وصف المركز المغربي لحقوق الإنسان الملاحقة القضائية لحقوقيين وإعلاميين بشأن أحداث سيدي إيفني بأنها هروب إلي الأمام وعمل غير ديمقراطي يسيء إلي سمعة البلاد . وهنا نتوقف تحديدا عند مسألة سمعة البلاد هذه، إذ لو لم يكن للمغرب سوي شيء واحد يفتخر به طوال سنوات طويلة فهو بالتأكيد حرية الصحافة وهذا الثراء في عناوين الصحف واتجاهاتها السياسية كما يتجلي ذلك بوضوح علي أرصفة العاصمة الرباط حتي باتت هذه الزرابي من الصحف والمجلات جزءا من شخصية المدينة وجمالها. ورغم سنوات القمع المريرة في تاريخ المملكة ظل الإعلام، غير الرسمي بالطبع، قادرا علي النقد الجريء حتي وإن اقتصر ذلك أحيانا، في فترات الجزر المقيتة، علي صحافة أحزاب المعارضة قبل أن تنتشر في السنوات الماضية بقوة ظاهرة الصحافة المستقلة باللغتين العربية والفرنسية. ولهذا فإن ظهور السلطات المغربية هذه الأيام في صورة المتغول الشرس علي بعض وسائل الإعلام تشهيرا وتقريعا وملاحقة في المحاكم يتضارب في الصميم مع صورة مغرب منفتح ومتسامح عرف بها علي الدوام رغم عثرات وكبوات هنا وهناك. صورة المغرب المنفتح والمتسامح هي التي جعلت من غير الغريب بالمرة أن تكون الرباط مقرا للمكتب الإقليمي للمغرب العربي لقناة الجزيرة ومنها انطلقت النشرة المغاربية التي سلطت الضوء علي كثير من قضايا الحريات وحقوق الإنسان في هذه المنطقة وهو ما لم يكن لتتحمله إعلاميا وسياسيا عاصمة مغربية أخري لم يتسع صدر بعضها لمراسل فكيف بمكتب إقليمي كامل!! هذا الرصيد المغربي القديم والمتجدد بات اليوم علي عتبة التبديد الكامل بسبب هذه الغضبة المبالغ فيها بعد أحداث سيدي إيفني خاصة عندما تلبس لبوس الوطنية بحيث تحول خبر بثته هذه القناة، منسوب إلي مصادر محددة، قد يستلزم التصويب أو النفي من مصادر رسمية يفترض أن تنبري هي بنفسها دفاعا عن ما تقول إنه صدقية في روايتها لأحداث تلك المدينة ومغالطات في روايات غيرها، إلي طامة كبري لا طامة بعدها تستلزم الاعتذار وفي غيابه هناك المحاكمات وربما بالتالي السجون!! وللأسف الشديد تفاعلت ردود الفعل الرسمية المغربية في شكل مزايدات غير مبررة، غذت بعضها حملات صحافية منافقة، فتحول إيقاف النشرة المغاربية من المغرب، لأسباب فنية إلي سحب الاعتماد الصحافي لمدير المكتب حسن الراشدي وصولا إلي مثوله أمام المحكمة مطلع الشهر المقبل. لقد حدث المحظور الآن ويمكن القول أن مكتب الجزيرة الإقليمي في الرباط تجربة وصلت إلي نهايتها حتي وإن هدأت النفوس في المستقبل وأمكن تجنب الأسوأ. لقد تبخرت الثقة بين الجانبين ولم يعد بإمكان المحطة أن تستأنف عملها من هناك طاوية صفحة ما جري، كما لم يعد بإمكان السلطات المغربية أن تتصرف بأي نوعية من الأريحية مع هذا المكتب في الأشهر المقبلة. ولهذا تبحث المحطة هذه الأيام عن البديل الذي قد يكون مكتبا للمغرب العربي ولكن.... من مدريد أو باريس، وهذا الأمر إن حصل سيشكل خسارة فادحة للمغرب، وليس للجزيرة، في حين أن من تهللت أساريرهم الآن في تلك الربوع لاختفاء النشرة المغاربية من الرباط سيجدون أنفسهم أمام شكل ومضمون أكثر جرأة وحرية بحيث قد يترحمون وقتها علي نشرة الرباط التي كثيرا ما اشتكوا منها وتذمروا ليجدوا أنهم إما دفعوا الأمور إلي ما هو أسوأ بالنسبة إليهم، لكنه قد يكون الأفضل للحقيقة ولمشاهدي القناة الكثر هناك. عن القدس العربي