كل فضائح التعذيب الكبرى في عهد محمد السادس ارتبطت باسم الجنرال حميدو لعنيكري الذي بدأت سيرورة الاندحار عندما لم يعد يتحكم في المعلومة الأمنية منذ أن سُحِبَ بساط مديرية الحفاظ على التراب الوطني من تحت قدميه وتعيين ياسين المنصوري على رأس مديرية الوثائق والمستندات بعد عزل عدد من رجال الجنرال المقربين. "" وعلاوة على تورط حميدو لعنيكري في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سنوات الجمر والرصاص، بدأت تتناسل الدعاوى المرفوعة ضده الآن، لاسيما بصفته القائم على أمور القوات المساعدة، ومنها الدعوى التي رفعتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في يونيو 2007 والتي ارتأت النيابة العامة حفظها، ودعاوى رفعها المعطلون وضحايا السبت الأسود بسيدي إفني، ناهيك عن دعوى ائتلاف الدفاع على الحريات التي هي في طور الإعداد. من الناحية المبدئية، كثيرون هم الذين يظنون أن هناك حاليا فرصة للمطالبة بمساءلة ومحاسبة الجنرالين بنسليمان وحميدو لعنيكري اللذان فلتا منهما أكثر من مرة، وقد ذهب البعض إلى القول إن لم تستدع لجنة التقصي البرلمانية الرؤوس الأمنية لمساءلتهم بخصوص ما وقع بمدينة سيدي إفني، فإنها ستقدم دليلا إضافيا أن مقاطعة الانتخابات من طرف أغلب المغاربة كان موقفا مازال القائمون على الأمور لم يستوعبوا بعد مدلوله وخطورته، وبالتالي سيحفزون المغاربة (الأغلبية الصامتة) على المزيد من المقاطعة، وهذا منحى من شأنه أن يشكل عاملا من عوامل عدم الاستقرار مستقبلا. في حين يرى آخرون أن الجنرال حميدو لعنيكري، بما له وما عليه، ما هو إلا نموذج للعقلية المخزنية التي سادت في العهد السابق ولازالت حاضرة بقوة، وبذلك يساهم في تقديم صورة مشوهة عن المغرب في مجال التدبير الأمني، وإن كان من الصعب مساءلته ومحاسبته، على الأقل يمكن استبداله بإطار أمني "نظيف" (حقوقيا) للحفاظ على المكتسبات المحققة في مجال حقوق الإنسان والتي أدى عليها العديد من المغاربة ثمنا باهظا. إن المطالبة بمحاكمة حميدو لعنيكري ليست أمرا جديدا، بل طالبت ولازالت تطالب أصوات بمساءلته ومحاكمته بفعل مسؤوليته بخصوص جملة من الأفعال والتجاوزات تقع تحت طائلة القانون، غير أنه إلى حد الآن يستثني القضاء المغربي بعض الأشخاص ويحاول سد كل المنافذ حتى لا يمثل أحد منهم أمامه، ولو بشكل صوري. فالقاعدة المعتمدة بهذا الخصوص هي حفظ القضية كلما تم الحديث عن انطلاقتها، وبالتالي فإنها تقبر بمكاتب النيابة العامة، وهذا ما وقع بخصوص شكاية الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المرفوعة ضد الجنرال حميدو لعنيكري، وفي هذا الصدد ارتأى الكثيرون، أنه كان من الأولى للقضاء المغربي أن يقف موقف الحياد ويتعامل مع الدعوى بكل استقلالية ويحكم ببطلانها إذا تبين له أن الطلب لا سند له، وبذلك يكون قد قام بمهمته، بشيء من الشفافية، ويضع حدا لكل الشكوك التي تثار بمناسبة حفظ أي ملف تكون فيه جهة أمنية أو شخصية وازنة طرفا فيه. فإذا كان المغاربة لا يجمعون على ذلك، فإن الكثير منهم يستحسنون إبعاده من دوائر المسؤولية منذ أن انكشف أمر عبد العزيز إيزو، باعتبار أن الجنرال كان على رأس الأمن الوطني