صارت قضية المرأة شأنا عالميا، ولم تعد مسألة مجتمع أو شأنا داخليا. وهذا ما تدل عليه التشريعات والاتفاقيات الدولية القاضية بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة. وهكذا تراجعت حدة المرجعية الدينية لينتقل الجدل من داخل دوائر المؤسسات الدينية إلى الأوساط الدولية من مؤتمرات وندوات.. وقد بلغت المرأة مكانة، في نظر المجتمع والرجل، أقصى حالات التناقض الوجداني -كما يرى مصطفى حجازي- ومن ثم فهي أكثر تعرضا للتبخيس في قيمتها: الجنس، الجسد، الفكر، الإنتاج، المكانة، وهو ما يقابله مثلنة مفرطة تتجلى في الرفع من قيمة الأمومة (أو قيمة المرأة كأم) وما يغدق عليها من الصفات، الطيبة، المحبة، ورمزالتضحية. والحال أن طبيعة المرأة لا تبرر ما فرض عليها، فالفروق البولوجية، والتشريحية بينها وبين الرجل، لاتقدم أي سند طبيعي يبرر هذا القهر، بل إن الواقع البيلوجي يكشف أن المرأة أكثر مناعة من الرجل، والرصيد العصبي الدماغي لايقل عن الذي يوجد لدى الرجل عند الولادة. وبهذا فإن الفرق الموجود بينهما يتحدد في المكانة، وهو ما يلخصه فرج أحمد فرج »اختلاف عالم المرأة عن عالم الرجل لا اختلاف عقل المرأة عن عقل الرجل«!! هكذا تختزل المرأة إلى مجرد جسد، وهو ما يفجر لديها مخاوف على جسدها الذي ترى فيه كل قيمتها، بل يتحول إلى رأسمالها الرمزي والمادي. فيتركز اهتمامها على البكارة، والحفاظ على المظهر اللائق للجسد، والخوف الدائم الملفوف بالقلق من حدوث عطب أو إعاقة بالجسد... لقد تحدث مونتيني بعمق عن الموقف الذي يقفه الرجل تجاه المرأة، وهو موقف مليء بالمفارقات والتناقضات، فقد ضرب مثلا بملوك الفرس الذين كانوا يشاركون زوجاتهم في الحفلات والولائم، وحين كان يستبد بهم الخمر كانوا يأمرون زوجاتهم بالانصراف إلى غرفهن حتى لايشاركنهم في الشهوة، غير أنهم في مقابل ذلكم كانوا ينادون على نساء لايكنون لهم أي احترام. وقد علق مونتيني قائلا: إن المجتمع يضحي بقسم من النساء من أجل المحافظة على القسم الآخر، وهو ما يعني أن وجود نساء »عاهرات« يسمح بأن تعامل المرأة الشريفة بالحترام بينما العاهرة ليست سوى كبش فداء يحملها الرجل أفعاله الدنيئة ثم يعمل على نبذها. إن المرأة التي تختزل إلى مجرد جسد، هي أيضا غير قادرة على التحكم في جسدها الذي يظل مراقبا ومقيدا تساهم هي أيضا في فرض هذه القيود،من خلال الامتثال رتضييق أفق التحرك،مما يحد من حركة الجسد داخل المجتمع وداخل الفضاء العام، ويصبح محرما عليه التعبير عن رغباته وميولاته، أوإبداء رغبة في التعبير الجنسي، لأنه -في وعي الرجل- مجرد أداة جنسية لدى الرجل، وهو جسد -مجرد جسد- يظل في ملكية الأسرة والمجتمع وبعدهما في ملكية الرحل. وقد كان من وراء هذا النمط من الوعي القضيبي المهيمن أن صارت المرأة -حتى المتحررة في المجتمعات الغربية- لاتعي نفسها إلا جسدا ومن خلال. وهذا ماعبر عنه كينزلي ديڤيز K.Davis بأن النساء يلجأن بالضرورة إلى استخدام أساليب جنسية تمكنهن من السيطرة على الرجال أو التأثير فيهم. وهكذا نجدهن يستخدمن كل الطرائق الجنسية، سواء الذاتية أو المكتسبة الطبيعي منها أو الصناعي بغية الاستحواذ على الرجل وإخضاعه لتأثير الجنس القوي. وهذا ما يجعلنا نفهم أكثر ظاهرة البغاء التي لاتخرج عن قاعدة ووعي تتضخم فيه »الجسد« لتعامله كأداة لجني الأرباح عوضا عن استثمار الإمكانات والطاقات الخلاقة التي يمكن للجسد أن ينتجها. وقد عبرت سيمون دوبوڤوار بعمق حين رأت أن ما تقدمه المرأة للحصول على المقابل المادي (المالي)، ليس بالضرورة محكوم بالطمع والجشع، بقدر ما هو تحويل للرجل إلى مجرد أداة في يدها، فتنتقم لنفسها كأداة جنسية في ي الرجل الذي يعتقد أنه يمتلكها، غير أنه تملك جنسي خادع مادامت هي التي تمتلكه اقتصاديا..! هذا ما يجلي لنا وجوها جديدة للاستعمال الجنسي في الاقتصاد، حيث تحول الجسد الأنثوي (بما فيه المحجب لتسويق موضة معينة!) إلى رأسمال، هو ما يعرف في المجتمع الأمريكي بالاستثمار الاحتكاري للجنس -حسب گودن Goden- حيث تراجعت الدعارة بالمفهوم القديم، واختفت صورة العاهرة ذات الفم المنتفخ وذات المساحيق الصارخة، لتحل محلها صورة »سيدة الحفلات« التي تعمل وفق نظام مضبوط، وصارم، ومعقد، يخضع لنظام العلاقات بين الشركات. إذ يستخدم الجنس كأداة حاسمة في المنافسة والترويج للسلع، وتستخدم البغايا وسيلة ناجعة لإرضاء العملاء والحصول على موافقتهم. ويخلص گوردن إلى أن فتاة الترفيه هاته ليست سوى عاهرة، ورجل الأعمال الذي يستخدمها هو عبارة عن قواد، أما الألفاظ فلا أهمية لها في هذا المجال!.