بيير فريموران، أستاذ جامعي فرنسي، سبق له أن درس في المغرب لمدة سبع سنوات. صدرت له خمسة كتب عن المغرب، وهو بهذا يعد أحد الأسماء المنشغلة بمستقبل وتطور الحياة السياسية المغربية. من كتبه التي نالت قراءات متعددة، «المغرب في طور الانتقال»، الصادر في سنة 2001 و«تاريخ المغرب منذ الاستقلال».. هو، إلى ذلك استاذ محاضر بجامعة السوربون، وعضو مركز الدراسات الافريقية، كتب عن الانتقال الديموقراطي في المغرب، واهتم بتفاعلات بلادنا. في كتابه الاخير، الصادر في يونيو 2009، حول الانتقال الديموقراطي غير المكتمل في المغرب، زاوية للمعالجة تستحق الاهتمام، وإن كانت لا تعني بالضرورة الاعتماد الكلي أو الانخراط الكلي من القارىء المغربي، وخصوصا إذا كان فاعلا سياسيا أو اعلاميا أو ما شابه. تأسست القوات المسلحة الملكية في ماي 1956 انطلاقا من القوات المجندة في القوات الفرنسية والاسبانية، بالاضافة إلى عناصر من جيش التحرير المغربي ابتداء من 1957. ولأسباب تاريخية كانت قيادة القوات المسلحة الملكية شبيهة من الناحية البنيوية بالجيش الفرنسي لسنوات 1950. ولي العهد الذي أصبح ملكا سنة 1961 ظل رئيسا للأركان العامة وهو المنصب الذي ورثه محمد السادس سنة 1999. الجيش الاستعماري الفرنسي كّون وأطّر ضباط الجيش المغربي بالمدارس العسكرية بالدار البيضاءومكناس (الاكاديمية العسكرية للمملكة). أوفقير والدليمي أو ادريس بنعمر مروا منها، ومباشرة بعد الاستقلال (1956) جاء فوج «محمد الخامس» ليعزز مجموعة الضباط في أعقاب دورات تكوينية جرت في أكاديميات عسكرية بالخارج (سان سير بشكل خاص). وظل الجيش الفرنسي متواجدا فوق التراب المغربي حتى سنة 1961، نشيطا لحماية الرعايا الفرنسيين (أحداث مكناس 57) وملاحقة قوات جيش التحرير في الصحراء (عملية أيكوفيون 58) ومراقبة «جيش الحدود» في وجدة. المساعدة العسكرية الامريكية ركزت على القوات الجوية والبحرية (قاعدة القنيطرة) وإحداث مصالح المخابرات عن طريق وكالة المخابرات الامريكية. واشتغلت القوات المسلحة الملكية بهذا الشكل الى حدود الانقلابين العسكريين لسنتي (71 و72) اللذين عصفا بالقيادة العسكرية العليا حيث اختفى ضباطها أو تمت إحالتهم على التقاعد وبقي في الخدمة زمرة من الضباط الكولونياليين في الخدمة أمثال الدليمي، وبعد فترة الدليمي (83/72) وصل ضباط فوج محمد الخامس الى مراكز القيادة وللتذكير فمنذ 1972 لم يعد للجيش وزارة أو قيادة مستقلة. ورغم ان القوات المسلحة الملكية لم تخرج من أيدي رجال الملك، فإن التوترات التي طالت رأس الدولة مع وفاة الملك، أثرت في قياد الجيش وفي فريق 1999، تناقلت الصحافة إشاعات عن استقالة «مسؤولي الحكم السابق». وأمام غول الجيش، أصبح «الخوف على الملك الشاب» موضوعا في الواجهة. لكن محمد السادس العارف بجنرالات الجيش، حافظ على ثقته بهم. فقد كانت الاولوية لعزل «نظام البصري» ولو اقتضى الامر تقوية سلطات الجيش سواء في مراقبة الصحراء أو مراقبة الحدود. ويبدو ان الاستمرارية كانت هي السائدة، وتم الاحتفاظ بعبد الرحمان السباعي كوزير منتدب لدى الوزير الاول مكلف بإدارة الدفاع الوطني منذ 