وطبيعة مسؤوليته الأمنية، آنذاك كانت تجعله مطلعا على التقارير الداخلية والخارجية وتقارير سفارات وقنصليات المغرب بالخارج، وهذا ما دعا إلى شكوك كبيرة، حتى بعد تنحيته من الأمن الوطني وبعد انفضاح فشل "شرطة الموت"، فقد تراكمت أخطاء وتجاوزات رجاله كمفتش للقوات المساعدة، وتراكم ضحايا نتيجة همجية تدخلاتهم، والتي بلغت حدا لم يسبق له مثيل يوم السبت الأسود بسيدي إفني، حتى وإن لم يتم ثبوت وقوع أية وفاة إلى حد الآن، ويرى البعض تكرار تجربة "شرطة الموت" مع ميلاد "مردة الموت"، لذا يعتبر هؤلاء بأن هذا كاف وزيادة للمطالبة بمساءلة الجنرال حميدو لعنيكري، وذلك دون الحديث عن الملف الأسود ذي الصفة الدولية والمرتبط بالمخابرات الأمريكية (سي.إي. يا)، والذي هو الآن في طور الكشف من طرف الأمريكيين أنفسهم. إن رأس الجنرال لعنيكري، في نظر هؤلاء، ظلت مطلوبة حتى قبل تجاوزات القوات المساعدة واستئسادهم على المعطلين والمحتجين والغاضبين والحقوقيين، وقبل أحداث سيدي إفني، فقد اتضح الآن بروز حركة بالولايات المتحدةالأمريكية تطالب، بحدة، بكشف كل التجاوزات المتعلقة بحقوق الإنسان، ومن المنتظر أن تنجح لا محالة في إغلاق معتقل غوانتنامو، وربما تقديم بعض المسؤولين كأكباش فداء لطي الصفحة. علما أن لجنة من الكونغرس الأمريكي سبق لها أن طالبت بفتح متابعات في قضية التعذيب الذي مارسته المخابرات الأمريكية ضد المتهمين بالإرهاب، وقد تم ذكر اسم الجنرال حميدو لعنيكري كأحد المعنيين بالأمر بالمغرب، وذلك بعد أن تأكد أن الرباط استقبلت طائرة المخابرات المركزية الأمريكية أكثر من مرة فيما بين 2002 وفبراير 2005، كما كشفت مصادر أمريكية عليمة أن تلك الطائرة انطلقت من واشنطن وحطت بايرلندا ثم قبرص قبل أن تتوجه إلى مطار سلا. كما أنه، سبق لمنظمة "هيومن رايش" بهذا الصدد أن أكدت، في أكثر من تقرير، أن على الحكومة المغربية أن تتحرك لوضع حد لإفلات المسؤولين الأمنيين من العقاب ولتعزيز استقلال القضاء إن كانت جادة فعلا في ترسيخ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. ومن جهة أخرى، سبق لمنظمة العفو الدولية، بعد أحداث سيدي إفني، أن اتصلت بجمعية "سيدي إفني آيت باعمران"، سيما ممثلها بالعاصمة الفرنسية (باريس) للدفاع عنها إن تعرضت لأية مضايقة أو متاعب، خصوصا فيما يرتبط بمتابعة المسؤولين عن الانتهاكات التي لحقت بسكان مدينة سيدي إفني. كما أجمعت الجمعيات الحقوقية الفرنسية المنددة بما جرى بهذه المدينة، على ضرورة مساءلة المتورطين في التجاوزات الهمجية، وقيل، إن دعت الضرورة، سوف يعمل الحقوقيون والديمقراطيون المغاربة بالديار الفرنسية لخلق لجان للمطالبة بمحاكمة المسؤولين عن تلك الانتهاكات الحاصلة بسيدي إفني باعتبار أن الدولة المغربية التزمت أمام المجتمع الدولي باحترام حقوق الإنسان وعدم السماح بتكرار ما وقع خلال سنوات الرصاص، وقد قارن البعض ما يحدث حاليا بفرنسا في صفوف المدافعين على حقوق الإنسان بالمغرب بما حدث سنة 1984، إذ قام سياسيون مغاربة منفيون بفرنسا بخلق إطارات خاصة بهم من أجل دولة الحق والقانون بالمغرب. كما بدأت محاولات إعادة إحياء لجان ضد القمع بالمغرب، والتي سبق وأن تم