قال إسماعيل هنية، رئيس الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة، إن القدس بواقعها الحالي وصلت إلى مرحلة صعبة وحساسة من المخاطر المحدقة بها وأن التحديات التي تواجهها على صعيد خطوات التهويد التي يقوم بها الاحتلال تسارعت بشكل كبير خلال المرحلة الأخيرة بشكل يهدد إسلامية وعروبة المدينة، وأردف هنية في حوار نشرته جريدة التجديد اليوم إن التهويد وصل إلى مدى لا يمكن احتماله أو تقبله. وتابع القيادي بحركة حماس إنه من هذا الوقع الخطير الذي وصل إليه التهويد بالقدس تأتي أهمية الدعوة المغربية لانعقاد لجنة القدس التي يترأسها جلالة الملك محمد السادس والتي قال إنه يأمل أن تكون قراراتها موازية لهذا الوضع القائم حاليا والمخاطر المحدقة بالقدس. عن ملف التطبيع مع الكيان الصهيوني وما يجري من اتساع لدائرته بالوطن العربي والإسلامي أكد عضو المكتب السياسي لحركة حماس على أنه لا بد من استمرار محاولات عزل "إسرائيل" وحصارها ورفض التطبيع وتصعيد هذه الحملة لتحقيق أهدافها، "وعدم اليأس من أنها ستؤتي أكلها بمزيد من الإرادة". هنية اعتبر أن التفاعل الخاص للمغرب مع الربيع الديمقراطي يجسد صيغة حضارية حقيقية، وأن قيادة البلد كانت حكيمة في الاستجابة لمطالب الشعب بصيغة حافظت على تراث الوطن، وأن هذه التجربة راقية ومقدرة وحققت التكامل وتدل على الحصافة والحكمة. كما قال إن لمسيرات شعوب الأمة دور كبير في دعم الشعب الفلسطيني والتأثير في سياسات الاحتلال وقادة المنطقة لأنها تعبر عن نبض الجماهير والشعوب تجاه فلسطين وتؤكد وجود تأييد عارم لهذه القضية ولها عميق الأثر الاستراتيجي والمرحلي على حد سواء. وتناول هنية أيضا في هذا الحوار ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية بين فرصه ومهدداته إلى جانب دلالات الانتصار الأخير للمقاومة على العدوان الصهيوني وكذا تقييمه للفعل العربي الرسمي والشعبي للقضية الفلسطينية إلى جانب محاور أخرى تجدون تفاصيلها في هذا الحوار: أعلنت لجنة القدس التي يترأسها الملك محمد السادس في بلاغ أخير عن موعد انعقادها خلال الأسابيع القادمة كيف تتابعون عمل لجنة القدس وحضور باقي الأعضاء بها وما هي انتظاراتكم على هذا المستوى؟ إن القدس بواقعها الحالي وصلت إلى مرحلة صعبة وحساسة من المخاطر المحدقة بها والتحديات التي تواجهها على صعيد خطوات التهويد التي يقوم بها الاحتلال وتسارعت بشكل كبير خلال المرحلة الأخيرة بشكل يهدد إسلامية وعروبة المدينة، بل إن المخططات التي بدأت تظهر للعيان تشير إلى نوايا إيجاد موطئ قدم للمستوطنين في باحات المسجد الأقصى وأن التهويد وصل إلى مدى لا يمكن احتماله أو تقبله. من هنا تأتي أهمية الدعوة لانعقاد لجنة القدس التي يترأسها جلالة الملك محمد السادس والتي نأمل أن تكون قراراتها موازية لهذا الوضع القائم حاليا والمخاطر المحدقة بالقدس من حيث اتخاذ الإجراءات الكفيلة بوقف جرائم الاستيطان والتمدد السرطاني في مدينة القدس وحماية المسجد الأقصى المبارك ومنع الأيادي الآثمة من الوصول إليه ولباحاته أو النيل من قدسيته وطهارته وتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه من آليات، فالقدس اليوم في خطر حقيقي والمسجد الأقصى في خطر كذلك. أشرتم في الإعلام الفلسطيني مؤخرا إلى المخاطر المهددة لبيت المقدس، إلى جانب جهود مؤسسة لجنة القدس التي يترأسها المغرب كيف تقيمون مؤسسة القدس الدولية وما هي عناصر الانتهاكات الخطيرة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي حاليا كما سبق أن أشرتم لذلك في لقائكم بالوفد المغربي؟ لا شك أن مؤسسة القدس الدولية تقوم بدور إيجابي في الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى لكن في نفس الوقت المؤامرات لا زالت تحاك وتستهدف هذه البقعة المقدسة، وما يجري الآن هو تدمير الوجود العربي بالكامل وإزالته شيئا فشيئاً من مدينة القدس واستبداله بوجود زائف لا أصل له، وهذا الأمر يصل إلى هدم المنازل والمباني التاريخية وطرد السكان المقدسيين وإقامة البؤر الاستيطانية ومنع أي عملية إصلاح أو ترميم لأي بناء عربي والاقتحام اليومي وتدنيس المسجد الأقصى وكل هذا يحتاج إلى المزيد من الجهود، إضافة إلى ما هو قائم ومقدر من جانبنا ويشكل أرضية طيبة لانطلاق عمل مؤثر لحماية المدينة. كيف تتلقون وتقيمون الدعم الذي يقدمه المغاربة (شعبا وحكومة وملكا) للقضية الفلسطينية . من خلال (وكالة بيت مال القدس، المستشفيات الميدانية القوافل الطبية والإنسانية والمسيرات المليونية والوقفات الاحتجاجية والتضامنية ..).؟ إن المغرب ملكاً وحكومة وشعباً وقفت وتقف دوماً إلى جانب شعبنا في مختلف المراحل وخاصة عندما تشتد الخطوب نجد المغرب من أوائل من يساند شعبنا ويقف إلى جواره، بالرغم من هذا البعد الجغرافي إلا أنها قريبة من قلوبنا بدعمها وجهود أبنائها، وقد استقبلنا من المغرب على مدى سنوات الحصار؛ القوافل والدعم الذي شكل خير سند لنا ومعين للصمود ومواجهة الملمات. وساهمت المليونيات المغربية التي كانت تنطلق لتهتف باسم فلسطين في أثناء العدوان في رفع معنويات شعبنا واعطائنا المزيد من الإصرار والصمود والإصرار على التمسك بحقوقنا، وكانت أصوات هتافكم تصل إلى قلوبنا قبل أن تصل إلى آذاننا. كيف تقرؤون التعاطي الرسمي والشعبي العربي مع القضية الفلسطينية قبل وبعد الحراك الديمقراطي بالمنطقة، وقراءتك أيضا لأثر ذلك على القضية وهل تأخرت استفادتها من ثمار الربيع بالنظر إلى إنشغال الدول بشأنها الداخلي؟ لقد شكل الحراك الديمقراطي في المنطقة مرحلة جديدة مختلفة تماما عن سابقاتها، لا زالت تتشكل وتتبلور ولما تأخذ شكلها النهائي بعد، ولكنها وهي في هذا الطور في التشكل فيما يتعلق بفلسطينوالقدس واضحة الخطى بأنها مع فلسطين وبوصلتها تجاه القدس، وعند المحطات الكبرى ورغم انشغال الأمة والدول بمجرياتها الداخلية إلا أنها وقفت إلى جانب فلسطين في معركتها وحربها ولقد استمعنا باهتمام إلى شعوب هذه الدول التي هتفت الشعب يريد اسقاط النظام وفي اليوم التالي هتفت ذات الجماهير الشعب يريد تحرير فلسطين، مما يؤكد حضور فلسطين في وجدان هذه الشعوب ونحن على قناعة أن فلسطين القضية المركزية ولن تتراجع في ظل هذا الربيع العربي مختلف الأشكال، وخاصة على المستوى الاستراتيجي. تابعتم التفاعل المغربي مع الربيع الديمقراطي (الحراك بالشارع ثم التعديل الدستوري فالانتخابات السباقة لآوانها وتصدر حزب العدالة والتنمية للانتخابات وقيادته للحكومة لأول مرة في تاريخه .. ) كيف تقرؤون هذه التجربة؟ إن لكل دولة نموذجها الديمقراطي ولقد شكل التحرك في المغرب صيغة حضارية حقيقية فكانت القيادة الحكيمة التي استجابت لمطالب الشعب وحافظت على تراث الوطن وتحقق هذا التكامل، وبرزت هذه التجربة الراقية والمقدرة التي تدل على الحصافة والحكمة، وأثبتت خصوصية المغرب وبالتأكيد عمقت مشاعر الاحترام والتقدير المتبادل بين القيادة والشعب. كيف تقرؤون موازين القوى في المنطقة على ضوء التحولات الجارية ، وفي ظل دعم روسي إيراني للنظام السوري الذي يرتكب أبشع الجرائم في حق الشعب السوري؟ نحن ننأى بأنفسنا من الدخول في أي صراعات أو إشكالات داخل أي قطر عربي أو غير عربي، ونعتقد كذلك أن ميزان القوى غير مرتبط بالتفاعلات الجارية في الساحة السورية وحدها، فالصراع في المنطقة له أشكال مختلفة ومتغير من حقبة زمنية لأخرى. نحن ما يهمنا من هذا الواقع هو موازين القوى المتعلقة بالقضية الفلسطينية والتي نحاول تحقيق إجماع عربي إقليمي دولي حول قضيتنا، وأن لا نجعل مواقفنا الأخرى مؤثرة على مواقف الأطراف المختلفة من القضية الفلسطينية ولا يكون هناك انعكاسات سلبية لأي وضع داخل دولة من دول المنطقة على حساب الشعب الفلسطيني. كيف يمكنكم نقل معاناة ساكنة غزة ومعاناة الجرحى، وكذا حاجيات القطاع من الأدوية والمساعدات بسبب الدمار الذي خلفه العدوان الصهيوني على القطاع؟ ج. لقد أثر التدمير الذي قامت به آلة حرب العدو في كثير من مناحي الحياة الفلسطينية سواء تدمير البيوت أو المقرات الحكومية والمنشآت العامة والمصانع والشركات وكذلك حصاره الظالم، ونحن نقوم بجهود مضنية لنقل هذه المعاناة عبر الاتصال بالأصدقاء من مختلف دول العالم وإطلاق الحملات الإعلامية المساندة لشعبنا في مواجهة هذه الآثار، كما أثبت شعبنا بصموده أنه شعب عظيم، يمكنه الصبر والصمود على قلة الإمكانات ويبتدع من الوسائل ما يواجه به الحصار. صمود المقاومة وانتصارها في العدوان الأخير على غزة .. أي دلالات للانتصار على "إسرائيل" رغم اختلال موازين القوى وآليات المواجهة؟ بالتأكيد ، المقاومة انتصرت في العدوان الأخير على شعبنا وفشل الاحتلال في تحقيق أي من أهدافه التي من أجلها خاض الحرب. لقد اغتال الاحتلال القائد أحمد الجعبري في محاولة منه لخلق معادلة جديدة وهي الاغتيال في ظل ردود فعل محدودة غير مؤثرة ومحاولة فرض إرادة سياسية جديدة واستعادة ما يسمى بالردع وإحياء الوعي وإعادة هيبة الجيش ووقف صواريخ المقاومة وتدمير بنيتها التحتية وفرض الهزيمة النفسية على المواطن الفلسطيني. ولكن ما حدث أن المقاومة فاجأت الاحتلال برد الفعل واستطاعت الرد على جرائمه طوال الأيام الثمانية فبات نحو 5 مليون صهيوني في دائرة الخطر والاستهداف والذعر. إضافة إلى العديد من المفاجآت للمقاومة مما دفع الاحتلال لطلب وقف إطلاق النار بعد 48 ساعة من بدء العدوان واضطراره في النهاية إلى الرضوخ لشروط المقاومة والموافقة عليها بل والإعلان عن هذا الاتفاق بوجود وزيرة الخارجية الأمريكية وذلك للمرة الأولى في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني في المنطقة، واستطاعت غزة بشعبها ومقاومتها وحكومتها انتزاع هذا الانتصار. كيف يستقيم الحديث عن هزيمة "إسرائيل" والحال أن مستوطناتها في توسع والتأييد الغربي والأمريكي خاصة ما يزال ظاهرا؟ هناك شقان لهذه المعادلة الأول، هو تقدم المقاومة في قطاع غزة وتراجع الاحتلال وهذا يعني انسحاب الاحتلال من القطاع بشكل كامل عام 2005 ثم عجزه عن تحقيق أهدافه في عدوان عام 2008 وانتصار الصمود، ثم انتصار المقاومة في عام 2012، وتحقيق نوع من توازن الردع، حتى في هذه المرة اضطر الاحتلال لإنهاء المنطقة العازلة شرق وشمال قطاع غزة وتساوي 10-15% من مساحة قطاع غزة إستعادها مزارعونا، وهذا سبب المقاومة. أما في الضفة .. الضفة الغربية ومنذ توقف المقاومة وانحسار آدائها يجري تقدم الاستيطان وابتلاع الأراضي واستغلال التنسيق الأمني والمفاوضات كغطاء لهذا التغول والتهويد، مما يستدعي الجهود لانقاذ الضفة من هذا التغول الاستيطاني والعربدة الاحتلالية. يحاول البعض اليوم التقليل من حجم درجة تأثير المسيرات والوقفات الاحتجاجية المناصرة لفلسطين في الشارع العربي ، معتبرا أن الأمر أصبح روتينيا وربما غير ذي جدوى .. فكيف تنظرون إلى هذا الرأي وإن كانت من رسالة للشارع العربي؟ إن لمسيرات شعوب الأمة دورا كبيرا في دعم الشعب الفلسطيني والتأثير في سياسات الاحتلال وقادة المنطقة لأنها تعبر عن نبض الجماهير والشعوب تجاه فلسطين وتؤكد وجود تأييد عارم لهذه القضية ولها عميق الأثر الاستراتيجي والمرحلي على حد سواء، فصوت الجماهير يمكنه وقف بعض السياسات والتكتيكات الاحتلالية ويدفع لاعتبار صوت الجماهير عند التفكير في أي خطوة ضد فلسطين ومقدساتها وشعبها، ويعكس حجم التأييد لفلسطين وحجم التضامن العربي والإقليمي والدولي. ما تقييمك لحملات المقاطعة وعزل "إسرائيل" من طرف الشعوب والدول العربية والإسلامية هل من نجاح أم أن التطبيع فرض نفسه اليوم وبقوة؟ نحن بالفعل بحاجة إلى تفعيل حملات المقاطعة وعدم القبول من قبل شعوب الأمة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، لأن الاحتلال بعد احتلال فلسطين يسعى إلى غزو الأمة اقتصاديا، ونقول بوضوح لشعوبنا: لا تدفعوا ثمن الرصاص وآلات الحرب التي يستخدمها الاحتلال من عائدات صادراته لقتل أبناء شعبنا. لا بد من استمرار محاولات عزل إسرائيل وحصارها ورفض التطبيع وتصعيدها لتحقيق أهدافها، وعدم اليأس من أنها ستؤتي أكلها بمزيد من الإرادة. إلى أين وصلت خطوات المصالحة الفلسطينية وما تقييمكم لمسارها وهل من أفق منظور لتحقيقها وهل من عراقيل تحول دون بلوغ المصالحة لأهدافها؟ - منذ العدوان الأخير على غزة اتخذنا العديد من الخطوات لإنجاح المصالحة منها السماح لعناصر من حركة فتح الذين فروا من القطاع بالعودة إليه، وإطلاق سراح بعض المحكومين أمنيا منهم، والسماح لهم بعقد مهرجان الانطلاقة بغزة وتسهيل عقده، وعدم التعبير عن ممانعة خطوة الأخ أبو مازن من الذهاب إلى الأممالمتحدة، وفتح باب التسجيل لسجل الناخبين بغزة وتحديثه بنسبة 95%. كل ذلك خلق أجواء إيجابية مهدت لتقدم في مسار المصالحة ملموس في حوارات القاهرة ولكن حدث تراجع في التطبيق في أعقاب ضغوط خارجية أمريكية، واستمعنا إلى مواقف غير مشجعة من رموز وقادة فتح وصولا إلى إهانة رمز الشرعية الفلسطينية مما أعطى مؤشرات سلبية أدت إلى توقف هذا المسار، ونأمل أن يكون توقفا مؤقتا مع وجود إيمان بضرورة التطبيق الأمين للمصالحة. كيف ترون مستقبل الدولة الفلسطينية بعد الاعتراف الأممي بها على ضوء جهود المصالحة؟. الدولة حق للشعب الفلسطيني وعلى كامل التراب الفلسطيني دون تنازل عن أي من حقوق شعبنا أو حدود هذه الدولة ونأمل أن يكون هناك استثمار للاعتراف الأممي خاصة فيما يتعلق بمحاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم والانضمام للمؤسسات الدولية التي يعد الانضمام لها تقدما إيجابيا لشعبنا. *صحافي بجريدة التجديد