آخر اجتماع للمجلس الوزاري الذي يرأسه الملك انعقد في شهر دجنبر الماضي ، أي قبل حوالي سبعة أشهر كاملة . وبعد كل هذه الشهور الطويلة من الانتظار ، وقعت أحداث كثيرة كانت تستحق فعلا أن تعقد من أجلها اجتماعات عاجلة بين الملك وأعضاء حكومة الفاسي من أجل اتخاذ التدابير والاجراءات اللازمة حيالها ، ولكن شيئا من هذا القبيل لم يحدث . "" ولعل أبرز حدث كان يستدعي انعقاد المجلس الوزاري هو ما حدث مؤخرا في سيدي إفني ، حيث استيقظ عهد سنوات الجمر من القيلولة القصيرة التي كان غارقا فيها ، وكانت مناسبة اغتنمتها قوات الضريس وبنسليمان والعنيكري كي تذكر الجميع بأن الماضي المغربي المتميز بالجمر والرصاص والدم لم يمت بعد . الغريب في الأمر هو أن هذه الأحداث المأساوية التي أهينت فيها كرامة المغاربة أجمعين وليس كرامة الباعمرانيين فقط ، لم ترغم الملك على قطع إجازته التي كان يقوم بها إلى القارة الأسيوية من أجل العودة إلى المغرب لتهدئة الوضع ، ما دام هو الحاكم الحقيقي في البلاد وليس عباس الفاسي ، وترك الأمر بيد جنرالاته الذين وجدوها مناسبة مواتية لممارسة ساديتهم على الأبرياء من المواطنين . إذا لم يلتئم مجلس الوزراء عندما تقع أحداث خطيرة كهذه ، فما الفائدة من التئامه بعد مرورها ، بل وما الفائدة من وجوده أصلا . ففي الدول الديمقراطية أول شيء يتم القيام به في مثل هذه الحالات هو أن الحكومة تعقد اجتماعا طارئا يجتمع فيه وزراء الحكومة مع رئيس الدولة ، وإذا كان الرئيس في عطلة يكون مرغما على قطعها والعودة على وجه السرعة إلى البلاد ، وليس كما فعل الملك الذي عوض أن يقطع زيارته إلى آسيا والعودة فورا إلى المغرب قرر تمديد إجازته وقضى مزيدا من أيام الراحة والاستجمام في فرنسا ! ولكن عندما نعرف أن الملك لم يغادر المغرب حتى اصطحب معه معظم أعضاء ديوانه ومستشاريه ، سنفهم أن اجتماعه بوزراء حكومة عباس ليست له أية أهمية ، فالحكومة الحقيقية التي تسير شؤون المملكة تتكون من حاشية الملك التي لا تفارقه أينما حل وارتحل ، أما هؤلاء الوزراء السمينون الذين نشاهدهم كل مساء على شاشة التلفزيون فليسوا سوى مجرد ممثلين يلعبون دور أرنب السباق ، بينما الأبطال الحقيقيون هم أولائك الذين يعملون في السر بجانب الملك ، ولا يظهرون في التلفزيون ولا في أي مكان آخر ، وربما حتى شمس الرباط لا ترى وجوههم البيضاء ! وهذا هو الحال الذي كان عليه السيد فؤاد عالي الهمة ، حيث لم يسبق لأحد أن سمعه يتحدث إلى ميكروفون التلفزة عندما كان ثاني أقوى رجل في الدولة . هذا إذا افترضنا فقط أنه لم يعد يتمتع بهذه الصفة . لأنه حتما سيعود إلى "مكانته المرموقة" عاجلا أم آجلا ! وسيعود بلا شك إلى صمته الأبدي بعد ذلك . ومن يعش ير . وإذا كانت حاشية الملك هي التي تسير شؤون المملكة سواء عندما تكون حاضرة هنا أو أثناء سفر الملك ، فيمكننا أن نقول بأن المغرب ربما يكون هو البلد المستقل الوحيد الذي يتم تسيير شؤونه الداخلية انطلاقا من دول أخرى كما يحدث مع قادة الدول المحتلة التي يشتغل زعماؤها انطلاق من دول المنفى . ولعل أكبر دليل على أن أعضاء حكومة عباس الفاسي ليسوا سوى مجرد كراكيز يظهرون على الخشبة السياسية في الوقت الذي يوجد الوزراء الحقيقيون خلف الستار هو أن المجلس الوزاري الأخير تمت المصادقة فيه على ستين نص قانوني ، وفي زمن قياسي لم يتعد ستين دقيقة ! ماشي لعب الدراري هادا . بمعنى أن كل نص قانوني تخصص له فقط دقيقة واحدة من أجل المصادقة عليه . دقيقة واحدة لا تكفي حتى لقراءة البسملة وفتح الملف الذي يحتوي على نص القانون . فما بالك إذا أضفنا إلى ذلك المدة التي يستغرقها الوزراء في تلاوة عبارات المديح والولاء لصاحب الجلالة الذي يرأس الاجتماع ! إنها حقا أضحوكة سياسية لا يمكن أن تحدث إلا في المغرب . وعندما نسمع عن المصادقة على كل هذه القوانين فلا يجب أن يذهب خيالنا بعيدا ، فهناك مثلا قانون تمت المصادقة عليه بحضور الملك يقضي بالرفع من الحد الأدنى للأجور ، وذلك بنسبة ... عشرة في المائة ! نصف هذه الزيادة سيشرع في تطبيقها هذه السنة ، والنصف الباقي لن يستفيد منه الأجراء إلا في سنة 2010 ، وربما يكون الجميع في ذلك التاريخ قد نسي أن الدولة