مازال ملف قطاع الصيد البحري يثير نقاشا في كل تجلياته السياسية والاقتصادية والتنظيمية خصوصا في ظل الكوابح التي حالت دون بروز هذا القطاع وتشكل تدبيره الخاص من خلال وزارة مستقلة وفي ظل المفوضات الجارية مع الإتحاد الأوربي بشأن إبرام اتفاقية جديدة للصيد البحري وفي ظل وضوح الرؤية الإستراتيجية المتعلقة بمشاريع وبرامج القطاع ورفع الغطاء الحزبي السابق عن تدبيره الوزاري، بغض النظر عن حجية المسؤولية السياسية التضامنية للحكومة ورهانات خطتها التدبيرية للقطاع، كما هي واردة في برنامجها ومترجمة في عدة تجلياتها في قانونها المالي السنوي. وبعض النظر عن حيثيات ومدى دقة المعطيات التي يمكن أن يثيرها الوضع الملتبس لإشكالية تدبير ملف التنظيمات المهنية التمثيلية بقطاع الصيد البحري بمختلف أصنافه وفروع أنشطته الإقتصادية في البر والبحر. فإن الأمر لا يخفي طرح إشكالية صراع المصالح الاقتصادية والشخصية التي تميز خصوصي قطاع الصيد البحري وتطرح جزء من عوائق دعم رهان خطة تدبيره العقلاني ومحددات مستقبل الشراكة الإستراتيجية مع الأجانب في هذا القطاع الحيوي الذي تعشش فيه عدة تجليات لمظاهر الفساد والريع والتحكم واستغلال النفوذ والنشاط المتنفذ للوبيات المصالح وجيوب مقاومة الإصلاح البائسة التي تسعى دون جدوى لجعل قطاع الصيد البحري وتدبير ملفات الثروة السمكية بعيدا عن الأنظار محصنا من موجة روح مغرب الدستور الجديد وسلطة رقابة الإعلام الإلكتروني والورقي ولتبح أصوات دعاة ضرورة الإصلاح والحكامة وتسريع مقتضيات وشروط النزاهة والشفافية والحق في المعلومة وتعرية مظاهر الفساد والحكرة واستغلال النفوذ وتضارب المصالح حتى يبقى الشعب بعيدا عن ثروة البحر. من هنا تطرح للنقاش والمدارسة بقوة إشكالية التمثيلية المهنية وملف تدبير علاقة الإستشارة والشراكة بين السلطات العمومية والإدارة مع مختلف التنظيمات المهنية الخصوصية والعمومية بهذا القطاع الحيوي التي لا يشكل الرهان الحزبي والانتخابي إلا تجليا نسبيا في معادلتها الصعبة لأن الرهان السياسي الظرفي على هذا المعطى في تحديد علاقة السياسة التدبيرية السابقة واللاحقة لقطاع الصيد البحري بالتنظيمات المهنية وترجيح كفة بعضها على بعضها يبقى غير دقيق، خصوصا أن المصالح الاقتصادية والشخصية للتنظيمات المهنية بقطاع الصيد البحري تتجاوز العامل الحزبي في كثير من الحالات. والدليل هو أننا نجد رموزا من نفس الحزب السياسي قد تتصارع وتتصادم من جهة مصالحها الاقتصادية والشخصية وقناعاتها بخصوص تدبير ملف الثروة السمكية وتقدير سقف الربح والخسارة في الإجراءات التدبيرية والاحترازية لقطاع الصيد البحري. لذلك فإن التمثيلية المهنية بقطاع الصيد البحري تثير أكثر من استفهام و تساءل وتطرح رهان العقلنة والفعالية والنجاعة التنظيمية المهنية وحل إشكالية التشتت والتوالد التنظيمي والتمثيلية بدون جدوى عملية و التي تربك في عدة حالات رهان الشراكة الإستراتيجية بين الإدارة والمهنة وربح وقت تحقيق الأهداف الطموحة التي جاء بها مخطط إستراتيجية أليوتيس لدعم تنافسية قطاع الصيد البحري والتي رصدت بموضوعية الواقع الإجمالي لحالة التنظيمات المهنية في قطاع الصيد البحري وتأثير واقع تنوعها وتضارب مصالحها على القدرة التفاوضية للمهنة وتدبير علاقتها التشاورية والاستشارية بالإضافة إلى القصور البنيوي والتنظيمي لغرف الصيد البحري التي تم إحداثها سنة 1997 لمعالجة بعض اختلالات التمثيلية المهنية بقطاع الصيد البحري فعمقت في واقع حالها المعادلة الصعبة لإشكالية التمثيلية لمختلف الأصناف المهنية بقطاع الصيد البحري دون أن نحجب حقيقة الوظائف والمهام المهمة التي تقوم بها. لذلك نثير في هذا الصدد أهمية تفعيل قانون التنظيمات البيمهنية في قطاع الصيد البحري الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 23 يوليوز 2012 من خلال التسريع بإخراج نصوصه التنظيمية والتحسيس بوظائفه العملية المنتجة ودوره الحقيقي في تعزيز روح التعاون والتعاضد والتمثيل والدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية لمختلف الأصناف المهنية في نطاق التدبير التشاركي والحكامة وعلى قاعدة الحياد المطلوب لزاوبة العلاقة بين إدارة الصيد البحري والتنظيمات والشخصيات المهنية لتفادي كل معاني ومظاهر التحيز