الوطنية لا تحتاج الى نشيد أو كُتب تُدرس في المدارس كي نغرسها في نفوس ابناء الوطن، بل هي شعور يتخلل الى النفس عندما يصون الوطن انسانيتك و كرامتك ويعطيك حقوقك و حريتك دون منّة من احد ويساوي بينك و بين ابن ليس السلطان بل على الاقل ابن الوالي و يسهل عليك الحياة و يعاملك كأنسان فتحبه و تعشقه و تموت لاجله و أخيرا تكون وطنيا بصورة ذاتية، اما وزارة خاصة تقدم لك كلام على الورق في المدارس و بدون عمل هذا هراء و لا يُكوّن اي وطنية عند الفرد. عشت ستة و ثلاثين عام في وطني الام، و كانت كلها غربة و ان أقسى غربة هي الغربة التي تعشها بين اهلك و شعبك في وطنك الام، فيه تولد متهماً بالجرم الاعظم: ان كنت سنيا يجرمك الشيعي و ان كنت عربيا يجرمك الامازيغي او الكردي و العكس صحيح و احيانا انت مجرم لانك ولدت في المدينة س لان المدينة ص التي تتبع السلطان تكره مدينتك، عشت هذه السنين مجرد من انسانيتي لا املك روحي بل هي ملك السلطان، غير آمن في بيتي أنام بعين مغمضة و اخرى مفتوحة و اذا طرق الباب شخصا ما ليلا ترتعد ركبتاي و يغيب الدم من وجهي رعبا من الزائر الليلي ان يكون من زبانية السلطان!. في بيوتنا مع عائلاتنا كنا نخاف ان نعبر عما يخلج في صدورنا اعتقادا منا ان للجدران أذان تنقل افكارنا للسلطان! كانت الارض و باطنها و السماء و هوائها و الماء و الشجر و البشر في وطني ملك السلطان، لم يبقى لي شيئاً في وطني غير ان اكون عبداً ليس لله بل للسلطان، و كانوا يدرسوننا مادة التربية الوطنية في المدارس و يعلموننا النشيد الوطني و يريدون منا بالقوة ان نكون وطنيين! اليس هذا هراء؟ لذلك لم ادرك معنى الوطنية و لم يلامس وجداني ابداً بل كرهت وطني و قررت الفرار منه الى الارض التي ولد فيها الاسلام ارض نجد و الحجاز معتقدا ان اهلها عربا يحملون شيم حاتم الطائي و عروة بن الورد و عنترة بن شداد و اخلاق نبي الرحمة محمد ص و هناك على الحدود استوقفوني شرطة الحدود و أخبرتهم اني هارب من وطني اريد اللجوء عندكم و كان ردهم ان ضربوني و كسروا اضلاعي امام اعين اولادي و زوجتي! اتعرفون لماذا؟ لأني مجرم منذ الولادة حيث ولدت على ملة أبواي المخالفة لملتهم. ثم بقدرة اللطيف وفقت باللجوء الى هولندا،هذا البلد لا تربطني به رابطة دم و لا دين و لا تاريخ و لا لغة و لا جوار الا الانسانية، و فيه خلال اسبوعين اعطوني الاقامة الدائمة لي و لزوجتي و أطفالي الستة، ثم صانوا كرامتي كأنسان و اسكنوني في بيت مجهز و صرفوا لي راتبا شهريا و وفروا لنا الدراسة في مدارسهم المتطورة و كل مستلزمات الحياة الكريمة ثم بعد خمس سنين منحونا الجنسية و حينها ادركت ما معنى الوطنية بدون ان احفظ نشيدهم الوطني و لا دراسة مادة التربية الوطنية في مدارسهم. و الآن اريد ان اقول للكاتبة المحترمة رباب العاجي التي كتبت مقالا رائعا على جريدة هسبرس الموقرة بعنوان (خواطر طالبة مغربية في بلاد الروس) لنأخذ نظرة سريعة على وطننا: الاحياء الجامعية فيه تحولت الى اوكار للدعارة تباع فيها لحوم البشر بأرخص من لحم السردين! كما اصبحت