عاشت مكونات الأغلبية الحكومة، بحر الأسبوع الماضي، لحظات مزهوة وبشائر نصرها في أكثر من دائرة انتخابية تعلن ظفرها بمقاعد الانتخابات الجزئية ، بكل من سطاتوسيدي قاسم ومولاي يعقوب واليوسفية، وانبرت لتعرب على عجل عن جزيل شكرها للمواطنين لقاء تجديد ثقتهم، واختيارهم مرشحي الأحزاب المشاركة في الحكومة، كعربون ثقة، يحمل في طياته تشجيعا على المضي قدما، ويطمئن بثبات منسوب التأييد، الذي تخشى بعد أحزاب الأغلبية، سيما العدالة والتنمية تراجعه، على إثر اتخاذ مجموعة من القرارات الجريئة في إصلاح بعض الملفات المستعجلة. الدكتور عبد الرحيم المنار اسليمي، رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، يرى في حديث مع هسبريس، أن الانتخابات التشريعية الجزئية التي جرت يوم الخميس الماضي، في دوائر دمنات، مولاي يعقوب ،اليوسفية ،سيدي قاسموسطات، بالرغم من كونها تبدو غير ذات أهمية من حيث عدد المقاعد المتنافس حولها، إلا أنَّ قراءتها داخل المسلسل السياسي الذي يجتازه المغرب بعد مرور سنة على صعود حكومة العدالة والتنمية، يجعلها تقدم مجموعة من الرسائل السياسية الرسالة الأولى،العدالة والتنمية ينجح في الاختبار السياسي الثالث ويعطي "الشفاعة السياسية" لحزب سياسي صغير. الأكاديمي المغربي يقول إِنَّ حزب العدالة والتنمية يجتاز بنجاح التمرين السياسي الثالث بعد وصوله الى الحكم في 25 نونبر 2011، فرغم أن الفاعلين السياسيين الموجودين في المعارضة ظلوا "يبشرون" ببداية سقوط حزب العدالة والتنمية، فان انتخابات الخميس الماضي، توضح أنه بات يتدرج نحو التحكم في التوازنات السياسية في المغرب، وانه انتقل الى ممارسة ما يمكن تسميته ب"الشفاعة السياسية "لأحزاب أخرى، فقدرته على تدعيم مرشح حزب التقدم والاشتراكية في دائرة صعبة كاليوسفية بكل دلالتها السوسيولوجية والسياسية، تبين أنَّ حزب العدالة والتنمية، نجح في تجربة، لم تستطع ان تنجح فيها مكونات ما كان يسمى بتحالف مجموعة الثمانية في انتخابات 25 نونبر، لما لم تستطع تحالفاتها الميدانية التي جرت آنذاك في دائرة عين الشق او ازيلال ان تفرز مقاعد نيابية لأحزاب صغيرة ،وهذه الجاذبية الجديدة، وفق اسليمي، ستجعل أحزاب صغيرة اخرى تسعى الى الاقتراب من العدالة والتنمية في الانتخابات الجماعية المقبلة . الرسالة الثانية،"المشاتل الانتخابية" لحزب العدالة والتنمية تتوسع نحو الهوامش . ويذهب الأستاذ بجامعة محمد الخامس في الرباط، أنه بالرغم من ارتباط حزب العدالة والتنمية ب ظاهرة انتخابية حضرية، فإن فوزه بالمقعد النيابي لدائرة مولاي يعقوب، يوضح أنه يوسع "مشاتله الانتخابية" في مواقع كانت تسيطر عليها، إما الأحزاب التاريخية أو الأحزاب المسماة بالإدارية سابقا، وهو مظهر مخالف للاعتقادات التي كانت تقول إن وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة، وحالة الاحتجاج الموجودة في المجتمع اليوم ستقوده الى الانحصار والتراجع. وتدعُو المفارقة المتمثلة في ثنائية توسع مشاتل العدالة والتنمية والاحتجاجات، وفق الأستاذ اسليمي، الى اعادة قراءة مضمون رسائل هذه الاحتجاجات التي تفسر سطحيا بأنها ضد حكومة "عبدالاله بنكيران" . الرسالة الثالثة ،عودة الاحتجاج على وزارة الداخلية ومؤشرات مخاطر قادمة في الانتخابات الجماعية وفي غضون ذلك، يشيرُ الدكتور اسليمي إلى أنَّ نتائج الانتخابات التشريعية حققت فوز حزب الحركة الشعبية بمقعدين، وهو الحزب الذي عرف تراجعا كبيرا خلال انتخابات 25 نونبر 2011، ولم يعرف تغييرات تنظيمية بعد سنة على دخوله الحكومة. بيد أنه من الجلي، حسب