وتوظيف نفوذ القرب أو البعد من إنتاج مخرجات القرارات الإستراتيجية و التدبيرية لقطاع الصيد البحري وملفات الثروة السمكية. كما نثير ذلك من خلال إستعجالية وضرورة إعادة النظر في الغرف المهنية بقطاع الصيد البحري في ضوء التعديلات الدستورية الجديدة، لأن إطارها القانوني والتنظيمي أصبح متجاوزا متخلفا عن مواكبة منطق الإصلاح الجديد والأهداف الإستراتيجية الجديدة لقطاع الصيد البحري والتنظيم الترابي الجهوي للدولة مع حاجتها لجرعات التدبير الديموقراطي التشاركي وشروط الحكامة وتحقيق الفصل المفقود بين التدبير الإداري والمالي لشؤون مواردها البشرية بما يضمن إطلاق قدراتها المكبوتة وربما المحجوبة وتحفيزها من جهة وبين والتدبير المهني والأجهزة التداولية المنتخبة بهذه المؤسسات العمومية المهنية بما يضمن تكييف خصوصيتها كمؤسسسة عمومية حاضنة للتمثيلية المهنية لقطاع الصيد البحري ويحقق تفرغها الحقيقي لشؤون واختصاصات الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية لمختلف الفئات والأصناف المهنية في إطار التوازن المنصف و بمنهجية تشاركية بعيدا عن منطق المغالبة و الصراع الإنتخابوي والسياسوي والشخصاني الضيق بما هو منطق حد منه بشكل كبير وتجاوزه منطق التموقع القانوني والدستوري الجديد للتمثيلية المهنية بغرف الصيد البحري وجديد ربط المسؤولية بالمحاسبة وتراجع منطق رهان الاغتناء بالسلطة التمثيلية لصالح منطق التجرد والتفاني في حماية وتنمية المصالح المهنية العامة. كما أن سياسة تدبير العلاقة التشاركية مع التنظيمات المهنية العاملة بقطاع الصيد البحري لابد أن تستصحب التفعيل القانوني والعملي لأحد أهم مخرجات إستراتيجية أليوتيس ويتعلق الأمر باللجنة الوطنية للصيد البحري، بما هي إطار إستراتيجي مركزي للتشاور وتتبع مخطط أليوتيس وتهيئة المصاييد والنظر في الملفات الكبرى للقطاع من خلال تحيين و إصدار القانون المنظم لها وبما يحقق مشاركة مختلف التنظيمات المهنية الوطنية وفق معايير وشروط موضوعية شفافة تراعي تحقق تدبير هذه الأخيرة بطريقة ديموقراطية ونزيهة. وكذا تحيين وتفعيل اللجان المحلية للصيد البحري بماهي إطارات للتشاور المهني الإداري المحلي وإشراك عملي للتنظيمات المهنية بموانئ الصيد البحري في إطار تجسيد المنهجية التشاركية الدستورية على مستوى القرب المهني وضمان متابعة إجراءات مخططات تهيئة وتنمية المصاييد البحرية وتقديم أنجع مقترحات الحلول لواقع الصيد البحري وسبل النهوض به على مستوى موانئ الصيد البحري بعيدا عن منطق الهيمنة أو الوصاية التمثيلية أو استغلال النفوذ. أما بخصوص المفاوضات الجارية بخصوص مشروع إبرام اتفاقية في مجال الصيد البحري مع الإتحاد الأوربي فإنها لا تطرح إشكالية مواقف الرفض والقبول من طرف التنظيمات المهنية لقطاع الصيد البحري باعتبارها ،على كل حال ، قد تعبر عن مصالح اقتصادية واجتماعية للفئات المهنية التي تصدر عنها بل تطرح أولوية المحافظة على الثروة السمكية والانسجام مع القانون الدولي الذي يثير ضرورة الاحتراز في حالة استنزاف الثروة السمكية كما هو الحال في غالبية المصاييد المغربية . كما أن الأولوية قد تكون لشراكات في مجال صناعات الصيد وتهيئة البنيات التحتية والاستفادة من برامج ومشاريع تربية الأحياء المائية وعصرنة الأوراش البحرية. وفي كل الأحوال، فإن موقف التأييد أو التحفظ أو حتى الرفض الصريح لإبرام اتفاقيات تتعلق بالاستغلال المباشر للثروة السمكية لا يمكن إلا أن يكون عنصر قوة في أي مفاوضات رسمية تخص قطاع الصيد البحري وترفع سقف الدفاع عن المصالح الإستراتيجية للمصاييد المغربية ومستقبل الأجيال القادمة ولاسيما خاصة فيما يتعلق بتعزيز السيادة البيولوجية للموارد السمكية المغربية التي يعضدها واقع الأرض والتراب ويقويها رهان الجهوية المتقدمة ومقترح الحكم الذاتي بما هو رهان يتعين على مهندسي وصناع قرارات وآليات تحقيق التمثيلية المهنية بقطاع الصيد البحري وتجسيد المقاربة الدستورية التشاركية الاستناد عليها دون إغفال الوظائف والأدوار الجديدة التي أصبحت تتحملها التنظيمات المهنية والجمعيات المهنية العاملة بقطاع الصيد البحري. [email protected] باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري والإداري والسياسة العمومية بقطاع الصيد البحري