جرت٬ ظهر اليوم الثلاثاء بالرباط٬ مراسيم تشييع جثمان الباحث والمحلل الاقتصادي المغربي إدريس بنعلي٬ الذي وافته المنية أول أمس الأحد بمدينة مراكش عن عمر يناهز 69 عاما بعد صراع مع المرض. وبعد صلاتي الظهر والجنازة بمسجد الشهداء٬ نقل جثمان الراحل إلى مثواه الأخير بمقبرة الشهداء حيث ووري الثرى٬ في موكب جنائزي مهيب حضره٬ إلى جانب عائلة الفقيد٬ عدد من أعضاء الحكومة وزعماء أحزاب سياسية٬ وجامعيين وعدة شخصيات من عالم السياسة والفكر والأدب وجمع من أصدقاء وطلبة الراحل. وتليت٬ بهذه المناسبة الأليمة٬ آيات بينات من الذكر الحكيم٬ كما رفعت أكف الضراعة إلى الله العلي القدير٬ بأن يتغمد الراحل بواسع رحمته٬ وأن يشمله بمغفرته ورضوانه٬ وأن يجعل مثواه فسيح جنانه٬ ويتلقاه بفضله وإحسانه في عداد الأبرار من عباده المنعم عليهم بالنعيم المقيم. وأكد مصطفى الخلفي٬ وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة٬ أن رحيل الأستاذ والمفكر إدريس بنعلي يعد خسارة لشخصية كانت لها عطاءات واجتهادات أهلته لأن يشكل إحدى المنارات العلمية في المجال الاقتصادي على الصعيد الوطني٬ "نفقد بوفاته شخصية من الشخصيات التي أنجبها هذا المغرب المعطاء". وأبرز الخلفي أن الراحل كان دمث الأخلاق متحليا بقيم الغيرة الوطنية والبذل في مجال البحث العلمي٬ وفي نفس الوقت ملتزما ومنخرطا في النهوض بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية لبلاده. وذكر بأن الراحل من بين الشخصيات التي اشتغل معها عمليا عندما كان رئيسا للجنة دعم الأعمال السينمائية طيلة ثلاث دورات٬ حيث استطاع٬ بخبرته وحنكته٬ أن يضفي على عمل هذه اللجنة جرعة عالية من المهنية والشفافية والنزاهة٬ وأن يكون مساهما في تنزيل مقتضيات الحكامة الجيدة. من جهته٬ قال عبد القادر باينة٬ أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط٬ إنه برحيل الأستاذ بنعلي يفقد المغرب دعامة من دعامات البحث العلمي الأكاديمي٬ أستاذا وباحثا وعالم اقتصاد٬ وفي الآن نفسه مهتما بقضايا وطنه٬ ولاسيما ما يتعلق منها بالشق الاقتصادي٬ الذي كان مشهودا له بالموضوعية والصراحة فيه٬ داعيا الباحثين إلى تعميق ما بدأه الراحل من أبحاث وتحليلات. وفي شهادته٬ قال كمال التازي٬ أستاذ الاقتصاد بنفس الجامعة٬ أن "عالم الفكر والبحث والاقتصاد بالمغرب يبكي اليوم٬ برحيل الأستاذ إدريس بنعلي٬ واحدا من أعمدته وأطره٬ عاش مناضلا يحب بتفان وطنه الذي أخلص له". وأضاف أن الراحل بنعلي كان متفانيا في حب الجامعة والعلم٬ وناضل طوال حياته من أجل مغرب حداثي ديمقراطي٬ ومن ألمع الأساتذة في العقود الخمسة الماضية٬ "فاليوم نفقد برحيله إنسانا وباحثا فذا من خيرة الباحثين المغاربة". وقال عبد السلام الصديقي٬ أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط إنه بوفاة الأستاذ إدريس بنعلي "نفقد أحد رجالات العلم خاصة في مجال التاريخ الاقتصادي"٬ مذكرا بأن الراحل واصل مشواره في مجال التدريس بكل إخلاص حيث كان مثالا في طريقة الإلقاء والتبليغ٬ وكان محط تقدير الجميع من خلال مساهماته العلمية ومقالاته التحليلية. يذكر أن الراحل الأستاذ إدريس بنعلي عرف بانخراطه في مختلف النقاشات المفتوحة التي كانت تهم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلاد ومستقبلها٬ وخلف العديد من الأبحاث والمقالات التي تميزت بتحليلاته العميقة وبمواقفه الجريئة٬ ناقش من خلالها قضايا الشأن العام بالمغرب٬ باستقلالية المثقف وجرأة الخبير والمحلل. وطبع الراحل٬ بآرائه السديدة وصراحته الفكرية٬ حقل التحليل الاقتصادي٬ ليس في المغرب فقط ولكن في المغرب العربي كله. وعلى امتداد أزيد من ثلاثين سنة٬ ترك الفقيد بصماته على أجيال من الأطر وصناع القرار٬ لاسيما من خلال الآراء التي كان يدلي بها بخصوص الإشكاليات الكبرى التي يعرفها الاقتصاد. وكان الراحل بنعلي أستاذا باحثا بجامعة محمد الخامس بالرباط٬ ومختصا في الشؤون المغاربية٬ ومستشارا وطنيا ودوليا٬ كما شغل منصب رئيس لجنة دعم الإنتاج السينمائي. ويعد أحد مؤسسي جمعية "مغرب بلوس". وألف العديد من الكتب والمقالات من بينها "التنمية والانتقال نحو اقتصاد السوق"٬ و"التجارة شمال - جنوب"٬ و"تحليل العلاقات شمال - شمال" و"اقتصاد التنمية".