كشفت دراسة جديدة أن المغرب لا يستغل كل إمكانياته الضريبية مع وجود فجوة ضريبية غير مستغلة تمثل حوالي 6.7 نقاط من الناتج الداخلي الخام، ما يعني ضياع مليارات من الدراهم سنويا. جاء ذلك في ورقة بحثية أعدها الباحث هشام الدغمي، نشرها بنك المغرب الأسبوع الجاري، بعنوان: "قدرة تعبئة الإيرادات الضريبية بالمغرب"، تطرق فيها للمداخيل الضريبية المحققة والممكنة وتقييم الضائع منها. واعتمد الباحث، المشتغل في قسم البحوث في البنك المركزي المغربي، في دراسته، على تحليل مقارنة للقدرة الضريبية في 76 دولة نامية، بما في ذلك المغرب، خلال الفترة الممتدة من 1980 إلى 2017 باستخدام أحدث جيل من النماذج الحدودية العشوائية. وتشير خلاصات الدراسة إلى أن المغرب، ما بين 2013 و2017، لم يستغل بشكل كامل قدرته الضريبية، ويتوفر على هامش ضريبي غير مستغل يمثل 6.7 نقاط من الناتج الداخلي الخام، وهو الهامش الذي يصل في الدول ذات الدخل المنخفض إلى 4.1 نقطة، وحوالي 6.1 نقطة في البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى. وقالت الدراسة إن مستوى المداخيل الضريبية في المغرب يبقى منخفضا نسبيا مقارنة بالإمكانية المتوفرة؛ إذ خلال الفترة الممتدة من 2013 إلى 2017 كانت القدرة الضريبية المتوسطة للمغرب تناهز 27.2 في المائة من الناتج الداخلي الخام، في حين كانت المداخيل الضريبية المحققة في حدود 21.2 في المائة. وأكد كاتب الدراسة أن تنفيذ توصيات المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات المنظمة سنة 2019، من شأنه أن يؤدي إلى تحسين كفاءة تحصيل الضرائب من خلال تقليل الهامش الضائع من القدرات الضريبية. وبحسب الوثيقة ذاتها، فإن الضرائب تلعب دورا رئيسيا في مسار تنمية الدول. وبالنسبة للبلدان النامية، تعتبر تعبئة الإيرادات الضريبية أحد التحديات الأكثر إلحاحا؛ بحيث يجب عليها تمويل النفقات من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال خفض الفقر والتفاوتات الاجتماعية وتوفير خدمات عمومية بجودة عالية، خصوصا في التعليم والصحة، ناهيك عن الاستثمار في البنيات التحتية لدعم النمو الشامل. وذكرت الدراسة أن المغرب بدأ منذ سنة 1980 عددا من الإصلاحات من أجل تحديث نظامه الضريبي بهدف رفع الإيرادات، وفي سنة 2019 نجح في تعبئة مداخيل ضريبية تناهز 238.2 مليار درهم، ما يمثل 20.7 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وبذلك، تمثل الضرائب المصدر الرئيسي للتمويل؛ بحيث تغطي 74.5 في المائة من الميزانية العامة للدولة. وفي الوقت الذي أطلق فيه المغرب نقاشا وطنيا حول نموذج تنموي جديد، أكدت الدراسة أن المغرب في حاجة إلى مصادر تمويلية إضافية للبرامج الاقتصادية والاجتماعية الموجهة للحد من انتشار الفقر والتفاوتات. وأوردت الدراسة أن تباطؤ النشاط الاقتصادي والتشغيل الناتج عن أزمة فيروس كورونا المستجد سيؤثر بشدة على مالية الدولة على المديين القصير والمتوسط، مع انخفاض كبير في الإيرادات الضريبية وارتفاع في الإنفاق. لكن الباحث اعتبر أن أزمة كورونا تتيح فرصة للوقوف على كفاءة تعبئة المداخيل الضريبية والنفقات العمومية في المغرب، وهو أمر وصفه بأنه ذو أهمية كبرى في سياق يتسم بانخفاض الهبات وزيادة ديون الخزينة التي بلغت 65 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2019، ويرتقب أن ترتفع بشكل متسارع سنة 2020 لتصل إلى 75.3 في المائة. مقترحات لرفع الإيرادات قالت الدراسة إن المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات المنظمة سنة 2019 بينت الإرادة المستمرة لإصلاح النظام الضريبي الحالي، لكن هذه الرغبة يتوجب ترجمتها إلى سلسلة من الإجراءات والتدابير. وذكر الباحث الدغمي أنه بالنظر إلى كون المغرب يطبق مستوى مرتفعا جدا من الضرائب، فيجب بذل جهود لتوسيع القاعدة الضريبية لزيادة المواطنين الخاضعين للضرائب وتحسين تحصيلها وتعزيز المواطنة الضريبية. واقترحت الدراسة في هذا الصدد إجراءات عدة، منها رفع "فعالية الضريبة على القيمة المضافة" من خلال إصلاحها واعتماد ثلاثة معدلات (0 في المائة و10 في المائة و20 في المائة) في بداية الأمر، عوض خمسة حاليا، للوصول فيما بعد إلى معدلين فقط، معدل منخفض ومعدل عادي. وبررت الدراسة مقترحها في هذا الصدد بكون تعدد المعدلات يخفض بشكل طبيعي المداخيل الضريبية بما ينتج عنها من تكاليف إدارية إضافية، ناهيك عن خلقها لفرص التهرب والغش الضريبيين من خلال التصنيفات المغلوطة. المقترح الثاني المقدم ضمن هذه الدراسة يتمثل في "تحسين إنتاجية الضريبة على الشركات"، من خلال محاربة لجوء الشركات متعددة الجنسيات إلى تحويلات غير حقيقية للأرباح نحو دول أو مناطق تطبق ضرائب أقل. أما المقترح الثالث فيهم "إعادة النظر في معدلات وجدول الضريبة على الدخل" دون التأثير على المداخيل الضريبية أو تصاعديتها، وهو إجراء يجب مواكبته بإعادة توزيع عادل ومنصف للضغط الضريبي بين الأجراء والأشخاص غير الأجراء الممارسين لأنشطة مهنية. وبحسب المعطيات التي قدمتها الدراسة، فإن 73 في المائة من إيرادات الضريبة على الدخل سنة 2018 جاءت من الاقتطاعات من المنبع على الأجور، مقابل 5 في المائة فقط تأتت من لدن المهنيين. المقترح الرابع يدعو إلى "محاربة التهرب والغش الضريبيين" من خلال الرقمنة وما توفره من حلول عملية عبر جمع وتحليل المعطيات والمعلومات حول الخاضعين للضريبة بهدف رفع مستوى المداخيل الضريبية، وتحسين احترام الالتزامات الضريبية. ومع استمرار عدم اليقين المحيط بتطور جائحة كورونا وما يفرض ذلك من إيلاء اهتمام بالإنعاش الاقتصادي، أكدت الدراسة أن السياسة الضريبية سيكون عليها لعب دور كبير ومهم خلال فترة ما بعد الجائحة من أجل إعادة التوازن المالي وتغطية النفقات التي أفرزتها الجائحة. وشددت الدراسة على أن الإصلاح الضريبي، وفق الخطوط العريضة الصادرة عن المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات، يجب أن يتم تنفيذه بشكل تدريجي وتكييفه مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي الجديد بمجرد أن تنتهي أزمة كورونا.