الباحث، أنَّ حزب الحركة الشعبية يستفيد رمزيا من قيادته لوزارة الداخلية، وذلكَ شيء عادي ومتوقع، على اعتبار أنَ النخب والأعيان المحلين يتبعون جاذبية وزارة الداخلية، التي فتحت أمامهم بدخولها الى مرحلة القيادة الحزبية، وهو وضع كان من المتوقع أن يفتح فرضية الاحتجاج الذي بدأه حزب الاستقلال ضد الحركة الشعبية بعد حصولها على مقعدين في هذه الانتخابات الجزئية. وبالرغم من بعد فرضية التدخل التي يحتج بها حزب الاستقلال، إلا أنها تبقى بعيدة وفق الدكتور اسليمي، لكون وزارة الداخلية، تستعصي على الحزبية بالرغم من حزبيتها، نتيجة تراكمات تاريخية وموارد بشرية لازالت مرتبطة بفكرة وزارة السيادة، فإن قراءة احتجاج حزب الاستقلال بطريقة مستقبلية يحمل بوادر احتجاجات قادمة ستقود بعض الأحزاب الى عدم قبول نتائج انتخابات الجماعية المقبلة، خاصة وأن أحزاب المعارضة باتت تبحث عن كل الممكنات للاحتجاج على حكومة يقودها حزب العدالة والتنمية، الذي ستشرف حكومته على تنظيم الانتخابات الجماعية المقبلة، في وقت ترشح فيه الانتخابات بالمغرب للعودة الى احتجاجات ماقبل سنة 2002. الرسالة الرابعة: تدني معدلات المشاركة يطرح مخاطر عودة مساحات فارغة لا احد يعرف من يؤطرها . ويلاحظ الأستاذ اسليمي، بناءً على مقارنة المسلسلات الانتخابية الجزئية الثلاث، أن معدلات المشاركة تظل ضعيفة مقارنة مع الارتفاع النسبي الذي عرفته انتخابات 25 نونبر، بمعنى أن أدوات التعبئة التي اشتغلت عليها الدولة والأحزاب السياسية في سنة 2011، باتت تتآكل، ويبدو أن تدني معدلات المشاركة يخدم الأحزاب التي لها قواعد منضبطة في التصويت كحزب العدالة والتنمية، يضاف الى ذلك، أن النسب المتدنية تترك مساحات فارغة من التمثيلية السياسية لا أحد يعرف من هي الجهات التي يمكن أن تصل إليها،مقابل وجود ظاهرة مثيرة للانتباه، هي ارتفاع الأوراق الملغاة التي يمكن اعتبارها ظاهرة تعبر عن "احتجاجات صامتة" يمكن أن ترتفع أكثر في الانتخابات الجماعية القادمة . الرسالة الخامسة: بات التاطير في المجتمع منقسما بين الموالين للإدارة الترابية والموالين للعدالة والتنمية والموالين للعدل والإحسان . وفي الختام، يخلص الباحث إلى أنَّ الانتخابات الأخيرة تبعث برسالة أخرى، مؤداها أننا أمام عدد كبير من الأحزاب السياسية التي باتت مرهقة وطنيا ومحليا، لم تستطع تغيير نخبها القديمة أو الدفع بنخب جديدة الى الحقل السياس ، فالأحزاب التاريخية تموت ببطء وتبدو باقي المكونات الحزبية مرهقة ومشوشة نتيجة عدم قدرتها على بناء منهجية وطريقة لمعارضة حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة. وقد جعل هذا الإرهاق، في ظل ضعف الإدارة الترابية، تلك الأحزاب تتحول في العديد من الجهات للعب دور الوساطة وبناء التمثيلية، على اعتبار أنَّ الاحتجاجات والمطالب كلها اليوم، تتجاوز المجالس الجماعية المكونة من تمثيليات حزبية، وتتوجه نحو أبواب العمالات والأقاليم، التي باتت تلعب دور الأحزاب السياسية في الميدان وتدير نتائج وأثر ضعف الأحزاب السياسية محليا. واستنادا إلى ما ذكر آنفا، فإنَّ نتائج الانتخابات تبين، وفق اسليمي، صعوبة "النمط اليعقوبي الحزبي" في الانتقال إلى المحلي، وهي صعوبةٌ تجعل المجتمع يتجه في المستقبل إلى "الانشطار"إلى ثلاث أقطاب كبرى للتأطير والتعبئة، وهي قطب وزارة الداخلية عن طريق إدارتها الترابية، وقطب حزب العدالة والتنمية الحاكم، وجناحه الدعوي الإصلاحي، وقطب جماعة العدل والإحسان الدعوية، وبينهما تتضاءل هوامش التعبئة والتأطير لباقي المكونات الحزبية. يقول المتحدث ذاته.