لم يجد الزوجان بُدا من نقلها إلى المستشفى ! كثيرات مثل فاطيم و كثيرون مثلها.. يتقاسمون نفس المعاناة و يشتركون في نفس القضية.. و أرقامُ المنظمات الدولية تكشف مدى جسامة ملف تشغيل الأطفال القاصرين في المغرب,و من بينها منظمة اليونيسف التي أعلنت أن ما بين 30 إلى 40 ألف طفلة يقل عمرهن عن 15 سنة يتم تشغيلهن في البيوت فيما عممت المندوبية السامية للتخطيط الرقم عندما تحدثت عن 140 ألف حالة لعمالة الأطفال في المغرب هذا دون احتساب عمالة البيوت. فاطيم قُتلت أيضا.. عندما تجاهل ممثلو الأمة مُصابها الجلل و واصلوا سُباتهم دون أن يقوموا على سبيل الرمزية بعقد دورة استثنائية و مستعجلة لمناقشة حالتها و دراسة الأسباب التي تجعل من قرية أوناين و غيرها من القرى مزارع خصبة لتصدير خادمات البيوت.. و سارعوا على النقيض من ذلك إلى عقد دورة استثنائية عاجلة بسبب زيارة الرئيس الفرنسي و حرصوا على الحضور بكثافة تثير الدهشة.. فاطيم قُتلت مرة أخرى.. عندما واصلت الحكومة تلكؤها لإخراج قانون يمنع تشغيل الخادمات داخل البيوت و يُجنب مثيلاتها نفس المصير, القانون بقي حبيس الرفوف منذ الحكومة السابقة التي لم تألو جهدا في مدحه حينها قائلة إنه يمنع تشغيل الأطفال ما دون 15 سنة و يضع شروطا بالنسبة لتشغيل الأشخاص بين 15 و 18 سنة و ينظم مسألة الأجرة و العطلات الأسبوعية و السنوية.. بأي ذنب قُتلت فاطيم؟ لا أعرف.. أعرف فقط أن كرامة هذا الوطن في كرامة بناته و أبنائه أو هكذا يجب أن تكون !