حلها اعتقادا منهم أن البلاد عرفت انفتاحا ديمقراطيا، لكن أحداث سيدي إفني أعادت، في نظرهم، الأمور إلى نقطة الصفر، وفعلا لقيت هذه المحاولات دعما كبيرا من طرف الديمقراطيين والحقوقيين الفرنسيين. لقد أظهرت التدخلات القوية والشرسة للقوات الأمنية، في السنوات الأخيرة، بدءا من المعطلين والحقوقيين وصولا إلى أحداث سيدي إفني، أن العنف المتشدد والتدخلات الهمجية، مظاهر لنمط من أنماط التدبير والحكامة الأمنية المعتمدة رغم رفع يافطة التحول الديمقراطي و"طي صفحة الماضي"، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على عدم حدوث قطيعة فعلية مع الممارسات السلطوية للحكم، اعتبارا لاستمرار مفهوم "طاعة الرعية"، والذي سرعان ما ينمحي معه الماكياج من نوع "ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة" و"المشاركة السياسية" و"الانتقال الديمقراطي" و... الأكيد هو أن اسم الجنرال لعنيكري ظل يذكر باستمرار وبانتظام في التقارير الدولية منذ الحملات التي تلت 16 مايو 2003، ولم يكن يذكر مركز تمارة وما تمت فيه من تجاوزات إلا وقد وقُرِنت باسمه. والحالة هذه، يرى الكثيرون، أن أقل ما يمكن القيام به حاليا، بعدما تراكم عدد ضحايا رجال لعنيكري، هو التحقيق الجدي والمسؤول بخصوص استخدام القوات العمومية للقوة المفرطة، لأن رصيد الجنرال حميدو لعنيكري أضحى الآن ثقيلا، حتى ولو اقتصرنا على القوات المساعدة دون سواها، وفي هذا الصدد تساءل العديد من المواطنين، كيف يسمح القائمون على الأمور باستنساخ تجربة "شرطة القرب" التي آلت إلى "شرطة الموت"؟ في حين قال بعض المواطنين، من جيل الاستقلال وجيل الستينات والسبعينات، إن القوات المساعدة حاليا، تحت إمرة الجنرال حميدو لعنيكري، تذكرهم بفرق "الكوم"، التي أحدثها الاستعمار الفرنسي للتنكيل بالمغاربة المحتجين والغاضبين، قبل أن يتساءلوا: ألم يكف لعنيكري رصيده في مجال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على امتداد سنوات الجمر والرصاص ونصيبه منها، وبالتحديد منذ أن تألق في التحقيق مع انقلابيي السبعينات، العسكريين منهم والمدنيين، وقيادته لاختطاف ضحايا تازمامارت من السجن المركزي بالقنيطرة، علاوة على ما تم كشفه من تجاوزات ومن أهوال قام بها بعض رجاله آنذاك بمركز تمارة إرضاء للأمريكيين، أم أنه يريد أن يحقق رصيدا مماثلا في العهد الجديد؟ لو وقع ما وقع بسيدي إفني في بلد ديمقراطي، كان من الطبيعي، أن يستقيل وزير الداخلية، ولربما الوزير الأول ويُسائل ويحاسب المسؤولين عن التجاوزات، لأن في الدول الديمقراطية تعتبر الأجهزة الأمنية مربط الطمأنينة واسترجاع الحقوق ومظلة يستظل بها كل مظلوم ويُسائل الظالم مهما كان وزنه. وخلاصة الكلام صدق من قال: مادمنا نزال نعيش كديكور لدولة الحق والقانون، فلا خوف على حميدو لعنيكري وأمثاله ولا هم يحزنون. استفسرنا السادة عبد الرحمان بن عمرو/ فاعل سياسي وحقوقي علي فقير/ فاعل سياسي عبد الرحيم مهتاد لجنة النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين محمد مسكاوي/ الهيئة الوطنية لحماية المال العام – السكرتارية الوطنية أنقر هنا لقراءة آرائهم حول إشكالية محاكمة الجنرال العنيكري