المملكة المتحدة خسرت "زعيمة كبيرة" و "رئيسة حكومة كبيرة" و "بريطانية بارزة.."، بهذه الكلمات نعى رئيس الحكومة، دايفيد كاميرون، واحدة من أهم وجوه المشهد السياسي البريطاني، مارجريت تاتشر، بعد رحيلها هذا الصباح على إثر أزمة قلبية عن عمر يناهز 87 سنة. اللورد تيم بيل وهو المتحدث باسم عائلة الراحلة، أبلغ الرأي العام أن مارك و كارول تاتشر ينعيان والدتهما بكثير من الحزن و الأسى بعد فقدانها صباح الاثنين 8 أبريل. ولدت مارجريت في 13 أكتوبر 1925 داخل أسرة متوسطة حيث كان و الدها يزاول مهنة البقالة، انتخبت رئيسة للوزراء سنة 1979 بعد فوزها على حزب العمال في الانتخابات العامة. شدَّدت حكومتها الأولى 1979 الى 1983 من سياستها النقدية، وسمحت بارتفاع نسبة العاطلين عن العمل في صفوف المواطنين ثم ألغت الرقابة على الأسعار. أواسط الثمانينيات، دفعت الزعيمة المحافظة عمال المناجم إلى التخلي عن إضراب استمر عامًا كاملاً بعد أن رفضت تاتشر تعديل برامج مجلس الفحم الحجري الوطني الخاصة بإغلاق المناجم. باعت حكومة تاتشر للقطاع الخاص شركة الطيران و الاتصالات ومؤسسات الصناعة النفطية والغازية التابعة للدولة وشركات بناء السفن العمومية في أكبر موجة خوصصة شهدتها بريطانيا المعاصرة، وشرعت نصوصا قانونية قلمت بها أظافر نقابات العمال بينما كانت أرباح الشركات الخاصة في ازدهار مطرد. سياسات تاتشر، رغم عدم شعبيتها، ضمنت لها الفوز في الانتخابات من جديد وأصبحت بذلك أول قائد سياسي بريطاني يكسب ثلاثة انتخابات وطنية متتالية. على المستوى الخارجي بصمت "المرأة الحديدية"، كما كانت تلقب، الساحة الدولية بالحرب التي شنتها ضد الجيش البريطاني فيما سمي بحرب "الفوكلاند". سنة 1982 احتلت القوات الأرجنتينية جزر فوكلاند، التي تخضع للإدارة البريطانية، الواقعة جنوب المحيط الأطلسي، بعد خلاف طويل بين بريطانيا والأرجنتين حول السيادة على هذه الجزر. وتبعًا لذلك أرسلت تاتشر قواتها لاستعادة تلك الجزر حيث استسلمت القيادة الأرجنتينية هناك في يونيو 1982 بعد إصابة الجانبين بخسائر كبيرة. تاتشر سجلت نقطة أخرى في رصيدها السياسي بعد نجاحها في توقيع معاهدة مع الصين تعهدت بموجبها الحكومة الشيوعية بالمحافظة على الاقتصاد الرأسمالي للمستعمرة البريطانية "هونج كونج" لمدة خمسين عامًا بعد عودتها للسيادة الصينية. سنة 1990 تقوت شوكة المعارضة بزعامة الحزب العمالي ضد تاتشر، التي عمدت بحسها السياسي المرهف الى الاستقالة بعد أن تأكدت من عدم قدرتها على ربح رهان انتخابات يتزعمها المحافظين فتم انتخاب "جون ميجر" خلفًا لها. احتفظت مارجريت تاتشر بمنصبها داخل مجلس العموم البريطاني حتى سنة 1992 حيث منحت في العام نفسه لقب "البارونة"، وأصبحت عضواً بمجلس اللوردات. مارجريت تاتشر تبقى و بعد وفاتها، أول وآخر امرأة وصلت إلى مركز رئاسة الحكومة في بلد يعد من أعرق الديمقراطيات في العالم، حيث إمرأة أخرى هي الملكة إليزابيث، تجلس على عرش رمزي في مملكة يحكمها دستور غير مكتوب.