يصر السيد عبد الاله بنكيران،على تفعيل عقيدته السياسية ، المبنية على قاعدة أولوية العلاقة مع الدولة على التقيد بالدستور،لذلك عندما يلوح قائلا بان رحيله بيد الملك ،فهو لا يترك جانبا -فقط-تعاقداته الانتخابية مع المواطنين الذين اختاروا التصويت على حزبه،و لا يفعل نفس الشئ بجوهر الميثاق السياسي ،الذي ترجمه تصويت الأغلبية على برنامجه الحكومي.اكثر من ذلك انه يتجاهل نصوص الدستور الذي لم يتصور ،صراحة،وضعا يكون انهاء الحكومة بيد الملك،بشكل مباشر. لافت،في البدء،ان رئيس الحكومة ينسخ بنفسه ،تصريحا سابقا يربط فيه بين ذهابه و بين عدم رضا الشعب على اداء حكومته. المؤكد ،ان هذا التلويح الغاضب،دليل جديد على تمسك الاستاذ بنكيران،بصيغة لتدبير الموقع الحكومي،تقوم على اساس "توافق "كامل مع المؤسسة الملكية،لكنه توافق "معلن"من جهة واحدة،لذلك فان استراتيجية المنطق السياسي لمثل هذه التصريحات،تهدف الى امكانية عزل "المؤسسة الملكية"عن كل الجهات التي يعتبرها حزب العدالة و التنمية ،في حرب مفتوحة تجاه تجربته الحكومية،وطبعا فإن التاريخ يعيد بمكر نفسه هنا ،فمنذ الخمسينات ظل خطاب الحركة الوطنية،يمزج بين الدفاع عن التوافق،و بين مواجهة "القوة الثالثة" بكل المسميات التي اطلقت عليها في كل الحقب والمراحل. بين الخمسينات واليوم، جرت مياه عديدة اسفل الجسور الممتدة بين الدولة والقوى السياسية،لكن المتغير الاكبر يظل هو الدستور الجديد،المبني على هندسة مغايرة للعلاقة بين الحكومة و المؤسسة الملكية. لقد ظلت هذه العلاقة خلال دساتير 62-70-72 ،مبنية على خضوع الحكومة في وجودها للملك وحده،إذ يعد التعيين الملكي الشرط الوحيد لتأليف الحكومة ولمباشرة مهامها دون حاجة إلى موافقة البرلمان. إنها حكومة تابعة للملك تشكيلا وتأليفاً، مسؤولية وسلطة، ولأنها تعين من طرف الملك، فهي خاضعة للمسؤولية أمامه اساسا. اما بعد دستور 92،فقد فتحت "كوة"صغيرة لبث "نفس "برلماني محدود ،داخل البنية الدستورية المغربية" الرئاسية" الطابع، حيث لأول مرة سينص الفصل 59منه، وبعد إقراره بأن الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام مجلس النواب، على أن الوزير الأول يتقدم، بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، أمام مجلس النواب ليعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه، وان هذا البرنامج يكون موضوع مناقشة يعقبها تصويت. الكوة الصغيرة، ستتوسع فيما بعد ،اذلم يترك دستور 2011 أي شك في كون النظام الدستوري المغربي قد مر إلى لحظة التنصيب البرلماني للحكومة فالفصل 88 منه، ينص في فقرته الأخيرة على أنه: "تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي". إن التنصيب في حالة دستور 2011 يعد كذلك ترجمة لمبدأ المسؤولية المنصوص عليه في الفصل الأول وتنزيلا للمرتكز الرابع من الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 الذي تحدث عن قيام "حكومة منتخبة" بانبثاقها عن الإرادة الشعبية، المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع، والتي تحظى بثقة أغلبية مجلس النواب،عملا بقاعدة المنهجية الديمقراطية. لقد اتجه المشرع الدستوري نحو جعل الحكومة مسؤولة حصرياً أمام مجلس النواب (أنظر الخطاب الملكي ل 2011-6-17)، لذلك اختفت من دستور 2011 تلك الفقرة التي ظلت حاضرة في الدساتير الخمسة السابقة (62-70-72-92-96) والتي تجعل الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام مجلس النواب. ان تدبير العلاقة حكومة/برلمان،اصبح خاضعا للمنطق البرلماني،و لذلك فان احتمال التدخل الملكي -دستوريا-اصبح يمر بالضرورة ،عبر امكانية اللجوء لحل البرلمان،الذي تستتبعه منطقيا انتخابات سابقة لأوانها في غضون شهرين على الاكثر من تاريخ الحل. بعيدا عن هذا المنطق،يفضل رئيس الحكومة ان يكرس ممارسة سياسية مبنية على "ارث"رئاسي مطلق للنظام الدستوري المغربي،لذلك لا يريد بنكيران ،كفاعل سياسي،ان يبدو مستقويا بنصوص الدستور،بقدر ما يريد ان "يفهم" الدولة،بانه لا يستند -اساسا-سوى الى الثقة القادمة من "الاعلى"،و ان تلك الثقة هي المصدر ،الرئيس،لشرعيته. وهنا، بالظبط، تكمن الحدود "الإرادية" التي تضعها هذه التجربة الحكومية لنفسها.