قد صادقت على هذا القانون ، وبالتالي تكون تلك الخمسة بالمائة المتبقية قد ذهبت أدراج الرياح ! بصراح لقد تملكني شعور بالخجل وأنا أرى المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك غير قادر على الزيادة في أجور العمال سوى بهذا القدر المخجل الذي لن يكلف الدولة سوى مبلغ ألف مليار سنتيم ، وهو المبلغ نفسه الذي ضاعت منه الخزينة العامة للملكة بعد تفويت مئات الكهتارات من الآملاك المخزنية وأراضي الأحباس إلى مجموعة الضحى . ولكي تكتمل الفرجة فإن بخل الدولة تضاعف لدرجة أن الزيادة في التعويضات العائلية لم تتعد خمسين درهما لكل طفل ، هذا بالنسبة للذين لا يتجاوز عدد أطفالهم ثلاثة ، لينتقل مبلغ التعويض من 150 درها إلى 200 درهم في الشهر ، وهو مبلغ زهيد لا يكفي حتى لشراء علبة حليب من الصيدلية . إيوا طلعنا الدراري بكري ! وربما نفهم من تلك السرعة التي صادق بها المجلس الوزاري على هذه النصوص القانونية بكونها فعلا تدعو إلى الخجل ولا تشرف سمعة المملكة ، لذلك أرادو أن يتخلصوا منها بأقصى سرعة ممكنة ! الأمر يدعو فعلا إلى الاستغراب والضحك ، وقد كان على الصحافة الوطنية أن تدرج خبر انعقاد المجلس الوزاري الذي تمت المصادقة فيه على كل هذه القوانين الكثيرة في سرعة قياسية تؤهل المغرب لدخول كتاب غينيس للأرقام القياسية في صفحة المنوعات ، عوض أن تخصص له تغطية واسعة على صدر صفحاتها الأولى . المشكل الحقيقي الذي يعاني منه المغرب هو أنه يعرف فراغا مهولا على الصعيد السياسي . صحيح أن لدينا برلمانا بغرفتين ، لكنه لا يصلح سوى لنوم البرلمانيين ، ولدينا حكومة يقودها وزير أول تتجلى مهمته الأساسية في استقبال ضيوف المملكة من الدرجة الثانية وتلاوة الرسائل الملكية في المؤتمرات الوطنية والدولية ! ولدينا مشكل آخر وهو أن السياسيين المغاربة ليسوا محترفين ، بمعنى أنهم يمارسون السياسة كهواية ، تماما كما يفعل لاعبو كرة القدم في البطولة الوطنية ، لأن السياسيين عندنا لم يأتوا إلى عالم السياسة من مدارس السياسة ، بل أتوا إليها على ظهر رؤوس الأموال الضخمة ، التي يريدون تسمينها عبراحتلال منصب مهم في هرم السلطة . زيد الشحمة فظهر الملوف . الانتخابات التي تجرى في المغرب على سبيل المثال ليست سوى مناسبة شكلية يذهب فيها الناس إلى صناديق الاقتراع كي يتوهم العالم أن المغرب بلد ديمقراطي ، وعندما تنتهي هذه الانتخابات لا تنبعث الحكومة من نتائجها ، ولكن القصر هو الذي يختار الوزراء الذين سيشكلونها ، بينما كل ما يفعله النواب الذين فازوا هو قضاء أوقات ممتعة من النوم الهاديء على الكراسي الناعمة داخل البرلمان ، هذا بالنسبة للقليلين الذين يحضرون ، أما الأغلبية فلا تحضر إلا عندما يفتتح الملك السنة التشريعية يوم الجمعة الأول من كل أكتوبر . واليوم نسمع أن المجلس الوزاري بدوره لم ينعقد منذ سبعة أشهر كاملة ، وعندما انعقد أخيرا لم يستغرق سوى ساعة واحدة . فهل تكفي ساعة واحدة للنظر في كل المشاكل العويصة التي ترسبت على ظهر هذا الوطن الحزين طيلة كل هذه الشهور الطويلة . وهل تكفي ساعة واحدة للمصادقة على ستين نص قانوني هي التي ستحكم حياة المغاربة مستقبلا . نحن إذن أمام فراغ سياسي مهول . فراغ يمكن ملأه عن طريق حلين اثنين ، إما أن يتخلص الملك من صلاحياته التنفيذية ويمنحها للوزير الأول ، وإما أن يتخلص من حكومة عباس الفاسي ويبقي على الحكومة المصغرة التي تعمل بجانبه في القصر ، كي تكون لدينا حكومة واحدة وليس حكومتان . هكذا على الأقل ستكون الأمور واضحة جدا ، وستستريح خزانة الدولة من دفع مئات الملايين من الدراهم التي تذهب إلى جيوب هذا الجيش من الوزراء بلا فائدة ! أما الذي يحدث اليوم فهو أننا نتوفر على حكومة حقيقية تتشكل من حاشية الملك وحكومة وهمية يقودها القائد عباس الفاسي . ها العار يلا ما لقاو شي حل لهاد المشكل ، وكفى من هذه الهواية السياسية التي ظل كل من هب ودب يمارسها في هذه المملكة منذ الاستقلال إلى اليوم . فالمغاربة يستحقون أن يتم تسيير شؤونهم من طرف سياسيين مخضرمين ، وليس من طرف هواة كل ما يستطيعون فعله هو التهام صحون كعب الغزال في اجتماعاتهم المملة ! [email protected] almassae.maktoobblog.com