بسم الله الرحمن الرحيم غير خاف على منصف وذي بصيرة أن من أبرز التحديات التي تواجه المنظومة التربوية والتعليمية ببلادنا قضايا القيم والأخلاق التي يؤدي غيابها إلى التأثير سلبا على التحصيل العلمي لدى المتعلمين، ويعتبر ضعفها سببا رئيسا لمختلف المشاكل التي يشكوا منها المعلمون والمتعلمون، غير أنها لا تستحضر كثيرا فيما يعرض من رؤى وخطط للإصلاح، لذا وجب التنبيه لأثر ذلك في تحقيق الفوائد المرجوة من التربية والتعليم، ومكاشفة النفس بما يحققه ذلك من غايات منشودة وأماني غائبة. أهمية القيم والأخلاق لدى الأستاذ: ينظر التلميذ غالبا إلى أستاذه بأنه مرب وموجه ومثال، يراقب حركاته وسكناته، ويقارن قوله بفعله، ويزن كل صغيرة وكبيرة تصدر منه قد لا يأبه الأستاذ لها أحيانا، فاستقامة الأستاذ وكفاءته تعني القبول والتأثير الحسن على التلميذ، والأستاذ ذو السمعة السيئة والصفات الرذيلة ينفر منه الجميع؛ فيؤدي الأمر إلى بغضه وما يصدر منه؛ فيحجب ذلك الاستفادة منه، وكم عظيم عظم في عين تلميذه بسلوكه وأخلاقه، وصغير صغر في عين التلميذ بانحرافه، ولو سألت سر حب التلاميذ لأساتذة وبغضهم لآخرين لرأيت السبب مرتبطا بالقيم والأخلاق؛ فكم من مرب يتلفظ في قسمه بكلمات نابية غير لائقة، يمجها الشرع وتأباها الفطرة الإنسانية النبيلة، ويفعل أفعالا ترسخ تصورات سلبية في ذهن التلميذ تجاه أستاذه الذي يفترض أن يكون المثال المتبع في قوله وفعله، يقوم الاعوجاج برفق مهما كان الشر مستطيرا، ويعالج ما يطرأ بحكمة ولين، وفق ما يقتضيه المقام، ولا يقتصر ذلك على الحصص الدراسية داخل القسم، بل وخارجه أيضا، في كافة شؤونه وحياته واعيا بوظيفته الرسالية، ومهمته النبيلة؛ فالأستاذ كبير في عيون تلاميذه، وهم مولعون بتقليده والاقتداء به، وإن الأستاذ لا يستطيع أن يربي تلاميذه على الحياء إلا إذا كان حييا، ولا يستطيع إصلاحهم إلا إذا كان صالحا؛ لأنهم يأخذون عنه بالقدوة أكثر مما يأخذون عنه بالتلقين، ويتأثرون بفعله أكثر من قوله، وكم هو مؤلم أن تتحدث عن قيم غائبة بين التلاميذ وتحثهم على الالتزام بها؛ فيكون جوابهم أن ذلك غائب لدى الأساتذة أيضا، وكم مرة سمعت ذلك أذناي؛ فشعرت بامتعاض شديد وأسى بالغ لواقع هؤلاء الرسل. ورب كلمة نطق بها أستاذ ولا يلقي لها بالا ويكون وقعها على التلميذ عظيما؛ فكلمات الأستاذ المربي التي يتلقفها التلاميذ معيار من معايير تقويم شخصيته، لذا وجب على الأستاذ حفظ منطقه ولسانه، فلا يسمع منه التلاميذ إلا خيرا، وإذا غضب فعاتب أو حاسب، فلا يليق به أن يجهر بالسوء من القول، فالكلمة الجارحة تؤجج الغضب وتهدم أسوار المحبة، فمهما يكن من أمر فالتلاميذ لهم مشاعر، واعتبارات ينبغي أن نرعاها، وهم بين أيدينا للتربية قبل التعليم. أهمية القيم والأخلاق لدى التلميذ: صلاح التلميذ واستقامته ينعكس إيجابا على التحصيل العلمي