في مثل هذا اليوم وقبل سنتين أطل الملك محمد السادس على المغاربة من شاشة التلفزيونات وأثير الإذاعات الرسمية. قال صوت مقدم النشرات : جلالة الملك يخاطبكم ،كان الجميع ينتظر ماذا سيقول الملك لشعبه في ظرف استثنائي في خطاب استثنائي، محمد السادس عكس والده لم يعود المواطنين أو الرعايا كما يحلوا للأدب المخزني أن يلقبهم ،لم يعود هم على خطابات خارج المناسبات المعروفة سلفا: عيد العرش ،عيد المسيرة، ذكرى الاستقلال، عيد الشباب اي عيد ميلاد الملك ....لهذا كان الجو مشحونا بكل انواع الإثارة. ظهر الملك على الشاشة مساء الأربعاء وإلى جانبه لأول مرة ولي العهد الأمير الصغير مولاي الحسن . كانت قسمات وجه الملك ونبرات صوته كلها تؤشر على أن الخطاب هام، وأن رسائله غير تقليدية. بعد مضي أسبوعين فقط على خروج حركة 20 فبراير التي أعلنت عن ميلاد النسخة المغربية من الربيع العربي، رد الملك وبسرعة، وقال بطريقته. رسالتكم وصلت وهذا جوابي. جواب الملك كان هو إعلان وفاة الملكية التنفيذية .ووضع الرجل الأولى نحو ميلاد الملكية البرلمانية ،مع دستور جديد وتعاقد جديد. شعار المملكة تغير كان ثلاثيا فصار رباعيا.مبنيا على الإسلام والملكية والوحدة الترابية فأضاف له الملك الخيار الديمقراطي. هذا التغيير يقول كل شيء عن الرسالة الملكية الجديدة. ربع ساعة كانت كافية لقول كل شيء عن نية الجالس على العرش ،في التخلي عن أجزاء مهة من السلط الكثيرة التي ورثها عن والده الملك الحسن الثاني، الذي لم يكن في ثقافته السياسية الواسعة مكان للديمقراطية واقتسام الحكم .كان واضحا ان أصداء الشعارات التي حملتها تظاهرات 20 فبراير قد اخترقت أسوار القصر الملكي، وأن ما وقع لابن علي ومبارك والقذافي قد أبعد، ولو مؤقتا الأجنحة المتشددة في المحيط الملكي عن التأثير في القرار،القرار الذي كان دائماً مسكونا بالانفتاح المراقب على الاصلاح والدمقرطة، إصلاح يعطي بيد ويأخذ بيد اخرى ،وعينه على الزمن لربح الوقت، وليس لربح رهان التقدم والدخول النهائي لنادي الدول الديمقراطية. كان خطاب التاسع من مارس مفاجئا ،ليس فقط لأبناء دار المخزن ،الذين صعقوا من لغة الخطاب الجديدة ، ومن استعداد الملك للتخلي عن 70 في المائة من سلطاته. الخطاب فاجأ أيضاً مجمل الطبقة السياسية الذي صارت مع توالي الانتكاسات الديمقراطية محافظة جداً ،بل بدون طموح سياسي كبير . خطاب 9 مارس تجاوز سقفها هي التي كانت تقول إن دستور الحسن الثاني صالح لانتقال ديمقراطي، وإن المشكل في التطبيق وليس في النص. طبعا هؤلاء لم يقدموا نقدا ذاتيا لأطروحتهم الانهزامية هذه، بل بالعكس بسرعة ركبوا الموجة، وظهروا في نشرة الظهيرة على التلفزة الرسمية يقبلون الخطاب الملكي ،ويمدحون الإقلاع الديمقراطي الجديد. وحدهم الرادكاليون تحفظوا على إعطاء خطاب 9 مارس شيكا بدون رصيد، قالوا: نريد أشياء ملموسة على الأرض جاء الدستور الجديد بسقف أقل من خطاب 9 مارس ،ولعبت النخب العلمية والسياسية التي شاركت في وضعه دورا ملتبسا سيحكم التاريخ عليه في المستقبل. ثم جاءت الانتخابات الجديدة، ثم مجلس النواب الجديد، ثم الحكومة الملتحية. وبدأت العجلة تدور تارة وتتوقف اخرى. مرة يظهر المغرب وهو يسوق سيارة الدستور الجديد العصرية والسريعة على طريق مبسوطة ، وتارة يظهر ذات المغرب، خلف مقود سيارة الدستور القديم وهي سيارة مصفحة ضد الاصلاح العميق الذي بشر به خطاب التاسع من مارس. مازال الوقت مبكرا على الحكم النهائي على مآل خطاب 9 مارس ،وان كانت الكرة الان في ملعب الحكومة والنخب السياسية التي تشارك في إدارة السلطة ، بعدما كانت هذه الكرة في المشور السعيد، الان الناس سيحاسبون الحكومة ورئيسها على الفشل في تنزيل الدستور والحفاظ على التعاقد الجديد وليس أحدا اخر.وإلا فإن أرض الله واسعة امام الحكومة وأحزابها لا مجال لأن نلصق الفشل بالعفاريت والجبن السياسي بالتماسيح. نقطة إلى السطر. ❊ مدير نشر "أخبار اليوم المغربية"