عصابات الدعارة تنشط في مدارسنا و تصطاد بناتنا هناك، كما اصبحنا بين حين و آخر نقرأ في الجرائد عن اغتصاب الاطفال في المدارس بل و حتى في الرياض. شوارع الوطن فهي مليئة بالعاهرات و السواح الذين يجوبون شوارعنا من كل انحاء الكرة الارضية لسفك دماء العذرة على فراش العهر و بلغ الامر حتى مع اطفالنا القُصّر. كما ستجدين نسبة جرائم الاغتصاب مرتفعة مع الاحياء و حتى مع الاموات. في وطننا يقف القاضي حائرا امام تزايد جرائم زنا المحارم، و تتسائل احدى الفتيات ماذا يكون هذا الذي في احشائي عند ولادته هل يكون اِبني ام أخي؟ عيادات الاجهاض التي تدار بواسطة الاطباء و غير الاطباء تملأ مدننا و التي تُقطّع فيها الاجنة الى اشلاء في ارحام بناتنا، و كم بنت تجهض يوميا فقط الله وحده يعلم. في وطننا ستجدين الرضع يتخلى عنهم في الازبال و على ارصفة الشوارع. ظاهرة تفكك الاسر اصبحت طبيعية، و اصبحت بناتنا في عمر الزهور يهربن من بيوت الاهل لتتلقفهم العصابات التي تتاجر بلحوم البشر. في وطننا يسهرن بناتنا على الانترنت امام الكامرة الى الصباح عارضات اجسادهن في سوق النخاسة الالكتروني عسى و لعله يحضين بذي عقال من الخليج او ذي عيون زرقاء من اوربا. في هذا الوطن سترين غالبية البنات يحلمن بالهجرة الى فراديس الخليج و اوربا. في وطننا ستجدين الشرطي يمرغ كرامة المستضعفين بالوحل اذا لم يعطوه الاتاوة، في حين ترينه متملقا و ذليلا امام المستكبرين. اما قضاة الوطن فبسعر بخس يبيعوا ضمائرهم، و اخطر المجرمين ممكن يشتري برائته بالمال، كما بالمال ممكن تجرمين البريء. في مستشفيات الوطن تسحق كرامة المريض من قبل موظفين قلوبهم كالحجر خالية من الرحمة لدرجة اصبحت حرائرنا تلد على الرصيف امام المشفى، كذلك جرائدنا دائما تناشد اهل الرحمة ليدفعوا تكاليف علاج مريض على فراش الموت. يا سيدتي بسبب غلاء العلاج اخذ مرضانا يتعالجون بالدجل و الشعوذة او بعلاجات العصر احجري. اما الامراض النفسية صدقيني اكثر من نصف شعوبنا مصاب بها. نحن مسلمون و بلدنا من المصدرين الرئيسيين في العالم للمخدرات، و يخرج احد وزرائنا ليقول الكيف ثروة وطنية. كما أن شعبنا من المستهلكين النهمين للخمور، و اسواقنا نشطة في تجارة الخمور!. في شوارع هذا الوطن ستجدين جيوش من المتسولين رجالاً و نساءاً شيباً و شباباً و اطفالً يبحثون عن الخبز. و ستجدين رجالاً و نساءاً يبحثون في قمامة الأثرياء عن بقايا الطعام لعيالهم. في وطننا ستجدين نصف الشعب امي و يسودهم الجهل، يحلون مشاكلهم بالدجل و الشعوذة و السحر، و فيه يُختطفوا الاطفال الزوهريين و يذبحوهم بخرافة استخراج الكنوز. كما ستجدين الكذب و الخداع و الغش و الحسد و النفاق و التملق و ازدواج الشخصية و العنف وووو الخ اصبحت ظواهر طبيعية الى ان اخذنا نتوارثها في الدم اي اصبحت في كروموساماتنا. بأختصار اصبح هذا الوطن يجرد الانسان من انسانيته، و يقتل شعور الوطنية في الوجدان، و ان أرض الله واسعة و اي مكان يصون كرامتي و انسانيتي هو وطني و سأحمل مشاعر الوطنية له في عقلي و وجداني.