للتلميذ؛ ذلك أن غالب ما يلاحظ من انحرافات وأسباب مؤدية إلى الفشل الدراسي تكون مرتبطة بالقيم والأخلاق، وللتربية الإسلامية الدور الريادي في تقويم اعوجاج التلاميذ، لا كمادة بل كوظيفة مشتركة بين جميع المواد والأساتذة، فلا يجوز أن تخلو مادة من رسالة تربوية، فلا قيمة لدروس نظرية لا يتجاوز أثرها الشرح والتحليل وغاية الامتحان. وقد ثبت بالتجربة والمعاينة أن التلاميذ المتخلفون دراسيا يعود سبب تخلفهم غالبا لعادات سيئة وارتكاب محرمات ممنوعة شرعا، قد تكون مخدرات بشتى أنواعها، أو علاقات محرمة، أو معاصي أخرى، تصرف التلميذ عن غايته التربوية والتعليمية، وكم تلميذ منحرف علما وعملا؛ كان المدخل لإصلاحه ربطه بالقيم والأخلاق الإسلامية؛ التي تؤثر تلقائيا في مسيرته، وتصيره تلميذا متفائلا ناجحا، وقد جربت هذا مع عينة من التلاميذ الذين كانوا مضرب مثل زملائهم في الانحراف بشتى أنواعه؛ فكانت التجربة نافعة وأتت أكلها في وقت وجيز، لا يعد في حساب الإصلاح شيئا، كما أن السيبل الأمثل لعلاج أي انحراف داخل القسم وخارجه هو الحديث انطلاقا من قيم الإسلام ومبادئه؛ ذلك أن أي تلميذ يخاطب أو يذكر بقول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم؛ إلا ويطأطئ رأسه اذعانا واستجابة لأمر الله ورسوله، وهذا أمر لا يقتصر على مادة معينة أو أستاذ معين؛ بما أن الجميع معني بهذه الرسالة، ومطالب بأداء الأمانة، باعتباره مسلما يحمل رسالة الله، ووظيفته وظيفة الأنبياء والرسل في التزكية والتعليم. وكلما استقام التلميذ وصلح حاله قلت أو انعدمت المشاكل التي تصدر منه داخل قسمه وخارجه، ولعل الأساتذة يوافقونني الرأي أن التلاميذ المتدينين من الرجال والنساء لا تصدر منهم مشاكل سلوكية، ولا يجد الأستاذ معهم حرجا في شتى الشؤون التربوية والتعليمية، لذا وجب العناية بالتربية الإسلامية باعتبارها أساس الإصلاح وأساس الانضباط، ليس بحضرة المربي فحسب، بل في كل زمان ومكان، لحضور الرقابة الربانية (وهو معكم أينما كنتم) وهي رقابة لا تجدها إلا لدى من يخشى الله، فيمتنع عن إفساد محيطه أو الإساءة لأساتذته وزملائه استشعارا لتلك الرقابة؛ فيكون نافعا في محيطه، مثالا لزملائه وقدوة لجلسائه، ومدارسنا وإن كانت تعاني من شح وندرة من هذه الأمثلة الطيبة فينبغي رعاية الموجود وزرع قيم وفضائل لاستنبات أمثلة مشابهة. وإن من منكر القول وزور الكلام أن تسمع من يردد بلا خجل أن أمر التلميذ خارج القسم لا يعنيه، شرب الخمر أو زنى أو سرق، أو ارتكب ما شاء من الموبقات؛ فلا يكترث الأستاذ لذلك ولا يلقي له بالا، بله أن يكلف نفسه نصحا وإرشادا، وإني لأرى هذا من خيانة الرسالة وإخلال بواجب الأمانة، ففريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كانت مسؤولية كل مسلم، فكيف بالمربي والمعلم! [email protected] www.facebook.com/karimkallali