1997. كما تم الاحتفاظ بالثلاثي (بنسليمان، بناني والقادري على رأس الجيش رغم الشائعات. وتوسعت سلطات الجنرال بناني والجنرال حسني بنسليمان بعد إزاحة البصري، إلا أنه وبعد 18 سنة من الخدمة في الجيش (2001/1983) تمت ترقية القادري قائد المكتب الثاني في يوليوز 2001 مفتشا عاما للقوات المسلحة وهو منصب بمثابة تقاعد مريح. وطيلة عشر سنوات، وقعت عدة تغييرات من وراء هذا الجمود المقنع فإذا كانت التنقيلات والتعيينات والإحالة على التقاعد تحترم الضوابط والشروط، فإنها كانت فعلية، والإحالة على التقاعد المباشر أصبحت قاعدة بالنسبة لكبار الضباط باستثناء الجنرالات دوكور دارمي. وهكذا تولى الجنرال عبد الله حمدون منصب القادري على رأس «المكتب الثاني» (الاستخبارات العسكرية) قبل إقالته سنة 2005، واستغل الملك ذلك ليعين أحد المقربين منه وأحد رفاقه بالمعهد المولوي، ياسين المنصوري، وشكل تعيين مدني على رأس المخابرات الخارجية قطيعة. فهذه المصلحة المشكلة من حوالي الف موظف موزعين بين الرباط وحوالي 30 تمثيلية مغربية بالخارج، تعتبر حيوية بالنسبة لجهاز الدولة. وبعد أن حاولت هذه المصلحة تطوير التقييم الاستراتيجي، تخصصت انطلاقا من 2001 في ملاحقة الشبكات الجهادية في أوربا والعالم. وتم إحداث الامن العسكري (المكتب الخامس سابقا) سنة 2003 في أعقاب حادث سرقة أسلحة من داخل ثكنة بتازة، بمبادرة من الجنرال محمد بلبشير دركي التكوين، وكانت قضية مجموعة أنصار المهدي الارهابية والتي تورط فيها عشرات المغاربة الميسورين أو موظفين منهم خمسة عسكريين والذين يعتقد أنهم خططوا لموجة عمليات جهادية، كانت سببا في تنحيته سنة 2006، بعد أن قضى حوالي 30 سنة على رأس المكتب الخامس. وتم تعويض بلبشير بالكولونيل ماجور محمد معيش من الدرك الملكي. وتمت إعادة المكتب الخامس كما كان قبل 2003 وفي هذا السياق تواصلت عمليات تعوض الأطر الامنية. في خريف 2006، قادت تنحية مدير القصور الملكية (قضية إيزو) المرتبطة باستعادة السيطرة على مدينة طنجة ومكافحة شبكات أعيان المخدرات، قادت الى تنحية العديد من الاطر الامنية. وتحولت مسؤولية مراقبة المجال البحري لمنطقة جبل طارق. وفي السياق تمت تنحية الجنرال حميدو لعنيكري من الادارة العامة للأمن الوطني. وكان ذلك تأكيدا صريحا بأن استعادة السيطرة الكاملة على الاجهزة الامنية من طرف الحرس المقرب من الملك جارية. فياسين المنصوري وفؤاد عالي الهمة وشكيب بنموسى أصبحوا في القيادة ولو أن مجال تحرك الجنرال حسني بنسليمان لم يُمس. الجنرال بوشعيب عروب غادر قيادة المكتب الثالث (اللوجستيك) في يناير 2008 بسبب المرض. وباستشارة من ياسين المنصوري تم تعويضه بالكولونيل الوراق وهي سابقة بهذه الرتبة، وفي صيف 2008 قام محمد السادس بزيارة مفاجئة للمستشفى العسكري محمد الخامس بالرباط الذي يديره الجنرال ادريس عرشان، المفتش العام لهيئة الاطباء والطبيب الخاص السابق للحسن الثاني، حيث وقف على الحالة المزرية للمستشفى المفروض أنه الارقى في المغرب، وعلى الفور تم إعفاء الجنرال عرشان وتعويضه، بالجنرال عبروق. فهل يعني سقوط الجنرال عرشان نهاية الإفلات من العقاب التي تمتع بها أخوه محمود عرشان المتهم بالإشراف على التعذيب خلال سنوات الرصاص؟ في أعقاب هذا المسلسل، وبينما يطل الجنرال بنسليمان على نهاية مشواره، بدأت تطرح الوصاية على الجيش بشكل مغاير.. وبدأت تتضح عمليات إعادة إدماج الجيش في المجتمع منذ ماي 2006. وجرى استعراض عسكري في الرباط بحضور الملك والسلطات، وذلك لأول مرة منذ 1972، وأصبح الجيش مدعوا للانفتاح من خلال أيام «القواعد المفتوحة». ويجري التفكير بالتعاون مع المؤرخين في عملية فتح أرشيف الجيش. ولكن هل يعني ذلك السير الى حد جعل الجيش تحت مسؤولية وزارة وترك البرلمان يصوت على ميزانيته؟ السؤال يظل بدون جواب حتى سنة 2009 مع ظهور تقدم طفيف (مثلا الفصل بين اعتمادات التسيير واعتمادات الاستثمار). فقانون المالية لسنة 2009 تضمن مبلغ 34.6 مليار درهم كمصاريف للقوات المسلحة الملكية مقابل 11 مليارا سنة 2006. وهذه الزيادة في الميزانية العسكرية (%15) تم التصويت عليها داخل اللجنة البرلمانية، لكن الشفافية في محتواها وتفاصيلها لم تتقدم كثيرا. وتواجد ياسين المنصوري على رأس الادارة العامة للدراسات والمستندات ونفوذه القوي والحاسم في التعيينات العسكرية يعطي الانطباع بإمكانية خلافته للجنرال حسني بنسليمان. وبالنسبة للرأي العام، فإن النشاط التجاري للقيادة العسكرية العليا ضرر ثانوي بالمقارنة مع الفساد الذي تتعرض له. ولذلك فإن إعادة النظر في التراتبية العسكرية يتم عن طريق «الفضائح». فالدرك والجمارك متهمون بإخضاع سائقي الشاحنات والسيارات والعمال المهاجرين للابتزاز (قضية قناص تارجيست). وعلى الفور نزلت العقوبات في حق المتورطين. في سنة 2008 كشفت إقالة الكولونيل أكعبون قائد الدرك الملكي بوجدة حجم التهريب والابتزاز على الحدود مع الجزائر. حيث يرتكز التهريب على مبدأ مقايضة البنزين بالمواد الغذائية رغم ان الحدود مغلقة.. ومنذ زمان ظلت قوات الدرك تتحرك في البادية بدون رادع. والواقع ان الاستقرار الانتخابي في المناطق القروية أظهر فعالية التحكم كما يجري فيها. وهناك أحداث أخرى وقعت منذ سنوات زعزعت مكانة الجنرال بنسليمان، الساعد الأيمن السابق لأحمد الدليمي. وقد صفى المحجوب طوبجي حسابه مع المؤسسة من خلال نشر كتاب، فهذا الضابط فر الى باريس بعد وفاة الدليمي سنة 1983، ويعتقد أنه عاد الى المغرب عقب صفقة اتفاق مع الحسن الثاني (85). ولم ينل ترقيته حتى 2002 عندما أحيل على التقاعد، ثم عاد الى فرنسا حيث ألف كتابا ناريا ضد الضباط المغاربة تجاه قيادتهم العسكرية التي قبلت المصير الذي تعرض له الضباط المتورطون في انقلابي 71 و72. وأخيرا وبينما تم الحكم بالسجن سبع وثماني سنوات في حق الضابطين الجلطي والزعيم بتهمة نشر وقائع فساد في المنطقة الشرقية، تغيرت الامور. وفي خريف 2008 تمت إقالة العديد من ضباط الجيش أو محاكمتهم بتهم الفساد والتهريب واستغلال النفوذ على أساس تقارير المصالح الامريكية. هذه السلسلة من الاحداث التي تتهم ممارسات الدرك، هل تترجم فقط نظرة جديدة للمسألة الامنية، أم أنها تؤثر على تسريع الخلافة على رأس هذا الجهاز من أجل إحكام سيطرة القصر على مؤسسة الجيش؟